القرآن الكريم
بعث الله -تعالى- نبيّه محمّد -صلّى الله وعليه وسلّم- ليكون خاتم الأنبياء وآخر المُرسلين، وليدعوا النّاس كافّةً إلى دعوة التّوحيد خاتمة الرّسالات السّماويّة رسالة الإسلام، وأيّد الله -تعالى- رسوله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- كما أيّد رُسله السّابقين بالمعجزات، فكانت معجزته الخالدةُ بخلود رسالته ودعوته وهي القرآن الكريم، الذي جاء في بلاغته وجزالته ومضمونه ومعناه معجزاً للنّاس جميعهم من عربٍ وعجم، فحتى العرب أهل الفصاحة والبيان عجزوا عن مجاراته، وقد تعهّد الله -تعالى- كتابه العظيم بالحفظ والصّيانة عن أي تحريفٍ أو تبديلٍ أو إنقاصٍ أو تضييع، فقال مؤكِّداً على ذلك: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،[١] وقال أيضاً في موضعٍ آخر في ذات المعنى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ*لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)،[٢] ونظراً لمكانة القرآن الكريم لدى المسلمين جمعياً ومنزلته في قلوبهم وأثره في حياتهم ومِساسه بجوانبها المختلفة من عبادةٍ ومعاملاتٍ وأخلاقيّات، وكونه دستوراً ينظّم حياة المسلم فقد اعتنى المسلمون أفراداً ودول بالقرآن الكريم، فكان من مظاهر العناية والاهتمام به طباعته ونشره والعمل على التأليف في التّفسير وتوضيح معانيه، وإنشاء المراكز المتخصّصة بتحفيظه وتعليم تلاوته، وانشغال أعدادٍ ليست بالقليلة في حفظه، وفي هذا المقال بيان لمفهوم القرآن الكريم، وتوضيح لأهميّة حفظه، والثّمرة المرجوّة من حفظه والفوائد التي تعود على حافظه.
إقرأ أيضا:طريقة لحفظ القران الكريمأهميّة حفظ القرآن الكريم
تَعظُم أهميّة حفظ القرآن الكريم؛ لكونه خاتم الكُتب السّماويّة، وتتمثّل أهميّته في أنّ حفظ القرآن الكريم يعدّ أولى خُطوات طلب العلم وخاصّة عند العلماء الأقدمين، حيث كان أحدهم يبدأ رحلته في طلب العلم بحفظ القرآن الكريم، بل إنّهم كانوا يُباشرون حفظه في عُمْر صغير منذ نُعومة أظفارهم، ثمّ ينتقلون إلى حقول العلم الأخرى، فحفظ القرآن الكريم كما نُقل عن الخطيب البغداديّ هو أجلُّ العلوم وأولاها.[٣] وتكمُن أهميّة حفظ القرآن الكريم في كونه مقدّمةً للعلوم الشّرعيّة الأخرى، وتُستند عليه سائر العلوم؛ بحيث لا تُفهم وتُدرك دون حفظ كتاب الله تعالى، ودون فَهْم آياته وإدراكها؛ لذا كان العلماء السّابقون لا يُقبلون على تعليم أحدٍ علوم الحديث الشّريف أو الفقه إلّا بعد حفظه للقرآن الكريم، وحِيال ذات المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن حفظ القرآن الكريم أنّه: (مقدّم في التعلّم في حقّ من يريد أن يتعلّم علم الدّين من الأصول والفروع، فإنّ المشروع في حقّ مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنّه أصل علوم الدّين)، ونظراً لأهميّة حفظ القرآن الكريم، فقد يسّر الله -تعالى- أمر حفظ كتابه لمن أراد من العباد حفظه وعقد العزم على ذلك، وشاهد ذلك قول الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).[٤][٣]
إقرأ أيضا:فوائد حفظ القرآن الكريمفضل حفظ القرآن الكريم
إنّ لحفظ القرآن الكريم فضائل وفوائد وثمراتٍ كثيرةً يُجنيها ويفوز بها من وفّقه الله -تعالى- لحفظ هذا الكتاب العظيم، ومن هذه الفضائل والفوائد ما يأتي:[٥]
- إنّ لحافظ القرآن الكريم منزلةً كريمةً بين النّاس ومكانةً عظيمةً عندهم، حيث يقدِّمونه على سواه في الإمامة للصّلاة، ومن ذلك ما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال: (يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ، فإن كانوا في القراءةِ سواءً، فأعلمُهم بالسُّنَّةِ)،[٦] كما أنّ النّاس يقدّمون حافظ القرآن في شؤون الإمارة والرئاسة إن كان قادراً على تحمّل مسؤولياتها.
- إنّ لحافظ القرآن الكريم منزلةً عليا يوم القيامة، توازي ما كان يتلوه ويداوم عليه في الدنيا من قراءة القرآن وترتيله وحفظه، ومصداق ذلك ما رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (يُقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها).[٧]
- إنّ حافظ القرآن الكريم يكون رفيقاً للملائكة في نُزُلهم، كما روت أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- عن النَبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مثَلُ الَّذي يقرَأُ القرآنَ، وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرةِ الكِرامِ البرَرةِ، ومثَلُ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ، وهو يتَعاهَدُه، وهو عليه شَديدٌ، فله أجرانِ).[٨]
تعريف القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- المعجِز، والمُنزل على النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بوساطة الوحي جبريل عليه السّلام، والمنقول بالتّواتر، المتعبّد بتلاوته، والمجموع بين دفّتي المُصحف، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة النّاس،[٩] ومعنى أنّ القرآن الكريم معجِز؛ أي أنّه لا مِثل له في فصاحته وبلاغته، كما أنّه مُعجِز في إخباره عن بعض الغيبيات وأخبار الأمم الغابرة وقصص الأقوام السّابقة، ومعجِز في تشريعه وأحكامه، وقد جاء التّحدي للنّاس كافّة على مرِّ الأزمان وحتى نهاية الزمان على الإتيان بمِثل القرآن الكريم، ودليل ذلك قول الله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)،[١٠] وقوله أيضاً: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).[١١][٩]
إقرأ أيضا:كيف احفظ سورة الملكوأمّا أنّ القرآن الكريم مُوحى به من الله تعالى؛ أي أنّ لفظه ومعناه من الله تعالى، وقد أنزله على رسوله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بواسطة جبريل عليه السّلام، وكونه متعبّداً بتلاوته؛ أي أنّ قراءته عبادة يُثاب عليها المسلم ويُؤْجَر، ومعنى أنّه منقول بالتّواتر؛ أي نقله جَمْع عن جَمْع آخرين بصورة يستحيل معها اتّفاقهم على الكَذب وتواطؤهم على التّبديل منذ زمن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام