رمضان وشوّال
شهرا رمضان وشوّال من أشهُر السنة القمريّة، وترتيبهما بين الأشهر القمريّة الشهران التاسع والعاشر؛ حيث يأتي رمضان المُبارَك بعد شهر شعبان، ويليه شهر شوّال الذي يأتي قبل شهر ذي القعدة، وصيام شهر رمضان ركنٌ من أركان الإسلام، وهو واجب على كلّ مسلم بالغ عاقل، ذكراً كان أو أنثى، أمّا أوّل أيام شهر شوّال فيحتفل فيه المسلمون بعيد الفطر السعيد، وهو من الأشهُر المُبارَكة، وقد وردت في ذلك أحاديث وآثار تُشير إلى ذلك؛ خاصّةً صيام ستّة أيّامٍ منه بعد رمضان، ما عدا اليوم الأوّل؛ لأنّه يوم عيد الفطر ويحرُم الصيام فيه؛ فما هو فضل صيام رمضان، وما هو فضل صيام ستة أيام من شوال؟
تعريف الصِّيام وأقسامه
قبل بيان فضل صيام شهر رمضان المبارك، وصيام ستّةٍ من شوال، لا بدّ من بيان تعريف الصيام لغةً واصطلاحاً، وبيان أقسامه على النحو الآتي:
- الصِّيام لغةً: اسم من أصول ثلاثة، وهي: الصاد، والواو، والميم، ويدلّ على الإِمساك والركود في مكان، ومنه صوم الصائم، أي: إمساكه عن كلّ ما يُمنَع عنه، كذلك يُعدّ الإِمساك عن الكلام والصمت صوماً.
- الصِّيام اصطلاحاً: عرّفه الجرجاني بأنّه عبارة عن إمساك مخصوص، وهو الإمساك عن الأكل، والشرب، والجِماع، من الصُّبح إلى المغرب مع النيّة، ويُقسَم الصِّيام في الإسلام إلى أربعة أنواع، بيانها على النحو الآتي:
- الصوم الذي فرضه الشَّرع: هو صوم شهر رمضان المبارك؛ أداءً أو قضاءً.
- صوم الكفّارات الواجب: من أمثلة ذلك: الصيام فديةً للمُحرِم إذا قدّم أذىً، ولِمن لم يجد الهدي في الحجّ فعليه صيام ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله، وكفّارة القتل الخطأ لِمن لم يجد رقبة مؤمنةً؛ فعليه صيام شهرين مُتتابعين، وكفّارة اليمين لغير القادر على الإطعام، أو الكسوة، أو تحرير رقبة؛ هي صيام ثلاثة أيام، وتجب جزاءً لِمن قتل الصيد في الإحرام إذا لم يجد مثلها من النِّعم التي اصطادها، أو لم يقُم بواجب الإطعام، وكفّارة الظِّهار لِمن لم يجد رقبةً مؤمنةً يُعتقها، يلزمه صيام شهرين مُتتابِعين، وعلى الذي واقَعَ زوجته في نهار شهر رمضان صيام شهرين مُتتابعين، إذا لم يجد رقبةً مؤمنةً يُعتقها.
- الصوم الواجب بالنّذر: حيث يجب الصيام بحقّ المرء المُكلَّف شرعاً إذا ألزم نفسه شيئاً لله -تعالى- نذراً، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من نذر أن يُطِيعَ اللهَ فلْيُطِعْهُ).
- صوم التطوّع: ومحلّه خارج رمضان؛ لأنّ رمضان محلّ الصيام المفروض، وصوم التطوّع من النّوافل التي يُؤجَر عليها العبد، وأنواعه كثيرة، منها: صيام يومَي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع، وصيام الأيام البِيض من كلّ شهر قمريّ؛ أي الأيام الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وصيام ستّة أيّام من شهر شوّال، وصيام يوم عرفة؛ أي اليوم التاسع من شهر ذي الحِجّة، ويوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر مُحرّم.
