بسم الله الرحمن الرحيم
من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلَّم عدله
كان عليه الصلاة والسلام أعدل خلق الله تعالى في حقوق الله تعالى، وفي حقوق عباد الله تعالى ، قوَّاماً بالقسط ،
بعض الناس ، يموت الأب ، الأولاد الأقوياء يأخذون كل الميراث ، البنات ليس لهم شيء ، فليس هناك وقوف عند الحقوق ، يصلي ، وعليه حقوق ، يصوم ، وعليه ذمم ، يحج ، ويغتصب محل تجاري ، يخدع شريكه ويأخذ ماله ، فمثل هذه النماذج لا قيمة لها عند الله ، لا قيمة لها عند الله أبداً ما لم تؤدي الحقوق ، أداء الحقوق مقدمٌ على كل أنواع العبادات .
هل هناك أبلغ ممن استشهاد في سبيل الله ؟ فهذا أعلى عمل على الإطلاق ، ما قدم ماله ، قدم روحه ، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يسأل أهل الشهيد : أعَليه دين ؟ فإن قالوا : عليه دين ، لا يصلي عليه حتى يُؤدى دينه
وقد قال عليه الصلاة والسلام :
يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ
[من صحيح مسلم : عن عمرو بن العاص]
إقرأ أيضا:حلم و غضب الرسول صلى الله عليه وسلمشهيد لكن كل شيء بحسابه ،
إخواننا الكرام حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة ، وحقوق الله مبنيةٌ على المسامحة.
فترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد الإسلام
فالبطولة أن تؤدي الحقوق .
كان عليه الصلاة والسلام أعدل خلق الله تعالى في حقوق الله تعالى، وفي حقوق عباد الله تعالى ، قوَّاماً بالقسط ، منتصراً للحق ، حيث كان الحق ، مع القوي أو مع الضعيف ، مع الغني أو مع الفقير ، فالناس من ضعف نفوسهم يجاملوا الغني ، إذا احتكم لك غني وفقير ، وأنت لا تشعر مع الغني ، حكمنا لك ـ أعوذ بالله ـ مع القوي والضعيف ، مع القوي مع الغني دائماً ، هو كان مع الحق مع القوي أو مع الضعيف ، مع الغني أو مع الفقير ، فهو كان مع الحق ، مع القوي أو مع الضعيف ، مع الغني أو مع الفقير ، مع الكبير أو مع الصغير ، مع الرجل أو مع المرأة ، أهل الفتاة مع ابنتهم ، ابنتهم على حق دائماً ، ولا يتنازل الأب يسأل الصهر : ماذا فعلت معك ابنتي ؟ يأخذ من ابنته الكلام وانتهى الأمر ، أخذ من ابنته كل شيء ، انحياز أعمى ، ظلم ، عدل ساعةٍ أفضل عند الله من أن تعبد الله ثمانين عاماً، عدل ساعة ، أن تعدل بين ابنتك وزوجها ، الحق على ابنتك ، قل لها : الحق عليكِ . محاباة ، أهل الزوج مع ابنهم ولو كان وحشًا ، وأهل الزوجة مع ابنتهم ولو كانت ابنتهم ماكرة وخادعة .
