لله سبحانه يدان
ولله – سبحانه وتعالى – يدان تليقان بجلاله وكماله ، لا تشبهان شيئاً من أيدي المخلوقين ، قال تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ) [ المائدة : 64 ] ، وقال مقرّعاً إبليس حين رفض السجود لآدم : ( قال يَا إِبْلِيسُ ما منعك أن تسجد لما خلقت بِيَدَيَّ ) [ ص : 75 ] .
تمجيد الله بذكر يديه :
وردت أحاديث عديدة فيها تمجيد الرب – تبارك وتعالى – بذكر يديه ، وأن الخير فيهما ، فأهل الجنة يناديهم ربهم فيقول لهم : ( يا أهل الجنّة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، والخير في يديك ) . (1)
وينادي ربنا آدم عليه السلام يوم القيامة ، فيقول آدم مجيباً : ( لبيّك وسعديك ، والخير كله في يديك ) . (2)
وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة من الليل : ( لبيك وسعديك ، والخير في يديك ) . (3) وكان من تلبية ابن عمر : ” لبيك وسعديك ، والخير في يديك ” . (4)
بسط الربّ يديه :
إقرأ أيضا:مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله
وهو – سبحانه – كريم يبسط يديه بالعطاء والإنفاق ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) [ المائدة : 64 ] .
كما أنّه يبسط يديه بالليل والنّهار ليتوب العباد ، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يبسط يده بالليل ، ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ، ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها ) . (5)
الأشياء التي خلقها الرحمن بيده :
لا يعجز الله شيء ، فإذا أراد شيئاً خلقه بكلمة (كن) ، فيكون كما أراد ، إلا أنّه خلق بيده أشياء مما يدلّ على تكريمها ، ورفع منزلتها ، وعناية الله بها ، والمخلوقات التي خلقها الله بيده ، وذكرها لنا في كتابه أو وردت في سنة رسوله هي :
أ- آدم :
وفي ذلك يقول تعالى لإبليس : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بِيَدَيَّ ) [ص:75] .
وفي حدث الشفاعة الطويل : ( فيأتون آدم فيقولون : أنت آدم أبو الناس ، خلقك الله بيده ، وأسكنك جنته ) متفق عليه (6)
وفي حديث احتجاج آدم وموسى ، قال موسى لآدم : ( أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من رُوحه ) . (7)
فأخبر الحقّ – تبارك وتعالى – أنه خلق آدم بيده ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الناس يستشفعون إلى آدم ، ويذكرون أعظم ما فضله الله به ، وهو خلق الله له بيده ، وكذلك موسى عليه السلام ذكر ما فَضّلَ الله به آدم ، وهو خلقه بيده ، وذكر هذه الخصوصية تدل على أمر امتاز به آدم عن غيره ، وإلا فلو كانت اليد هنا القدرة فأي فضل لآدم على غيره ، حتى يمتدح بذلك .
ب- كتب التوراة بيده :
ورد في بعض روايات حديث المحاجّة بين آدم وموسى ، أن آدم قال لموسى : ( أنت موسى اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ) (8) . وفي رواية في الصحيحين : ( اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك بيده ) . (9)
ج- كتب بيده كتاباً موضوعاً عنده :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده : غلبت – أو قال : سبقت – رحمتي غضبي ، فهو عنده فوق العرش ) .
وفي رواية : ( إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق : أن رحمتي سبقت غضبي ، فهو مكتوب عنده فوق العرش ) . (10)ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ : ( كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق : رحمتي سبقت غضبي ) . (11)ورد إثبات كتابة الرحمن الكتاب بيده في كتاب السنة لابن أبي عاصم ، ولفظه : ( لما قضى الله تعالى الخلق كتب بيده في كتاب عنده : غلبت أو قال : سبقت رحمتي غضبي ، فهو عنده فوق العرش ) أو كما قال . (12)
د- غرس جنة عدن بيده :
ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سأل موسى ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال هو رجل يجئ بعدما أدْخل أهل الجنة الجنة ، فيُقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أي رب ، وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك من مُلوك الدنيا ؟ فيقول : رضيتُ ربّ ، فيقول : لك ذلك ، ومِثلهُ ومِثلهُ ومِثلهُ ، فقال في الخامسة : رضيت ربّ ، فيقولُ : هذا لك ، وعشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك فيقول : رضيت ربّ .
