الإيمان
يعرّف العلماء الإيمان بأنّه: قولٌ باللسان واعتقادٌ بالجنان وعملٌ بالأركان، والإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، حيث قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ أو بِضْعٌ وستُّونَ شُعبةً، فأفضلُها قول لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّري، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ)؛ فدلّ الحديث النبويّ الشريف على أنّ الأعمال من الإيمان، وعلى الرغم من أهمية القول؛ إلا أنّه لا ينفع العبد من دون عملٍ، بل إنّ الإيمان من غير عملٍ إيمان المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في صدورهم، حيث قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)؛ فالإيمان مرتبطٌ بالعمل الصّالح ولا يقبل أحدهما من دون الآخر، ومن الجدير بالذكر أنّ التّقوى لا تكون في الصّدر فقط كما يظنّ بعض النّاس، بل لا بُدّ أن تظهر آثارها على الجوارح، فلا يصحّ أن يكون الإنسان مؤمناً ويفرّط في صلاته، وزكاته ويفعل المحرمات.
اقرأ ايضا : قوة الصلة بالله
إقرأ أيضا:أول من جاهد في سبيل اللهتقوية الإيمان
إنّ لتقوية الإيمان وتمكينه في نفس المسلم وسائل معينةٌ على ذلك، ومن هذه الوسائل ما يأتي:
- طلب العلم الشرعي: حيث إنّ العلم بالله -عزّ وجلّ- يعتبر من أهمّ أسباب تقوية الإيمان، كما أن معرفة الله تعالى من القرآن الكريم والسنة النبوية تورث في القلب حبه والخوف منه ورجاءه وتعظيمه؛ لأنّ القرآن الكريم يتضمّن نصوصاً شرعيّةً تقوّي عقيدة المسلم، وتعزّز إيمانه باليوم الآخر والقدر، وتجدر الإشارة إلى أنّ المعرفة العقليّة المجرّدة لا تكفي لتقوية الإيمان، بل لا بُدّ من نقل العلم من كونه في الورق إلى كونه علماً يصل إلى القلب؛ لأنّ العلم حجةٌ على حامله، ومن أنواع العلم الذي يقوي الإيمان في القلب: معرفة الأحكام الشرعية كالحلال والحرام؛ لأنّه كلّما زادت الأحكام التي يؤمن بها المسلم؛ فإنّه سيعمل بها ويدعو إليها، ويؤيد من عمل بها؛ فيقوى بذلك إيمانه.
- الاجتماع على الخير: فالعمل في جماعةٍ ينشّط المسلم ويسهل عليه الطاعات؛ كالصلاة في جماعة، وصيام رمضان، والحج؛ ولذلك شرع الله الجماعة في كثيرٍ من العبادات، فالاجتماع على الخير سببٌ للنشاط في العبادة والإقبال عليها؛ ممّا يؤدي إلى زيادة الإيمان وتقويته في القلب، ومن أهمّ وسائل الثّبات على الإيمان؛ الحب في الله -عزّ وجلّ- وتحقيق ثمرات هذا الحب من الاجتماع على الخير، والتّباذل والتّناصح في الله تعالى، والتّزاور، كما كان يقول الصّحابة -رضي الله عنهم- لبعضهم البعض: (تعال بنا نؤمن ساعة)، مع أنّهم مؤمنون أصلاً، ولكنّ المقصود تقوية الإيمان وزيادته.
- الدعوة إلى الإيمان: فالإنسان بطبعه يحبّ ويقدّر الشيء الذي تعب وضحّى في سبيل الحصول عليه، وكذلك الإيمان؛ إذا بذل المسلم من أجله وفي سبيله تحصيله وحمايته وتقويته، أصبح الإيمان عزيزاً ولا يمكن أن يفرّط فيه، أمّا من ورث الإيمان عن الآباء والأجداد، ولم يبذل جهداً من أجل المحافظة عليه، أو اعتقد أنّ إيمانه يبقى كامناً في قلبه ولا يؤثر، فهذا لا شكّ أنّ إيمانه ضعيفٌ، وقد يتضاءل حتى ينتهي، وإلى ذلك تعود فائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، وتعليم النّاس.
- التفكر في الآفاق والأنفس: يعتبر العقل أقوى الوسائل الموصلة إلى الإيمان إذا استعمله الإنسان في هذا السبيل، فقد رزق الله تعالى كلّ إنسان عقلاً وجعله مناط التكليف، فإذا زال عقله سقط عنه التكليف، ومن الجدير بالذكر أنّ التفكّر في السماوات والأرض، وخلق الله تعالى لهما، يقوّي الإيمان في القلوب، وممّا يدل على ذلك قول ابن عباس -رضي الله عنه- واصفاً تفكّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في السماء عندما بات ليلةً عنده، حيث قال: (فقام نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من آخرِ الليلِ، فخرج فنظر في السماءِ، ثم تلا هذه الآيةَ من آلِ عمرانَ: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”، حتى بلغ: “فَقِنَا عَذَابَ النَّار”، ثم رجع إلى البيتِ فتسوَّك وتوضأَ، ثم قام فصلَّى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماءِ فتلا هذه الآيةَ، ثم رجع فتسوَّك فتوضأَ، ثم قام فصلَّى)
- الصّبر: يمكن القول أنّ الصبر من أهمّ وأقوى وسائل تقوية الإيمان، حيث إنّ جميع الأعمال، تحتاج إلى الصّبر، فتدبر السّماء والأرض، والذِّكر، والصّلاة، وطلب العلم؛ إذا لم يتحلى صاحبها بالصبر فسرعان ما يدخل الملل إلى قلبه فيتركها أو يفرط فيها، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فقد الصبر فقد معه الإيمان)