حُكم ترك الصلاة
ذهب جمهور العلماء إلى أنّ تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً يكفر بذلك، وبهذا فإنّه يُستتاب لمدّة ثلاثة أيام، فإن تاب فذلك خير، وإن لم يتب وبقي مصرّاً على جحده للصلاة، قُتِل بذلك لردّته عن الإسلام، أمّا إن تركها كسلاً وتقصيراً دون أن ينكرها فاختلف العلماء في حُكمه على قولين؛ الأوّل منهما أنّه كافرٌ كذلك، واستدلّوا على قولهم هذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصّلاةِ)، وقالوا إنّه يُستتاب حينها ثلاثة أيام كذلك، فإن لم يتب قُتِل لردّته، وأمّا القول الثاني فيمن ترك الصلاة كسلاً لا جحوداً فذهبوا إلى أنّه لا يكفر ولا يخرج من ملّة الإسلام، إلا أنّه مرتكب لكبيرة من الكبائر، وتجب استتابته ثلاثة أيّام، فإن لم يتب قُتِل حدّاً لا كُفراً.
ويقصد العلماء من الحُكم بكفر تارك الصلاة أنّه لا يجوز أن تجري عليه أحكام المسلمين لا في حياته ولا بعد مماته، ومنها أنّه إن كان متزوجاً فُسِخ عقد زواجه، ولا تكون ذبيحته حلالاً، ولا يُقبَل صيامه ولا صدقته، ولا يجوز له دخول مكة والحرم، ولا يُغسَّل عند موته ولا يُكفَّن، ولا تُقام صلاة الجنازة عليه، كما أنّه لا يُدفَن في مقابر المسلمين، وإن كان لأحد من المسلمين قريب لا يُصلّي وهو يعلم ذلك فلا يحلّ له أن يأتي به عند موته ليُصلّي عليه المسلمون، لأنّ الصلاة على الكافر عند موته غير جائزة، قال تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ).
إقرأ أيضا:الطريقة الصحيحة للصلاةعواقب ترك الصلاة
لترك الصلاة عواقب كبيرة على الإنسان كما بيّنت الأحاديث والآيات الكثيرة في ذلك، منها ما يأتي:
- جعل الله سبحانه وتعالى ترك الصلاة سبباً في دخول النار، كما قال في القرآن الكريم عن إجابة أصحاب النار لما سُئِلوا عن سبب دخولهم النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ*قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ).
- ذمّ الله سبحانه وتعالى من أضاع الصلوات وتوعّدهم بالغيّ، وهو وادٍ في جهنم قعره بعيد وطعمه خبيث، قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
- ذكر الله سبحانه وتعالى الذين لم يستجيبوا لأمره بأداء الصلاة في الدنيا، وبيّن أنّ الذلّة تغشى وجوههم يوم القيامة، قال تعالى: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).
- جعل الله التكاسل عن أداء الصلاة والتفريط فيها دليلاً على النفاق في قلب الإنسان، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى).
- بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ أول ما يُحاسَب العبد عليه يوم القيامة هو صلاته، فإن كانت فاسدةً فسد سائر عمله، قال صلى الله عليه وسلم: (أوَّلُ ما يُحاسَبُ بِهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإِنْ صلَحَتْ صلَح له سائرُ عملِهِ، وإِنْ فسَدَتْ، فَسَدَ سائرُ عملِهِ).
- أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ ترك صلاة العصر يحبط عمل الإنسان، قال عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه).
- أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ من ترك الصلاة وفرّط فيها لم يكن له عهد بالمغفرة عند الله سبحانه وتعالى، فإن شاء غفر له وإن شاء عذّبه، قال صلى الله عليه وسلم: (خمسُ صلواتٍ افترضهُنّ اللهُ تعالى، من أحسن وضوءَهن وصلَّاهن لوقتِهنّ وأتمّ رُكوعَهنّ وخشوعَهنّ، كان له على اللهِ عهدٌ أن يغفرَ له، ومن لم يفعلْ فليس له على اللهِ عهدٌ؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذّبَه).
كيفيّة الحفاظ على الصلاة
حتّى يحافظ الإنسان على صلاته ويتجنّب التفريط فيها، يمكنه فعل ما يأتي:
إقرأ أيضا:ما هو فضل صلاة الشروق- تذكّر الوعيد الشديد الذي توعّده الله للذين يتركون الصلاة.
- تذكّر الأجر الكبير الذي وعد الله سبحانه وتعالى به المحافظين على صلواتهم.
- مصاحبة أهل الخير الذين يحافظون على الصلاة، وترك صُحبة الأشرار.
- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى والإلحاح عليه بالدعاء.
- الإكثار من ذكر الله تعالى، والحرص على قراءة القرآن الكريم.
- الحرص على أخذ العلم النافع، وحضور المحاضرات الوعظية التي تليّن القلب وتذكّره بالله.
- تذكّر الموت وما يأتي على الإنسان بعده.
- تذكّر لحظة وقوف الإنسان بين يدي الله تبارك وتعالى، وسؤاله للإنسان عن كل ما قدّم.
حِرص السَّلف على الصلاة
كان السلف رضوان الله عليهم شديدي الحرص على الصلاة، ومن صور حرصهم ذلك ما يأتي:
- أصاب الربيع الفالج، وهو نوع من أنواع الشلل، فكان يهادي بين رجلين للذهاب إلى المسجد، فقالا له: إنّ الله سبحانه وتعالى قد رخّص له في الصلاة في بيته، فأجابهم: نعم، ولكنّي سمعت نداء (حيّ على الفلاح)، فمن سمعه منكم فليُجبه، ولو حبواً، ولو زحفاً.
- رُوِي عن سعيد بن زيد أنّه كان إذا فاتته صلاة جماعة أخذ بلحيته وبكى.
- كان أبو عبد الرحمن السلمي يأمر الناس أن يحملوه إلى المسجد وهو مريض، وذلك في حال المطر والطين أيضاً.
- كان علي بن أبي طالب يخرج من بيته كلّ يوم لينادي بالناس: الصّلاة الصّلاة، يُريد أن يوقظهم بذلك لصلاة الفجر.
- مكث سعيد بن المسيّب أربعين سنةً لا تفوته الصلاة في المسجد.
- كان وكيع يقول: من تهاون في التكبيرة الأولى، فلتغسل يديك منه