محبّة الله
الله -سُبحانه وتعالى- هو خالق البشر، ومُدبِّر شؤونهم، وقد هيّأ لهم الأسباب ومنها الأرض؛ ليعمروها، ويعبدوه حقّ عبادته، وفي هذا يتنافس المؤمنون في ميادين الدنيا؛ سعياً لنيل الآخرة والفوز برضوان الله تعالى، وطمعاً بجنانه، فلا يستوي القاعد والعامل، ولا العالم والجاهل، ولكلّ مجتهدٍ نصيب من سعيه وكدّه في الدنيا، ومن أجمل عطايا الله -تعالى- لعباده محبّته لهم، فلا حُبّ يُماثل محبّته لعباده، فما علامات هذه المحبّة، وكيف ينالها المؤمنون؟
علامات حُبّ الله للعبد
يُحبّ الله -تعالى- عباداً له في الأرض؛ قد قدّموا أموالهم وأنفسهم في سبيله، فكان كلّ وقتهم وجهدهم له تعالى، فكَسْب رضا الله هو الغاية الأسمى؛ فهو خالقهم الجليل، وعلى ذلك فقد خصّ الله -تعالى- عباده المخلصين له بعلاماتٍ تُبيّن محبّته لهم، وبيان ذلك فيما يأتي:[١]
- تيسير الله -تعالى- لعباده المؤمنين القبول في الأرض، بعد أن يرى جميل صنيعهم، وعظيم أثرهم في حياتهم سعياً لمرضاته، فيهبهم محبّته ويغرس بين الخلائق مودّتهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلَ: إنّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبِبْه، فيُحِبُّه جبريلُ، فينادي جبريلُ في أهلِ السماءِ: إنّ اللهَ يحبُ فلاناً فأحبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ، ثمّ يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ).[٢]
- وقاية الله -تعالى- عباده المخلصين من زفرات الدّنيا وشهواتها، فلا تجتمع محبّة الخالق ومحبّة الدّنيا في قلب العبد المخلص التقيّ، فقد جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أحبَّ اللهُ عَبداً، حماهُ الدُّنيا كَما يظلُّ أحدُكُم يَحمي سَقيمَهُ الماءَ).[٣]
- ابتلاء الله -تعالى- عباده المؤمنين المحبوبين في نفوسهم، أو في أموالهم، أو في أولادهم؛ حتّى يعلم صدق محبّة العبد له، وتوجُّهه إليه، أيصبر ويشكر؛ فينال رِضوان الله -تعالى- وفضله، أم يسخط ويكفر؛ فينال سخط الله -تعالى- وغضبه؟ فابتلاء الله -تعالى- لعباده ليس غضباً منه عليهم، وإنّما محبّة بهم، فقد قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)،[٤]والابتلاء سنّة من سنن الله تعالى، فأنبياء الله -تعالى- ورسله أصابهم البلاء، وفي ذلك خير عظيم، ففي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ -تعالى- إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضيَ فله الرضا، ومن سخطَ فله السُّخْطُ).[٥]
- دفاع الله -تعالى- عن الذين يحبّهم، ويؤيدهم بنصره على أعدائهم، فلا سبيل لعدوّهم بالظفر بهم، فهو المؤيّد لهم في الشدائد والمِحن، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ).[٦]
- حفظ الله -تعالى- لجوارح عباده من أيّ شيء يُفسد استقامتها؛ فالعبد لا يسمع، ولا يبصر، ولا يخطو، ولا يتكلّم إلّا بما يُرضي الله تعالى، فالله -تعالى- وهب عباده هذه النِعم ليستخدمها بما يرضيه.
- استجابة الله -تعالى- دعاء عباده المخلصين؛ كرامةً لبِرِّهم وحُسن عبادتهم له، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ من عبادِ اللهِ مَن لو أقسم على اللهِ لَأَبَرَّهُ).[٧]
أسباب محبّة الله لعباده
إنّ محبّة الله -تعالى- لا تكون إلّا لمن اجتهد في سبيل الوصول إليها، وفيما يأتي بيان لكيفيّة نيل محبّة الله تعالى:[٨]
إقرأ أيضا:ما احكام تارك الصلاة- أن يقرأ المؤمن العابد القرآن الكريم، ويتدبّر آياته، ويخشعَ في ذلك.
- أن يؤدّي العبد فرائضه المكتوبة عليه كما يريد الله تعالى، ويتقرّب إليه بالنوافل، ويستزيد منها ليصل إلى محبّة خالقه.
- أن يُشغل العبد لسانه وقلبه بذكر الله تعالى، سرّاً وعلانيةً، وعُسراً ويُسراً، وفي سائر الأحوال.
- أن يُؤْثر العبد طاعةَ الله -تعالى- على شهواته، ويقدّمها على هوى نفسه.
- أن يبادر العبد إلى معرفة الله تعالى، ومعرفة صفاته، ويُدرك معاني أسماء الله الحُسنى.
- التدبّرُ في جميلِ صنيعِ الله تعالى، وعطاياه ومِنَحِه لعباده، وما أغدقَ عليهم من لطائفه ونِعمه؛ ظاهرةً كان أم باطنةً؛ فهي ما تُولِّد محبةَ المخلوقِ لخالقه ومُنعِمِه.
- أن يخشع قلب العبد وينكسر بين يدَي الله تعالى؛ فبخشوع القلب رِفعة للعبد، وبانكساره عِزّة.
- أن يتيقّظ العبد في غفلة النّاس؛ ويكون ذلك بقيام الليل فيقف العبد مُناجياً ربّه عزّ وجلّ.
- أن يُرافق العبد الصالحين المُقوِّمين للأخطاء.
- أن يبتعد العبد عن المعاصي والذّنوب