الصحابي وَحْشِيّ بن حرب أبو دسمة، مولى طعيمة بن عدي، وقيل مولى جبير بن مطعم بن عدي، قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أُحُد، وقتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة. قال ابن الأثير: “وحشي بن حرب الحبشي أبو دسمة، وهو مولى لطعيمة بن عدي، وقيل: مولى جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد، وشارك في قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، وكان يقول: قتلت خير الناس (حمزة) في الجاهلية، وشر الناس (مسيلمة) في الإسلام”.
وقال ابن حجر في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة في كلامه عن وحشي بن حرب: “قيل: كان مولى طعيمة بن عديّ، وقيل مولى أخيه مطعم، وهو قاتل حمزة، قتله يوم أحد، وقصة قتله له ساقها البخاريّ في صحيحه مطوّلة، فيها قصّة إسلامه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيب وجهه عنه، وكان قدومه عليه مع وفد أهل الطّائف. وذكر في آخرها أنه شارك في قتل مسيلمة. يكنى أبا سلمة، وقيل أبا حرب، وشهد وحشي اليرموك، ثم سكن حمص، ومات بها”. وقال ابن هشام في السيرة النبوية:” دعا جبير بن مطعم غلاماً له حبشياً يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطيء بها، فقال له: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي (ممن قتل يوم بدر)، فأنت عتيق”.
إقرأ أيضا:حادثة الإفك دروس وعبر
وقصة قتل وحشي ـ قبل إسلامه ـ لحمزة رضي الله عنه، ثم قتله ـ بعد إسلامه ـ لمسيلمة الكذاب رواها البخاري في صحيحه من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار الذي قال فيه لوحشي: (..ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلتَ حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بحيال أُحُدٍ، بينه وبينه واد، خرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباع فقال: هل من مبارز، قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال : يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور (التي تقوم بختن البنات)، أتُحاد (أتعاند) الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب، قال: وكمنت (استخبأت) لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثنته (ما بين السُرَّة والعانة) حتى خرجت من بين وركيه، قال : فكان ذاك العهد به (كناية عن موته)، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل (لا ينالهم منه مكروه)، قال: فخرجت معهم حتى قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: آنت وحشي؟ قُلْتُ: نعم، قال: أنت قتلتَ حمزة؟ قُلْت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ قال: فخرجت، فلما قُبِض (توفي) رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب، قُلْت: لأخرجن إلى مسيلمة، لعلي أقتله فأكافيء به حمزة، قال : فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجلٌ قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق (مثل الرماد من غبار الحرب)، ثائر الرأس (شعره منتفش)، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجلٌ من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار: أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالتْ جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود (وحشي)) رواه البخاري. وفي رواية زاد الطيالسي: (فكنت أتقي أن يراني رسول الله).
إقرأ أيضا:بيعة الرضوانقال ابن حجر: “وفي حديث وحشي من الفوائد: ما كان عليه من الذكاء المفرط، ومناقب كثيرة لحمزة، وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما، وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله، والحذر في الحرب”. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني): قال القاري: “يعني: فطلب منه أن لا يواجهه خوفاً من أن يثير مشاعره عليه”، وفي كتاب “الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري” : “فإن قلتَ: الإسلام يجبُّ (يمحو) ما تقدمه؟ قلتُ: الأمر كذلك، وإنما أمره بالغيبة عنه، لأنه كلما رآه ذكر حمزة فتألم، فلا ضرورة إلى ذلك”.. ومن ثم فهذا التوجيه النبوي لوحشي رضي الله عنه لا شيء فيه من المؤاخذة والتأثيم له بعد أن أسلم, وإنما هو تذكير له بأن رؤيته تجلب له شيئاً من الألم النفسي, وتحرك في نفسه ذكريات قتل عمه حمزة رضي الله عنه وما تبعه من تشويه بشع به، ولذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم على وحشي بأن يغيب وجهه عنه، ولكنه قَبِل إسلامه.
مقتل مسيلمة الكذاب على يد وحشي:
ادَّعى مسيلمة الكذاب النبوة، وكان يقول لمن حوله: “إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته”، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته أقبل إليه ومعه ثابت بن قيس، وفي يده صلى الله عليه وسلم قطعةٌ من جريد النخل، فقال له: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن أتعدى أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله) رواه مسلم. قال النووي: “وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولئن أدبرت ليعقرنك الله): أي إن أدبرتَ عن طاعتي ليقتلنك الله ـ والعقر القتل، وعقروا الناقة قتلوها ـ، وقتله الله تعالى يوم اليمامة، وهذا من معجزات النبوة”، فقد قتله وحشي رضي الله عنه في معركة اليمامة أيام خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في آخر السنة الحادية عشر وأول السنة الثانية عشر من الهجرة النبوية الشريفة، قال وحشي رضي الله عنه: (فلما قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب، قُلْت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان..) رواه البخاري.
ومما شاع ولم يصح في بعض كتب السيرة النبوية أن وحشي بن حرب رضي الله عنه قبْل إسلامه كان غلاماً لهند بنت عتبة رضي الله عنها، كما شاع كذلك أن من حرّض وحشي بن حرب على قتل حمزة رضي الله عنه هند بنت عتبة (قبل إسلامها)، وليس الأمر كذلك، فوحشي بن حرب رضي الله عنه كان مولى طعيمة بن عديّ، وهو من حرّضه على قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عمّ النبي صلى الله عليه وسلم.. وقد رأى وقابل وحشي رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأسلم على يدَيه، ومع عظم قتله لحمزة رضي الله عنه وشدة وقْع وألم ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، إلا أنَّ هذا كان قبْل إسلام وحشي، ومعلوم أن الإسلام يجبُّ ما قبله، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا عمرو أما علمتَ أنَّ الإسلامَ يَجُبُّ (يُسقط ويمحو أثر) ما كان قبلَه من الذنوب) رواه أحمد وحسنه الألباني.. وكان وحشى رضي الله عنه يقول: “قتلتُ بحربتي هذه خيرَ الناس في الجاهلية – حمزة ـ، وشر الناس في الإسلام – مسيلمة الكذاب ـ”.