قال : ربّ فأعلاهُم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أردت ، غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ، قال : ومصداقه في كتاب الله – عز وجل – ( فلا تعلم نفسٌ مَّا أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون ) [ السجدة : 17 ] (13) . فقد أخبر : أنه غرس جنتهم بيده سبحانه .
عظم يدي الرب سبحانه وتعالى :
جاء في كتاب الله قوله تعالى : ( وما قدروا الله حقَّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسَّماوات مَطْوِيَّاتٌ بيمينه ) [ الزمر : 67 ] .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقبض الله – تبارك وتعالى – الأرض يوم القيامة ، وَيَطوي السّماء بيميِنِه ثُمّ يَقُول : أنا الملك ، أين مُلوك الأرض ) . (14)
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يطوِي الله – عزّ وجل – السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المُتكبرون ؟ ثمّ يطوي الأرضين بشماله ، ثم يقولُ : أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ؟ ) .
وفي لفظ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول : ( يأخُذُ الجبار – عزّ وجلّ – سمواته وأرضيه بيديه ، فيقول : أنا الله ( ويقبض أصابعه ويبسطها ) أنا الملك ) ، (( حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفلِ شيء منه ، حتى إنّي لأقول : أساقطٌ هو برسول الله صلى الله عليه وسلم )) . (15)
كلتا يديه – سبحانه – يمين :
ورد في رواية في صحيح مسلم : ( ثم يطوي الأرضين بشماله ) وقد ضعف هذه الرواية البيهقي من ناحية الإسناد فقال : ” ذكر الشمال فيه ، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم ، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ، لم يذكرا فيه الشمال ” . (61)
وضعفها من ناحية المتن فقال : ” وكيف يصِحّ ذلك وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّهُ سمّى كلتا يديه يَميناً ” . (17)
وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نُور على يمين الرحمن – عزّ وجلّ – وَكلتا يديه يمينٌ ، الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا ) . (18)
———————
(1) رواه البخاري في صحيحه : 13/487 ، ورقمه : 7518 .
(2) رواه البخاري في صحيحه : 11/388 ، ورقمه : 6530 ، وانظر أيضاً : 6/382 . رقم : 3348 . ورواه مسلم : 1/201 . ورقمه : 201 .
(3) رواه مسلم : 1/543 ، ورقمه : 771 .
(4) رواه مسلم : 2/841 ، ورقمه : 1184 .
(5) صحيح مسلم : 4/2113 ، ورقمه : 276 .
(6) مشكاة المصابيح : 3/69 ، ورقمه : 5572 .
(7) رواه مسلم :4/2043 ، ورقمه : 2652 .
(8) صحيح سنن أبي داود : 3/891 ، ورقم الحديث : 3934 ، وصحيح سنن ابن ماجة : 1/20 ، ورقمه : 65 .
(9) صحيح البخاري : 11 ، ورقمه : 6614 ، وصحيح مسلم : 4/2042 ، ورقمه : 2652 .
(10) صحيح البخاري : 13/522 ، ورقمه : 7554 . والحديث في صحيح مسلم : 4/2107 ، ورقمه : 2751 .
(11) ابن ماجة . انظر صحيح سنن ابن ماجة : 1/37 ، ورقمه : 156 .
(12) كتاب السنة ، لابن أبي عاصم : 1/270 . ورقمه : 608 .
(13) صحيح مسلم : 1/176 ، ورقمه : 189 .
(14) رواه البخاري : 8/551 ، ورقمه : 4812 ، ورواه مسلم : 4/2148 ، ورقمه : 2787 .
(15) رواه مسلم : 4/2148 ، ورقمه : 2788 .
(16) الأسماء والصفات ، للبيهقي : 1/324 .
(17) المصدر السابق .
(18) رواه مسلم في صحيحه : 3/1458 ، ورقمه : 1827 .