يُعرَف مُوطأ الإِمام مالك بأنّه الكِتاب الذي يَحتوي على الأحاديث المَرفوعة والآثار المَوقوفة مِن كَلام الصحابة والتابعين ومَن بَعَدهُم، وقَدْ سَمّاه الإِمام مَالك بالمُوطَّأ لأنَّه وطَّأَه للنّاس أي؛ هذَّبَه ورتَّبه ومهَّدَه لهم، وقَدْ اشتمل المُوطَّأ على اجتهادات المُؤلِّف وفَتاواه.
عدد الأحاديث في كتاب الموطأ
اختلف عدد أحاديث الموطأ بحسب اختلاف نُسخ الكتاب، فقد استَمرَّ الإمام مَالِك بن أَنَس عشرين سنة -وقيل أَربعين- في قراءة الموطأ على النَّاس، وكان -رَحِمه الله- يَزيد في الكتاب بعض الأحاديث أحياناً، ويَنقِص منه أحياناً أخرى، فكان يقوم بالتعديل على كتابه بين الحين والآخر، وكان للإمام مالك الكثير من التلاميذ، الذي كانوا يَسمعون منه ويقرؤون عليه، فبعضهم سمع الموطأ مع الزيادة، وبعضهم سمعه مع الإنقاص، وهكذا، فتعددت نُسخ الموطأ بحسب كل تلميذٍ ممن نقلوا الكتاب ورووه عن الإمام، حتى بلغت أربع عشرة نُسخة، ومن أهم تلك الروايات ما يلي:
رِواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي
وتُعدّ من أَشهر رِوايات الموطأ، وهي المَقصودة عِنْدَ إطلاقه، وتَتَميَّز هذه الرِّواية عَنْ غَيرها بِأنَّها قَدْ احتوت على آراء الإِمام في ثلاثة آلاف مَسألة في أَبواب الفِقْه، وقد اعتمد أغلب العلماء هذه النسخة، وبنوا عليها شروحهم للموطأ، وذلك لما عُرف عن صاحبها يحيى بن يحيى من شدة الورع، وثناء الإِمام مَالِك عليه، ولأن رِوايته للموطأ كانت آخر الرِّوايات، فَقَدْ رِواها في آخر عُمر الإِمام مَالك -رَحِمَه الله- سَنة 179هـ، وكانت أكثر الروايات تَنْقيحاً وانتقاءً، وقَدْ بَلَغ عدد الأَحاديث في هذه النسخة: (1942) حديثاً.
إقرأ أيضا:شروط الحديث المتفق عليهرِواية أبي مُصعَب الزُّهري
تُعدّ هذه الرِّواية مِن آخر رِوايات الإمام مَالك، وقَدْ تَدَاوَلَها أهل العِلم، وتَتَميّز عَنْ غيرها بِأنَّها قَدْ احتوت على نَحو مَائَة حَديث زيادة عن بَاقي الرِّوايات، وبَلَغ عدد الأَحاديث فيها: (3069) حديثاً، وقَد شَمِلَ هذا العدد كُلَّ شَيء حتّى أقوال الإِمام.
رِواية مُحمد بن الحسن الشيباني (صاحب الإمام أبي حنيفة)
لم تَقتصِر هذه الرِّواية على أحاديث الإمام مَالك، بل وَضعَ فيها مُحمد بن الحسن روايات عَنْ غَير الإمام مالك، كَما احتوت على مرويات زائدة عَنْ المَشْهور عَنْ الإِمام مالك، وقد خلت من بعض الأحاديث المشهورة في النسخ الأخرى،، كَما احتوت هذه الرِّواية على اجتهادات محمد بن الحسن، وعَدد من عُلماء العِراق والحِجاز، ومِنْ الأحاديث التي تَفَرد بِها مُحمد بن الحسن في هذه الرِّواية: حديث (إنَّما الأعمالُ بالنيّات).
رِواية عبدالله بن مَسلِمة القعنبي
تُعدّ هذه الرِّواية أكبر رِوايات المُوطَّأ، ويُذكَر أنَّ عبدالله بن مَسلَمة قَدْ سَمِعَ مِنْ الإمام مَالك نِصف المُوطَّأ وقَرَأ عليه النِصْف الآخر، وقَدْ كان عبدالله من أثبت النّاس في المُوطَّأ عِنْدَ ابن مَعين وابن المَديني والنسائي، ومما انفرد به من أحاديث في هذه النسخة، حديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم).
منهج الإمام مالك في الموطَّأ
اعتَنى الإمام مَالك بالمُوطَّأ عِنَاية فَائقة، فَقَدْ اتَّبَع مَنهج التحرّي والبَحث عن الصَّحيح من الحَديث وانتقاء الأحَاديث تِبعاً لِمعايير وضَوابط مُعينة، فَلَم يَروي الإِمام مَالك الحَديث إلّا عَنْ الرُّواة الثِّقات، ولِذلك أَثنى عليه الأئمة والعُلماء، حيث قال فيه الإمام الشافعي: “مَا في الأرض بَعدَ كِتاب الله أكثر صَوابَاً مِنْ مُوطَّأ الإمام مَالك بن أَنس”، ولَم يَكتفي الإِمام مَالك باشْتِراط الرِّواية عَنْ الرِّجال الثِّقات؛ بَل كان يَشْتَرِط الشهرة في طَلَب العِلم والاهتمام بِه، حتّى يُدرك الرَّاوي ما يُحدِّث بِه، كَما كَان الإِمام شَديد الحِرْص على سلامة النَّص، فَقَدْ كَان يَنفُر مِنْ الحَديث الغَريب أيّاً كان رُوَاته، وقَدْ عُرِفَ -رَحِمَه الله- بِتَجنب الرِّواية عَنْ المُبتَدِعة، ومِنْ أَجل هذا المَنهج الدَّقيق والواضح في انتقاء الأَحاديث اسْتَوعَب الشيخان البُخاري ومُسلم الكَثير مِنْ رُواياته، مِمّا يُثبت لَنا أنَّ أَكثر أَسانيده المَوصولة كانت في الدْرَجة العُليا مِنْ الحَديث الصحيح.
إقرأ أيضا:عدد أحاديث ابن خزيمة