سور القرآن الكريم
أنزل الله تعالى القرآن الكريم بمئةٍ وأربع عشرة سورةً في ثلاثين جزءاً، وتضمَّن الجزء الأخير من القرآن الكريم، المعروف بجزء عمَّ، عدداً من هذه السُّور التي تميّزت بكونها من قِصار السُّور؛ لعدد آياتها القليل مُقارنةً بسائر سور القرآن، ومن بين قِصار السّور تلك سورتا الفلق والنَّاس، وفي ما يأتي تعريفٌ عامٌّ بهاتين السُّورتين، وبيانٌ لسبب نزولهما، وتوضيحٌ لفضلهما.
تعريفٌ عامٌّ بسورتيّ الفلق والنَّاس
سورة الفلق
سورة الفلق سورةٌ مكيَّةٌ، نزلت قبل هجرة النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- على الرَّاجح من أقوال المفسِّرين، بعد سورة الفيل وقبل سورة النَّاس، وهي في الجزء الثَّلاثين، والحزب السِّتين، وهي السُّورة رقم مئةٍ وثلاث عشرة في ترتيب المُصحف الشَّريف، وعدد آياتها خمسة، ومعنى السُّورة في مجملها: الأمر بالاستعاذة بالله تعالى من شرِّ الأشرار من المخلوقات والأوقات التي يَكثر فيها وقوع الشَّر؛ من أجل اتِّقائها والوقاية منها جميعاً؛ فقد بدأت السّورة بالاستعاذة بالله ربِّ الفلق، أي الصّبح، من شر مخلوقات الله، ومن شرِّ الغاسق إذا وقب، والمراد به الليل إذا دخل وقته وحلَّ فاشتدَّت ظلمته، وقد خُصَّ اللّيل بالذّكر لأنَّ الشُّرور والمساوئ يكثر وقوعها في اللّيل، والاستعاذة من النفّاثات في العقد وهنَّ النِّساء السَّاحرات، وقد جاءت مؤنثةً؛ لأنَّ الغالب المُتعارف عند العرب تعاطي النِّساء بالسِّحر وتعاملهنَّ به أكثر من الرّجال، والاستعاذة من شرِّ الحاسد وحسده، وهو من يتمنّى زوال النّعمة عن الآخرين.[١]
إقرأ أيضا:ايات تسهيل الزواجسورة النَّاس
سورة النَّاس سورةٌ مكيَّةٌ، نزلت بعد سورة الفلق وقبل سورة الإخلاص، وهي السُّورة الحادية والعشرون في ترتيب نزول السُّور على النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، والسُّورة المئة والرَّابع عشرة والأخيرة في ترتيب المُصحف الشَّريف، عدد آياتها ستَّة، ومعنى السُّورة في مجملها: الأمر بالاستعاذة من شرِّ الوسوسة التي قد يُلقيها الشَّيطان أو شرار النَّاس في قلوب النَّاس؛ فيَضِلُّون عنها ويضَلُّون.[٢]
سبب نزول سورتيّ الفلق والنَّاس
أمّا فيما يتعلق بسبب نزول هاتين السّورتين فقد كتب البُيهقيّ في كتابه (دلائل النبوّة) روايةً يذكر فيها أنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قد مرض مرضاً شديداً جدّاً، فجاءه مَلَكان ليداوياه، فجلس أحدهما عند رأسه والثّاني جلس عند رجليه -عليه الصَّلاة والسَّلام-، فسأل الذي عند رجليه الملك الذي عند رأسه ماذا يرى؟ فأجابه الملك: طبّ، والطبُّ هو السِّحر، وأنّ الذي سحره هو لبيد بن الأعصم اليهوديّ، وأنّ هذا السِّحر في بئر آل فلان تحت صخرة، فذهبوا إلى المكان، وأخلوا ماءه ورفعوا الصّخرة التي يوجد تحتها السِّحر، وحرقوه، ولمَّا أصبح الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- في اليوم التّالي أرسل عمار بن ياسر -رضي الله عنه- مع جماعةٍ ليأتوا بهذا السّحر، فقد كان ماؤه كماء الحِّناء، فأزاحوا الماء ورفعوا الصّخرة مرّةً أخرى وأحرقوها، وقد كان فيها إحدى عشرة عقدة، وكلَّ ما كان الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- يقرأ آية من هاتين السُّورتين كانت تنحلُّ عقدةٌ إلى أن فُكَّ السِّحر كلُّه، ولذلك سمِّيت هاتان السُّورتان بالمُعوّذتين؛ لأنّ الإنسان يتعوّذ بهما من شرار المخلوقات والنَّاس، فيحميه الله ويخلِّصه من كلِّ شرٍّ، كما روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضًا شَدِيدًا فَأَتَاهُ مَلَكَانِ فَقَعَدَا أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: مَا تَرَى؟ قَالَ: طُبَّ، قَالَ: وَمَا طَبَّهُ؟ قَالَ: سُحِرَ، قَالَ: وَمَا سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ الْيَهُودِيُّ، قَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ آلِ فُلَانٍ تَحْتَ صَخْرَةٍ فِي رَكِيَّةٍ فَأْتُوا الرَّكِيَّ فَانْزِحُوا مَاءَهَا وَارْفَعُوا الصَّخْرَةَ ثُمَّ خُذُوا الْكِرْبَةَ فَاحْرِقُوهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا الرَّكِيَّ فَإِذَا مَاؤُهَا مِثْلُ مَاءِ الْحِنَّاءِ فَنَزَحُوا الْمَاءَ ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وَأَخْرَجُوا الْكِرْبَةَ فَأَحْرَقُوهَا فَإِذَا فِيهَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَاتَانِ السُّورَتَانِ فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)).[٣]
إقرأ أيضا:فضل سورة يوسففضل سورتيّ الفلق والنَّاس
إنَّ للمُعوّذتين، أي سورتيّ الفلق والنَّاس، فضائل عدَّةٌ جاءت على ذكرها الأحاديث النبويَّة الشَّريفة، ومن هذه الفضائل:
- وصف النبي -عليه الصّلاة والسّلام- سورتي الفلق والنَّاس بعد نزولهنَّ عليه بأنَّهنَّ لم يُرَ مثلهن؛ وذلك في دلالةٍ على منزلتهنَّ وعِظمهنَّ، كما روى عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنَّه قال: (أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)).[٤]
- إنَّ في قراءة المعوذتين رقيةٌ من العين والحسد، وعند الإصابة بمرضٍ أو ألمٍ، وذلك كما روته عائشة -رضي الله عنها-: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – عليه الصّلاة والسّلام – كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا).[٥]
- من فضل هاتين السُّورتين أنَّ النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حثَّ على قراءتهما في الصَّباح والمساء كجزءٍ من أذكار الصَّباح والمساء؛ لأنَّ في قراءتهما كفايةٌ من كلِّ شيءٍ، كما روى عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- قال: (خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ: قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، قَالَ: قُلْ، فَقُلْتُ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).[٦]
- من فضل المُعوّذتين طلب النَّبيّ من الصَّحابة -رضي الله عنهم- قراءتها عَقِب كلِّ صلاة، كما روى عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالمُعَوِّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ)