مواضيع دينيه متفرقة

لماذا لا تخشع قلوبنا لذكر الله

قلب المؤمن

القلب هو أهمّ أعضاء الإنسان، وبصلاحه صلاح الجسد كلّه، وفساده فسادٌ للجسد كلّه، وجوارح الإنسان وأعضاؤه كلّها تبعٌ للقلب، وهو محطّ نظر المولى عز وجل؛ لأنّها محلُ النيّة ومكان التقوى، وصاحب القلب السليم ناجٍ يوم لقاء الله، (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)،[١] وسلامة القلب من الشرك والغلّ والحسد ونوايا الشرّ مطلب عباد الله الصالحين، يتفقّدون نواياهم، ويحرصون على طهارة قلوبهم، ولا يدعونها تتعلّق بسرابٍ خادعٍ أو بريقٍ لامعٍ، فهم يتعهّدونها باستمرارٍ، ويصبرون في مواجهة شهوات الدنيا؛ أملاً بما عند الله تعالى من جزيل النعم، خلافاً لأهل المعاصي، الذين أُشْرِبت قلوبهم بالخطايا والآثام، واستساغوها واستحسنوها، وزيّنها لهم الشيطان؛ فصدّهم عن السبيل، فهم لا يهتدون، ولمّا كان قلب المرء يتقلّب حسب تأثّره بما حوله سلباً وإيجاباً، وقرباً وبعداً، كان لزاماً على المسلم أن لا يضع نفسه في مظانّ تعلّق القلب بما يغضب وجه الله تعالى، ويشكو كثيرٌ من الناس قسوةً في القلب، وقلّةً في الخشوع لذكر الله، وضعفاً في الهمّة لأمر الله، فلماذا لا تخشع قلوبنا لذكر الله، وما مظاهر قسوة قلوبنا، وما هي الوسائل التي تليّن القلوب؟

أسباب ومظاهر قسوة القلب

لا شكّ أنّ هناك أسباباً أدّت إلى انعدام خشوع قلب المرء وقسوته، ويظهر ذلك في جوانب كثيرةٍ في حياته، وعلى المسلم أن يتعرّف على تلك الأسباب والمظاهر؛ خشية أن يقع فيها.

إقرأ أيضا:ما عبدناك حق عبادتك

أسباب قسوة القلب

مفسدات القلب كثيرة، لكنّ أهمّها:[٢]

  • التعلق بغير الله سبحانه: وهذا أعظم مفسدةٍ للقلوب على الإطلاق، فإنّ القلب إذا تعلق بغير الله -عز وجل- وكله الله إلى ما تعلّق به، وقد بيّن -سبحانه وتعالى- ذلك بقوله: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)،[٣] والتعلّق بغير الله أساسٌ للشرك، وعاقبته الذم والخذلان، بل إنّه أعظم الناس خذلاناً.
  • كثرة المخالطة: فإنّ إشغال المرء وقته بمخالطة الخلق يورث قلبه تفرّقاً وتشتّتاً، كما أنّه يملأ قلبه غمّاً وهمّاً؛ فالنّاس كثيرة المطالب والمصالح، والمودّة التي تظهر في حياة النّاس تنقلب عداوةً عند لقاء الله إلا خلطةٌ بخير، وعلى تقوى من الله -عز وجل-، مصداقاً لقوله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)،[٤] ولمّا كان لا بدّ من مخالطة النّاس، والانخراط في حياتهم بعيداً عن العزلة فلتكن في خيرٍ وبرٍّ، كالاجتماع على الجُمع والجماعات، والأعياد والشّعائر، وعلمٍ أو تعلّم، ونحوه، ويعتزلهم في مواطن الشرّ وحضور الشياطين، وما قد يجرّ إلى شرٍّ من فضول المباحات، وإن كان لا بدّ من اجتماع المباحات، فليحرص على أن يقلب ذاك الاجتماع طاعةً لله ما أمكنه ذلك.
  • كثرة التمني: فإنّها رأس أموال المفاليس، الذين ليس لهم همّةٌ بنوال الحقائق، من علمٍ أو إيمانٍ أو عملٍ صالحٍ.
  • أكل الطعام حراماً وإسرافاً: وكلاهما من مفسدات القلوب وأسباب قسوته، والطعام الحرام كأن يكون المأكول مسروقاً أو مغصوباً أو من غير رضى مالكه، والإسراف فيما أحلّه الله، والوصول إلى الشبع المفرط، فهو مثقلٌ عن الهمّة في الطاعة، ويقوّي على القلب وساوس الشيطان، وموارد الشهوة.
  • كثرة النوم: إذ إنّ كثرته تثقل البدن، وتسرق الوقت، وتورث في قلب صاحبه كثرة الغفلة وضعف الهمة في الطاعة، وأنفع النوم ما كان عند حاجة الجسم إليه.

مظاهر قسوة القلب

إنّ القلوب التي لا تخشع لذكر الله أصابها تلبّدٌ في صميمها؛ فحرمت من حبّها لله، وأصبحت عرضةً لفتن الشيطان، ومن نتائج ذلك أنّ أصحابها يحرمون من لذّة المناجاة والوقوف بين يدي الله تعالى ويصابوا بفظاظةٍ في أطباعهم، ومن مظاهر ذلك: عدم التأثّر عند سماع القرآن وتلاوته؛ فلا تدمع عيونهم، ولا تقشعرّ جلودهم لذكر الله -سبحانه وتعالى-، ولا يتأثّرون بتشييع الجنائز ودفن الموتى، ولا يحرّك فيهم ذلك شيئاً، وقد يسمعون المواعظ والخطب؛ فلا تجد لقلوبهم حراكاً، ثمّ إنّ من مظاهر قسوة القلب سوء الأخلاق ورداءة المسالك؛ فمن قسى قلبه لم يعدْ يهتمّ أو يتأثّر بأوجاع من حوله، وقد يبتلي الله العبد؛ رجاء أن يرجع عن غيّه، وأملاً في أنْ يعود لرشده لكنّ القلوب القاسية تمنع أصحابها عن ذلك، قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَاسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ)،[٥] وفي العموم فإنّ اتباع الهوى قرينٌ لقسوة القلب، مصداقاً لقول الحقّ -عز وجلّ-: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ)،[٦] والمعصية تلوَ المعصية تملأ القلب قسوةً وبعداً، وصدق الله إذ يقول: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)،[٧][٨] وتأكيداً على ذلك، وبياناً لخطر المعاصي وأثرها في الغفلة وغياب الخشوع من القلب يقول المحاسبيّ رحمه الله: “اعلم أنَّ الذنوب تورث الغفلة، والغفلة تورث القسوة، والقسوة تورث البعد من الله، والبعد من الله يورث النار”

إقرأ أيضا:الطمأنينة والسعادة
السابق
كيف أكون أقرب إلى الله
التالي
للذكر مثل حظ الانثيين