العناية بالنفس البشرية
حرصت الشريعة الإسلامية على العناية بالنفس البشرية، وحفظت بأحكامها المُحكَمة هذه النفس، بل وجعلت ذلك ضرورة من ضروراتها، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ )، وحرّمت الاعتداء على هذه النفس، ووضعت العقوبات الزاجرة والرادعة للحد من انتشار القتل في المجتمع الإسلامي، ووضعت القواعد التي تحفظ لهذا المجتمع أمنه، وتحفظ حقوق الإنسان فيه، أمّا بالنسبة لاعتداء الإنسان على نفسه، فقد جعلت الشريعة الإسلامية لذلك أحكاماً خاصة، وخصوصاً من يقتل نفسه أو ما يُعرف بالانتحار، فما المقصود به، وماحكمه الشرعي، وما حكم فعله إذا كان الفاعل مريضاً نفسياً.
معنى الانتحار
- الانتحار في اللغة من انتحرَ ينتحر انتِحارًا فهو مُنتحِر، يُقال انتَحَرَه بِالعَصا أي؛ ضرَبَهُ بِها، واِنْتَحَرَ السَّحابُ أي؛ اِنْدَفَعَ مِنْهُ مَطَرٌ كَثِيرٌ، وانتَحَرَ الرَّجل؛ أي قتل نفسَهُ بواسطة شيءٍ معين، وانتَحَرَ القوم على الأمر أي؛ تشاحُّوا عليه وحَرَصوا، والانتحار الأخلاقي يعني: تعريضُ سمعة الشخص ونفوذه لخطر الزوال.
- أما الانتحار في الاصطلاح فيُقصد به: كل فعلٍ يقوم به الشخص ويؤدي قيامه بهذا الفعل إلى قتل نفسه وإزهاق روحه، وقيل: هو قرار يأخذه شخص معين بإنهاء حياته بنفسه ثم يعمد إلى ذلك بالفعل المباشر.
حكم انتحار المريض النفسي
حكم الانتحار
حرّمت الشريعة الإسلامية الانتحار، بل ويُعتبر الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب التي توعّد الله سبحانه وتعالى فاعلها بالعذاب العظيم، وقد ورد ذلك في نصوص السنة النبوية الشريفة، ومنها:
إقرأ أيضا:أحكام سجود السهو- ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (من تردّى من جبلٍ فقتل نفسَه، فهو في نارِ جهنمَ يتردّى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسَه، فسمُّه في يدِه يتحساه في نارِ جهنمَ خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسَه بحديدةٍ، فحديدتُه في يدِه يجأُ بها في بطنِه في نارِ جهنمَ خالداً مخلداً فيها أبداً).
- ما رواه ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (من حلفَ بملةٍ سوى الإسلامِ كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، ومن قتل نفسَه بشيءٍ عذّبَه اللهُ به في نارِ جهنمَ، هذا حديث سفيان، وأما شعبة فحديثُه أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: من حلف بملّةٍ سوى الإسلامِ كاذباً فهو كما قال، ومن ذبح نفسَه بشيءٍ ذُبِحَ به يومَ القيامةِ).
حكم انتحار المريض النفسي
قد يُصاب الشخص المسلم بأمراض نفسية أو بأمراض عضوية، تُحدث تأثيراً شديداً على عقله؛ بحيث لا يعلم ما ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال، فمثل هذا الشخص إن حصل منه وقام بقتل نفسه؛ فلا يكون ولا يعتبرمع المذنبين الواقعين في كبيرة الانتحار، ولا إثم عليه، بل يكون معذوراً؛ وذلك بسبب وجود مانع من موانع التكليف الشرعي وهو فقدان العقل، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ القلَمُ عن ثَلاثٍ، عنِ النَّائمِ حتَّى يستَيقظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يَكْبرَ، وعنِ المَجنونِ حتَّى يعقلَ أو يُفيقَ).
المرض النفسي وأسبابه
معنى المرض النفسي
يُعرّف المرض النفسي -أو ما يُعرف من الناحية الطبية باسم الاضطراب النفسي- بأنّه: (سلوك أو متلازمة نفسية، ذات أهمية سريرية، مترافقة بانزعاج، أو إعاقة، وليست مجرد استجابة متوقعة لحدث معين أو محصورة في علاقات الشخص بمجتمعه)،[٩] ويمكن تعريف المرض النفسي أيضاً بأنّه عبارة عن اضطراب وظيفي في شخصية الفرد، ويعود ذلك لوجود خلل أو تلف أو انحراف عن السواء، ويعود سببه إلى الخبرات المؤلمة التي مرّ بها الفرد، أو إلى الصدمات الإنفعالية الحادة التي تعرض لها الشخص.
إقرأ أيضا:ما مبطلات الصومأسباب المرض النفسي
تحدث الأمراض النفسية في الغالب نتيجة لاجتماع عدة عوامل وأسباب مختلفة، ويُقسّمها المختصون في الطب النفسي بحسب ترتيبها الزمني إلى:
- عوامل مُهيّئة؛ ويُقصد بها العوامل التي تسبق حدوث المرض النفسي بفترة، ويصبح الشخص بموجبها قابلاً لحدوث مرض نفسي عنده، وتشمل هذه العوامل:
- التكوين الجيني أوالعامل الوراثي.
- العوامل التي يتعرض لها الجنين وهو في رحم الأم.
- العوامل المرتبطة بشخصية الفرد.
- العوامل المتعلقة بمرحلة الطفولة.
- عوامل معجّلة؛ ويُقصد بها العوامل التي تحدث مباشرة قبل حدوث المرض النفسي، والتي تبدو وكأنها مسببه للمرض، وتشمل:
- عوامل جسدية؛ كالأمراض الجسدية مثل الأورام وغيرها، بالإضافة إلى الأدوية والكحوليات.
- عوامل نفسية؛ مثل التفاعلات النفسية الناجمة عن البيئة المحيطة بالفرد، ونظرة الفرد لنفسه.
- عوامل اجتماعية؛ مثل صعوبات العمل، والمشاكل العائلية، والمشاكل الزوجية.
- عوامل مُديمة؛ وهي العوامل التي تُطيل مدّة المرض النفسي بعد حدوثه، مثل: فقدان الثقة بالنفس، وضعف معنويات الفرد