كيفية نزول القرآن
القرآنُ هو كلامُ اللهِ سبحانه وتعالى، المنقولُ إلى المسلمين بالتواتر، وتلاوته عبادةٌ لله عزّ وجل، وهو معجزةٌ باللفظ والمعنى، أنزله الله -تعالى- على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وكُتب في المصاحف ابتداءً بسورةِ الفاتحةِ، وانتهاءً بسورةِ الناسِ.[١]
نزلَ القرآنُُ الكريمُ من اللوحِ المحفوظِ، وقد اختلفَ العلماءُ في كيفية نزولِ القرآنِ الكريمِ من اللوحِ المحفوظِ على عدةِ أقوالٍ:[٢]
- القولُ الأولُ: ذهبَ أصحابُ هذا القولِ إلى أنّه بدأَ تنزُّل القرآن في ليلةِ القدرِ، ثمَّ استمر القرآن بالنزول بعد ذلك مُفرّقاً في أوقاتٍ مختلفةٍ، وممن أخَذَ بهذا القول الإمامُ الشعبي.
- القولُ الثاني: وقد ذهبَ أصحابُ هذا القول إلى أنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- كانَ يُنزّلُ من القرآن في ليلةِ القدرِ إلى السماءِ الدنيا كل ما يريد إنزالهُ من القرآنِ في جميعِ أيامِ السنةِ، ثمَّ بعدَ ذلك ينزل هذا المقدار على الرسولِ – صلى الله عليه وسلم- منجّماً ومفرّقاً في أيامِ السنةِ كما قدّر الله -تعالى- ذلك سابقاً، وممن ذهب إلى هذا القول الإمامُ الرازي.
- القولُ الثالثُ: وذهب الإمام الماوردي إلى أنّ القرآنُ نزلَ من اللوحِ المحفوظِ دفعةً واحدةً، ثمَّ عملَ حفظةُ القرآنِ على إنزاله إلى جبريل -عليه السلام- مفرّقاً، ثمَّ أنزلهُ جبريلُ -عليه السلام- إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- مفرّقاً خلالَ عشرينَ سنةٍ.
- القولُ الرابعُ: وقد ذهبَ أصحابُ هذا القول إلى أنَّ القرآن الكريم نزلَ إلى السماءِ الدنيا دفعةً واحدةً في ليلةِ القدرِ، ثمّّ بدأَ نزولُ القرآنِ الكريمِ بعدَ ذلك من السماءِ الدنيا، إلى الرسولِ الكريمِ -عليه الصلاة والسلام- واستمر بالنزولِ طيلةَ بعثةِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- مع الخلاف في مدةِ النزولِ؛ بناءً على الخلافِ في مدةِ إقامةِ الرسولِ -عليه الصلاة والسلام- في مكّةَ بعد مبعثهِ.
الحكمة من نزول القرآن منجّماً
نزلَ القرآنُ الكريمُ على سيدنا محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- مُنجّماً، ومعنى أنَّ القرآن نزلَ منجّماً: أي أنّه لم ينزل كلّهُ دفعةً واحدةً، بل نزلَ على فتراتٍ بالتدريجِ؛ آياتٍ وسوراً، حسب ما يستجد من ظروفٍ وأحداثٍ، فنزلَ القرآنُ مُجزّءاً، ومُفرّقاً؛[٣] لحِكم عديدة، منها:
إقرأ أيضا:ما فائدة ماء زمزم- تيسيرُ حفظِ القرآنِ وفهمهِ على الرسولِ والصحابة: فالرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- وكذلك بعض صحابته -رضوان الله عليهم- كانوا أُميّين لا يتقنون القراءة والكتابة، ومن حكمة الله -تعالى- أن جعلَ نزولُ القرآن مفرّقاً؛ حتى يسهل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضوان الله عليهم- حفظهُ وفهمهُ،[٤] ثمَّ إنّ في نزولِ القرآن مفرّقاً إقراراً لمنهج التعليم التدريجي؛ فمن رحمة الله -تعالى- بالمسلمين نزول القرآن منجّماً، حتى يتعلموه بالتدريج، حفظاً وفهماً.[٥]
