الوحي
يُعرف الوحي الذي يرسله الله إلى أنبيائه ورسله بأنّه ما يعلّمهم إيّاه من العلم الضروريّ الذي لا يظهره لغيرهم، وهو يعطيهم إيّاه بعد أن يهيء أرواحهم لاستقباله وتلقّيه، سواء أكان ذلك الوحي بواسطة كالملائكة أو بغير واسطة، وحدّد الله -تعالى- أشكال الوحي الذي يرسله إلى أنبيائه ورسله بآية سورة الشورى التي ورد فيها: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)، فكلمة الوحي في الآية السابقة تُشير إلى النفث في روع النبيّ أو الرّسول الذي يُوحي إليه الله -تعالى- وهذا شكل من أشكال الوحي وضرب من ضروبه، كما تشير إلى شكل آخر وهو التكليم من وراء حجاب، وذلك كما كان مع رسول الله موسىعليه السّلام، وذكرت الآية شكلاً آخراً للوحي أيضاً هو إرسال رسول إلى النبيّ أو الرّسول ليخبره بما يريد الله -عزّ وجلّ- إخباره به، والمقصود بهذا الرسول الذي ينزل بالوحي جبريل عليه السّلام.
وكان وحي الله -تعالى- يصل إلى كلّ أمّة عن طريق الأنبياء والرّسل الذين أخبرنا القرآن عن بعضهم ولم يخبرنا عن بعضهم الآخر، وذلك لينذر الأمم كلّها ويقيم عليهم الحُجّة بوصول أوامر الله ونواهيه إليهم، قال الله -تعالى- مؤكّداً على إرسال الرسل والأنبياء في كلّ الأمم: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).
إقرأ أيضا:ما هو مسجد القبلتينالفرق بين الرّسول والنبيّ
ورد في الفرق بين الرّسول والنبيّ أنّ الرّسول هو من يُوحي إليه الله -عزّ وجلّ- بشريعة وأحكام ويأمره بتبليغها للناس، أمّا النبيّ فهو مَن يُوحي إليه الله -عزّ وجلّ- شريعة وأحكاماً دون أن يأمره بتبليغها للنّاس، بالتالي يكون مأموراً بتطبيقها على نفسه فقط دون إخبار الناس بها ونشرها بينهم، إلّا أن هذا القول لا يسلم من بعض الإشكالات؛ لأنّ النبيّ كذلك مأمور بالدّعوة، لذلك قال ابن تيمية رحمه الله: إنّ الرّسول هو من يُرسل في قوم كفّار مكذبين بالرّسالات، أمّا النبيّ فهو من يُرسل إلى قوم مؤمنين ليحكم بينهم ويذكّرهم ويعلمهم، ويتضح ذلك في قول الله -تعالى- عن أنبياء بني اسرائيل؛ حيث قال: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)، فكانوا ني اسرائيل يحكمون بالتوراة التي جاء بها موسى -عليه السّلام- من قبلهم.
وقال بعض أهل العلم أنّ الرّسول هو مَن جاء بشرع جديد ورسالة جديدة إلى النّاس، أو جاء معدّلاً بالنسخ أو الزيادة على الشريعة التي كانت قبله، أمّا النبي فهو مَن جاء مؤكّداً لِما سبقه به رسول ومجدّداً له في قلوب الناس، ويتضح من ذلك أنّ كلّ رسول يعدّ نبيّاً، ولكنّ النبيّ قد لا يكون رسولاً، وأخبر الله -تعالى- عن عدد من الأنبياء والرسل في القرآن الكريم، إلّا أنّه لم يخبر عنهم جميعاً، حيث قال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)،
إقرأ أيضا:ما هي الصدقةوأخبر الله -تعالى- أنّ رسوله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- هو آخر الأنبياء والمرسلين، حيث قال في سورة الأحزاب: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)،[٩] وأشار الله -تعالى- لمعنى خاتم الأنبياء والرّسل بقوله خاتم النبيين لا خاتم الرّسل؛ لأن ختم الرسالة لا يستلزم ختم النبوّة، أمّا ختم النبوّة فيستلزم ختم الرسالة بالتأكيد.
عدد الأنبياء والرّسل
أرسل الله -تعالى- الكثير من الأنبياء والرّسل إلا أنّه لم يخبرنا عنهم جميعاً، فورد في القرآن الكريم اسم خمسة وعشرين رسولاً هم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، والْيَسَع، وزكريّا، ويحيى، وعيسى، وذو الكفل، وآخرهم محمّد صلّى الله عليهم وسلّم.
أما معرفة عددهم على وجه الدقّة فغير ممكن، وذلك لِما ورد في القرآن الكريم في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)، ففي الآية إشارة واضحة أنّ الله -تعالى- لم يخبر نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بكلّ الأنبياء والرّسل الذين أرسلهم، ممّا يعني عدم قدرتنا على معرفة عددهم كذلك، كما أنّ جميع الروايات الواردة في عدد الأنبياء والرسل مضطربة ومختلفة والراجح أنّها ضعيفة رغم أنّ بعض العلماء حسّنوها.
إقرأ أيضا:ما هي العبادةالحِكمة من إرسال الرّسل والأنبياء
أرسل الله -تعالى- رسله وأنبياءه إلى كلّ الأمم لعدّة حكم؛ منها:
- إقامة الحُجّة على الناس حتى لا يقولوا يوم القيامة أنّهم إنّما كانوا كافرين بالله تعالى؛ لأنّهم لم يعلموا بوجوده وبمراده من خلقهم، فقطع الله -تعالى- حجتهم من أساسها بإرساله للرّسل وتأييدهم بالمعجزات الدالّة على صدقهم وعلى عظمة الله تعالى، وأمرهم بإخبار النّاس وتبليغهم بأوامره ونواهيه كلّها.
- إرشاد النّاس وتوجيههم لِما فيه خير لهم على الصعيد الشخصيّ والمجتمعيّ، فمهما بلغ النّاس بعقولهم وذكائهم وعلمهم فلن يستطيعوا أن يحقّقوا لأنفسهم السعادة في الدنيا والآخرة دون دليل يوجههم ويأخذ بأيديهم إلى الطريق الصحيح، فالرّسل جاؤوا بأمر من الله -تعالى- ليبعدوهم عن كلّ ما يضرهم ويأمرونهم بكلّ ما ينفعهم ويحقّق لهم الخير والفلاح.
- توحيد الناس وجمعهم على كلمة سواء تنفعهم، فعندما يرسل الله رسوله أو نبيّه إلى النّاس ويؤيده بالمعجزات الدالّة على صدقه يتبعه عدد منهم، وبذلك يتحقّق الصلاح والإصلاح في المجتمع عامّة.
- التبشير والإنذار؛ تبشير المؤمنين الذين يصدّقون بالرسل والأنبياء ورسالاتهم بالخير والفلاح والجنّة ونعيمها، وإنذار الكفار الذين يكذّبون الرّسل ويرفضون الإيمان بالله -تعالى- من النار وعذابها.