صحّة الصّلاة
يحرص المسلم على تأدية الصلاة على أكمل وجه يُرضي الله تعالى، وإنّ للصلاة شروطاً لا تصحّ إلّا بإتيانها؛ منها: استقبال القبلة، فمن كان يرى الكعبة عياناً يجب عليه استقبالها دون أدنى شك، ومن غاب عنها وابتعد عليه أن يجتهد ويتحرّى استقبالها على قدر استطاعته، حيث قال الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، ومَن لم يعرف اتجاه القِبلة ووجد من يرشده إليها اتّبعه؛ لأنّ الخبر أقوى من الاجتهاد، وتُبنى المساجد دائماً موجّهةً محرابها باتجاه القِبلة، ومَن لم يكن يملك أي دليل يُرشده إلى القِبلة، عليه استخدام دلائل أخرى لتحديد اتجاه الشمال؛ منها: النجوم ليلاً والظلال نهاراً.
كيفية تحديد اتجاه القبلة
إذا بعدت المسافة بين المصلّي والكعبة المشرفة عليه أن يجتهد في إصابتها، وليس شرطاً أن يكون وجه المصلّي باتجاه الكعبة نفسها، وإنّما عليه أن يصيب الجهة التي فيها الكعبة، وذلك لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ)، وكان قول الرّسول السابق لأهل المدينة، فالمسلم ينظر في الخريطة ليجد أين مكانه بالنسبة للكعبة المشرفة ثمّ يتوجّه نحوها عند إقامة الصلاة، وإذا كان هناك وسائل أخرى من أجهزة أو أدوات يستطيع فيها المسلم أن يحدّد مكان قبلته وجب عليه أن يستخدمها؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، وإذا كان المسلم في مكان لا يعلم فيه الاتجاهات وكان أهلها مسلمون يعرفون اتجاه القبلة فيسألهم عن صلاتهم ويقلّدهم في ذلك، ويجب على المسلم أن يسأل الثقات ممّن حوله عن القبلة حتى يطمئن إلى صحّة صلاته، حيث ورد في الموسوعة الفقهيّة: (ولا يقبل خبر الكافر في شأن القبلة، ولا خبر المجنون والصبي الذي لم يميِّز)؛ فينبغي سؤال المسلم البالغ العدل العاقل عن اتجاه القبلة رجلاً كان أو امرأة، واختلف الفقهاء في إخبار الصبي المميّز والفاسق، فذهب الجمهور إلى عدم قبول إخبارهما؛ لأنّ روايتهما وشهادتهما لا تقبل، وتأخذ رواية المرأة الكافرة أو غير المحجبة نفس الحكم.
إقرأ أيضا:متى فرض الصلاةويستطيع المسلم أن يحدّد اتجاه القبلة من محاريب المساجد أيضاً، حيث اعتاد المسلمون في بناء المساجد بأن تكون المحاريب موجّهة للقبلة، وخصّ الفقهاء في ذلك أربعة مساجد؛ هي: مسجد النبيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ في المدينة المنوّرة، ومسجد بني أميّة في الشّام، ومسجد القيروان في شمال أفريقيا، ومسجد عمرو بن العاص في مصر القديمة، فلا يجوز في حال وجودها أن يتحرّى المسلم اتجاه القبلة، أمّا غير تلك المساجد فيجوز لمن يجدها في المدن أن يقلّدها حتى لو كان من أهل التحرّي والاجتهاد، أمّا إذا كانت في القرى، فلا يجوز للمجتهد أن يقلّد وإنّما يجب عليه أن يتحرّى القبلة، ويجوز التقليد لِمن هو ليس أهلاً للتحرّي، ويُفتي الشافعيّة بجواز الاستدلال على القبلة بالطرق المعروفة برغم وجود المحاريب.
وهناك طريقة أخرى يستطيع المسلم استخدامها من أجل تحديد الاتجاهات لمعرفة القبلة ويستفيد منها المسلم ليلاً مُستخدماً مواقع النجوم، وتكون بمتابعة نجم القطب الشماليّ؛ وهو نجم صغير يتبع مجموعة نجوم نعش الصغرى، إذْ يكون خلف الأذن اليسرى للمصلّي بالنسبة لأهل مصر، ويكون خلف الأذن اليمنى للمصلّي عند أهل العراق، ويكون خلف المصلّي تماماً في بلاد الشام، وفي أهل اليمن يكون أمام المصلّي مع الميل إلى الجانب الأيسر، فإذا حدّد المصلّي مكان النّجم سهُل عليه تحديد قبلته في عموم تلك البلدان.
أحكام تتعلّق بتحديد القبلة
بيّن العلماء عدداً من الأحكام المتعلّقة بالقبلة، وبيان بعضها فيما يأتي:
إقرأ أيضا:ترقيع الصلاة عند المالكية- لا تصحّ الصلاة إلّا باستقبال القبلة؛ أي أن يكون المصلّي في مواجهة الكعبة المشرفة وليست خلفه أو عن يمينه أو شماله، والانحراف عن القبلة يكون على حالتين؛ بيانهما على النحو الآتي:
- أن يكون الانحراف عن القبلة انحرافاً شديداً؛ بأن تكون جهة المصلّي إلى غير جهة الكعبة؛ وبناءً على ذلك تبطل الصلاة ولا تصحّ ويجب على المصلّي إعادة صلاته.
- أن يكون الانحراف عن القبلة انحرافاً بسيطاً بحيث إنّ المصلّي لا يصيب عين الكعبة ويبقى ضمن جهة الكعبة نفسها مع التوجّه نحو اليمين أو اليسار؛ وبناءً على ذلك تصحّ الصلاة ولا تبطل إذا كان المصلّي بحث عن الجهة الصحيحة للقبلة وسأل مَن حوله عنها، حيث إنّ صف الصلاة الطويل أكبر من عرض الكعبة المشّرفة ويكون عدد من المصلّين المصطفين غير معاينيين للكعبة وإنّما مستقبلين جهة الكعبة وأجمع العلماء على صحّة صلاتهم.
- إذا كان المسلم مسافراً راكباً طائرةً وأراد أن يصلّي نافلة لله تعالى؛ فليس عليه تحرّي القبلة واتّجاهها، وإنما ينوي في الصلاة لأي اتجاه، فالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يصلّي النافلة في سفره وهو على ظهر راحلته مهما كان اتجاه صلاته، ولكن إذا حضر موعد صلاة الفريضة فيجب على المسلم أن يصلّيها قائماً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يسأل مضيفي الطائرة عن موقع الطائرة حتى يتسنّى له معرفة اتجاه قبلة صلاته، وإن كان يستطيع أن يجمع الصلاة التي يريد أن يصلّيها؛ فإذا كانت ظهراً مثلاً يستحضر نيّة جمعها مع صلاة العصر، أو جمع صلاة المغرب مع صلاة العشاء فعليه أن ينوي تأخيرها والجمع عند الوصول إلى الأرض