مع القوي أو الضعيف ، مع الغني أو الفقير ، مع الكبير أو الصغير، مع الرجل أو المرأة ، مع الحُر أو العبد .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت:
أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
المجتمع الراقي المبادئ كبيرة جداً ، والأشخاص صغيرون جداً ، المجتمع المتخلف المبادئ صغيرة والأشخاص كبيرون ،
أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله ـ ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، وحسنت توبتها بعد ذلك ، وتزوجت ،
وقالت عائشة عنها : أنها كانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
مجتمع العدل ، لا يوجد فيه تفاوف ، بدأ بابنته صلى الله عليه وسلم
وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
يقولون عن قاضٍ طرق بابه ، فسأل غلامه : من الطارق ؟ قال رجلٌ قدم لك هذا الطبق من الرطب ، وكان هذا القاضي معروفاً في المدينة بحبه للرطب في بواكيرها ، فقال القاضي لغلامه : صف لي هذا الرجل ، وصفه له ، فعرف هذا القاضي أن هذا الرجل أحد الخصوم عنده، فرد له الطبق ، ولم يأخذه منه ، بعد حين رفع إلى الخليفة طلباً بإعفائه من منصبه، فقل الخليفة له : لماذا ؟ قال والله جاءني متخاصمان ، بعث إلي أحدهما بطبقٍ من الرطب في بواكيره، فرددته ، في اليوم التالي وأنا أفصل بينهما تمنَّيت أن يكون الحق مع الذي قدَّم لي هذا الطبق ، هذا مع أني رفضته ، فكيف لو قبلته ؟ الطبق رفضه ، وتمنى أن يكون الحق مع الذي قدَّم طبق الرطب ، قال : فكيف لو قبلته ؟ هكذا النزاهة.
إقرأ أيضا:ملاطفة الرسول صلى الله عليه وسلَّم للصبيان وملاعبته لهمعَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا فَقَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إِلَى خَيْبَرَ فَأَرْجُو أَنْ تُغْنِمَنَا شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيهِ قَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُرَاجَعْ فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدٍ فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ فَقَالَ اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ الدَّرَاهِمِ فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أي سألت ابن أبي حدرد عن حاله ـ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ هَا دُونَكَ هَذَا بِبُرْدٍ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ
كيف كان الحق عظيم ؟! يهودي اشتكى على مسلم له عليه أربعة دراهم ، فالنبي قال له : ادفع له حقه ، أول مرة والثانية والثالثة ، ما كان من هذا الصحابي إلا أن لف نفسه بعمامته وباع ثوبه ، ودفع لليهودي حقه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا فَقَالَ لَهُمْ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَقَالُوا إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ قَالَ فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً
[متفق عليه]
أي أن الله سمح له أن يغلظ له بالقول ، ليظهر كمال النبي ، ليظهر حلمه ، ليظهر عدله ـ حتى هَمَّ به بعض القوم
وكان أعرابياً، فقال عليه الصلاة والسلام:
إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالً
اسمع منه ، واحد مظلوم ، واحد مقهور ، واحد فقير له حاجة ، اسمع منه، قال :
إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ـ ثم قال : أعطوه
فطلبوا سنَّه ـ أي الناقة التي في السن التي دفعها للنبي ـ فلم يجدوا إلا سناً فوقها ـ أي أحسن منها ـ فقال عليه الصلاة والسلام :
أعطوه
فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله تعالى . فقال عليه الصلاة والسلام :
فَإِنَّ مِنْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً
أيضاً هذه القصة وقف فيها النبي الموقف الكامل ، الأعرابي كان فظاً ، غليظاً ، تجاوز حده ، لكن لقي في صدر النبي السعة والحلم ، وكان النبي حريصاً على أداء الحق وزيادة ، أعطوه ناقةً في سنٍ فوق السن التي أخذها منه النبي .
وكان صلى الله عليه وسلم يتحاكم إليه قبل البعثة أيضاً الخصوم ، لمَ عرفوا من عدله وأمانته ،
قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه :
كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
والله إني لأمينٌ في السماء ، أمين في الأرض
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ قَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ
[مسلم]
أرجو الله أن يكون واضحاً عندكم أن هذا الخلق ، العدل ، فلا تنحز لأحد ، لا تنحز لابنتك ، لا تنحز لابنك ، لا تنحز لشريكك ، كن مع الحق ، هذه بطولتك ، لعل شريك على خطأ ، انصره ظالماً بالأخذ على يده ، لعل ابنك مخطئ ، انصره بالأخذ على يده ، لعل ابنتك مخطئة ، انصرها بالأخذ على يدها ، هذا الإيمان ، أما المحاباة ، والتعصب ، والانحياز الأعمى هذا يسقط الإنسان ولا يرفعه.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: السيرة – شمائل الرسول 1995 – الدرس (14-32) : صبره على أذى المشركين – عدله
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-01-09