- التدرّجُ في تشريعِ الأحكامِ والتدرجُ في تربيةِ الصحابةِ الكرامِ على أحكامِ الإسلامِ؛ فالصلاة مثلاً لم تُفرض مرةً واحدةً؛ وإنّما كان ذلك بالتدريج؛ فأول ما فرضت الصلاة كانت بقيامِ الليلِ فقط، ثمَّ نُسخ فرضُ قيامِ الليلِ، فصارَ على المسلمين صلاة ركعتين أول اليوم، وركعتين آخره، وهو ما يعرفُ بركعتين بالغداةِ، وركعتين بالعشيِّ، ثمَّ فُرضت بعد ذلك الصلوات الخمس.[٦]
- ومن الأمثلةِ البارزةِ على التدرّج في التشريع: التدرّج في تحريمِ الخمر؛ فالخمر في بداية الإسلام لم يحرّم، ونزل في الخمرِ آياتٍ على مراحلٍ، كما في قوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)،[٧] فهذه الآية تبين أنَّ في النخيلِ والأعنابِ سُكْر، ورزق حسن؛ إشارةً أنَّ السُّكْر ليسَ من الرزق الحسن، وفي قوله تعالى: (يَسْـألُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ للنّاس وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)،[٨] فلمّا نزلت هذهِ الآية كان موقف الناس بين فريقين، فريقٌ ترك شرب الخمر؛ لأنّ الآية القرآنية الكريمة صرّحت بأنَّ ضرره أكثر من نفعهِ وفيه إثمٌ كبيرٌ، وفريقٌ من الناس لم يتركوا الخمر على أن يأخذوا منافعه، ويتركوا إثمه وضرره، ثمّ جاء بعد ذلك الأمر من الله -سبحانه وتعالى- بعدم إتيان الصلاة في حالة السّكْر؛ في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ)،[٩] ثمَّ جاء تحريمُ الخمرِ نهائياً، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[١٠][١١]
- تثبيتُ قلبِ النبي محمد عليه الصلاة والسلام: فالرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- لقيَ من قومهِ تعنتاً، وكفراً، ولقيَ منهم في بداية الدعوة الإسلامية الكثير من الأذى، والمعارضة، وكان نزول القرآن مُنجّماً بين فترةٍ وأخرى تثبيتاً لقلبِ النبيِ -عليه الصلاة والسلام-، وعاملاً مهماً من عواملِ الصبرِ والثباتِ.[١٢]
- إثبات مصدر القرآن وأنّه من عند الله تبارك وتعالى:[٤]؛ ففي نزول القرآن منجماً مفرقاً دليلٌ على أنّ القرآن من عند الله.[١٣]
أول ما نزل من القرآن
أول ما نزل من القرآن الكريم بدايةُ سورةِ العلقِ، من قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)،[١٤]إلى قوله تعالى: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،[١٥]وورد عن الصحابي الجليل جابر أنّ أول ما نزل هو سورةُ المدثّر، والصحيح أنّ أول ما نزل هو بداية سورةِ العلقِ، ثمَّ نزلت بعدها سورة المدثّر.[١٦]
إقرأ أيضا:حكمة عمر بن الخطابآخر ما نزل من القرآن
واختلفت الروايات كذلك في آخر ما نزل من القرآن الكريم، فقد روي عن ابن عباس أنّ آخر ما نزل من القرآن (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ)،[١٧] وروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنّ آخر ما نزل سورة المائدة، وعن السُدّي أن آخر ما نزل قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)،[١٨] وعن البخاري عن البراء بن عازب، أنّ آخر آية نزلت قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ في الكلالة)،[١٩] وآخر سورة نزلت سورة براءة، ولا يؤثر الاختلاف في آخر ما نزل من ناحيتين، الأولى: أن العلم بآخر ما نزل ليس من فرائض الدين الإسلامي، ولا يقدح بالدين، والثانية: يُحتمل أن كل من روى رواية في آخر ما نزل هو آخر ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إقرأ أيضا:كيف أقوي علاقتي بربي