فضل صيام رمضان وستّة من شوال
لصِيام شهر رمضان المبارك، وصيام ستّة أيام من شهر شوال العديد من الفضائل التي وردت في القرآن الكريم والسُّنة النبويّة، وهي كالآتي:
إقرأ أيضا:كيف أحب الله بصدقفضل صيام رمضان
لا شكّ أنّ شهر رمضان شهرٌ عظيم مُبارَك، اختصّه الله -سبحانه وتعالى- ليكون موسماً للخيرات، وحلول البركات، وفيض الرّحمات، وفرض المولى -عزّ وجلّ-على المسلمين صيام نهاره، وسَنَّ الرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قيام لياليه، وقد أُنزِل القرآن في ليلة القدر التي جعل الله -تعالى- ثواب الطاعة فيها خيراً من طاعة ألف شهر، وقد استفاضت فضائل صيام رمضان، واشتُهِرت بها الأخبار، وتواترت فيها الآثار، ومن ذلك ما يأتي:
- يفتح الله -سبحانه وتعالى- أبواب الجنّة؛ لأنّ شهر رمضان شهرٌ تكثر فيه الأعمال الصالحة، مثل: الصيام، والقيام، ويُغلِق فيه أبواب النّار؛ لقلّة آثام أهل الإيمان.
- تُكثر في رمضان فُرَص العبد لتحصيل المغفرة من الله تعالى، وقد ذكر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الصيام أهمّ الأعمال الجليلة التي ينال بها العبد المغفرة لذنوبه، ففي الحديث النبوي، قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
- يجعل الله -سبحانه وتعالى- تعاقب شهر رمضان على العبد سبباً في مغفرة ذنوبه؛ فيمدّ الله في عُمره حتى يُبلِّغه شهر رمضان آخر، ويغفر له ما اقترف دون الكبائر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ).
- من فضائل الصيام أنّ الله -سبحانه وتعالى- يعطي الصائم أجره بغير حساب؛ وذلك لأنّ الصيام عبادة خالصة بين العبد وربّه، ويتجلّى فيها مقام المراقبة والإحسان، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ).
- من فضائل الصيام أنّه سبب في الشفاعة لصاحبه يوم القيامة، جاء في الحديث أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ).
- أكرم الله -تعالى- كلّ من يصوم يوماً في سبيل الله، بأن يُباعد الله -سبحانه- وجهه عن النار سبعين خريفاً، قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: (ما منْ عبدٍ يصومُ يوماً في سبيلِ اللهِ، إلَّا باعدَ اللهُ بذلكَ اليومِ وجهَهُ عن النَّارِ سبعينَ خريفًا).
- خصّ الله -سبحانه وتعالى- الصائمين بباب يدخلون منه إلى الجنّة، اسمه باب الرّيان.
فضل صيام ستّة من شوّال
جعل الله -سبحانه وتعالى- للصيام في شهر شوّال مزايا عديدة، منها :
إقرأ أيضا:أسباب انشراح الصدر- أكرم الله -سبحانه وتعالى- عباده، بأن جعل صيام ستّة أيام من شهر شوّال بعد صيام شهر رمضان، كمن صام الدّهر كلّه، كما أخبر بذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، جاء في الحديث: (مَنْ صام رمضانَ، وأتبَعه بستٍّ مِنْ شوالٍ، فكأنَّما صام الدَّهْرَ)، وتظهر رحمة الله بعباده من صيام ستّةٍ من شوّال بتعويض ما اعترى صيام الفريضة في رمضان من نقص أو تقصير، يؤثّر في تمام صيامهم من ذنوب أو معاصٍ.
- شهر شوّال كلّه محلّ لصيام الستّة من شوال؛ فهذه الأيام ليست مُختارةً من قِبَل الشّرع، بل يختارها المسلم من جميع الشهر، فإذا شاء صامها في أوّله، أو في أثنائه، أو في آخره، وإن شاء فرّقها من غير تتابع فيها، وإن شاء تابعها، فالأمر مُتّسع، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أطلق صيامها، ولم يذكر فيها تتابُعاً أو تفريقاً، ولكن إن بادر إليها المسلم وتابعها في أوّل الشهر، كان أفضل من باب المسارعة في الخيرات.
- المشروع تقديم قضاء ما فات المسلم من صيام الفريضة على صيام الستّة من شوّال وغيرها من صيام النّفل؛ وذلك أنّ من قدّم صيام ستّة أيام من شوّال على القضاء لم يتبعها برمضان، وإنّما أتبعها ببعض رمضان، ثمّ إنّ القضاء فرض، وصيام الستّة من شوال تطوّع، والفرض أولى بمُسارعة الأداء من التّطوع.
- يبدأ المسلم بصيام ستّة أيام من شوّال من ثاني أيام شوّال؛ وذلك لحُرمة صيام يوم العيد؛ فيشرع المسلم بصيام الستّة من شوّال ثاني أيّامه، إن أراد المُبادرة في صيامها