الإيمان بالسحر وقدرة الساحر على التنبؤ بالغيب عين الضلال والحمق :
(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)
[سورة الشعراء الآية : 213]
وأنه لا يقع شيء في هذا الكون كله إلا بأمره، وتحت سمعه وبصره، بل ما من ورقة تسقط من شجرة في هذا الكون إلا يعلمها، ويعلم ما في البر والبحر، ولا تخفى عليه خافية، هذا هو التوحيد،
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد
والإيمان بالسحر وقدرة الساحر على التنبؤ بالغيب، وتوهم المتوهم أن الساحر يوفق بين المرء وأهله، وأنه يزيد في الرزق، فهذا عين الضلال، وعين الحمق، وعين الغباء، وما عالجت هذا الموضوع ترفاً إلا لانتشار هذه الظاهرة في المجتمعات الإسلامية، أكثر من يعانون ما يعانون من عدم استقامتهم يلجؤون إلى كاهن أو ساحر، وقد يكون في العالم الإسلامي على شكل شيخ، يتعاون مع الجن ويبتز، وقد ينتهك الأعراض، هذه الحقيقة المرة، ولولا انتشار هذه الظاهر في العالم لما آثرت طرح هذا الموضوع.
إقرأ أيضا:الإنسانية في الإسلامطرق الوقاية من السحر ومسّ الجن :
1. تحقيق التوحيد لله العزيز الحميد وإخلاص العبودية له :
(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)
[سورة الرحمن]
قال علماء التفسير: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة.
يقول بعض العلماء:
ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟
لذلك في الدنيا جنة، جنة التوحيد، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وقد قال تعالى:
(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)
[سورة محمد الآية : 6]
عرّفها لهم في الدنيا، ذاقوا طعمها في الدنيا، إنه التوحيد، أمرك بيد واحد، صحتك بيده، زوجتك بيده، أولادك بيده، رزقك بيده، من فوقك بيده، من تحتك بيده، من حولك بيده، هذا هو التوحيد.
مرة دخلت إلى مسجد فإذا لوحة تكاد تحتل مقدمة المسجد، تقرأ هذه اللوحة يقشعر جلدك هي آية كريمة:
(يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)
[سورة الفتح الآية : 10]
هذا الذي تخافه هو في قبضة الله، هذا الذي تخشاه هو في قبضة الله:
كن مـع الله ترّ الله معك***واتـرك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطـاك من يمنعه***ثم من يعطـي إذا ما منعك
2. قوة الإيمان في القلب :
أيها الأخوة، إن قوة الإيمان في القلب تضعف الشيطان، وكلما زاد إيمان العبد ضعف تسلط الشيطان عليه، دققوا في قوله تعالى:
(إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)
[سورة آل عمران الآية : 155]
عصى، قصر، حجب، فاستزله الشيطان أي جعله يذل،
يروى أنه كانت شجرة تُعبد من دون الله، فجاء إليها رجل فقال: لأقطعن هذه الشجرة، فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان قال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله. فقال: إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ ـ الآن أكثر الكلام يقال: دعك من الناس ينبغي ألا يعنيك أمرهم، دعك منهم فقال : لأقطعنها، فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خير لك، لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت تجد الدينارين تحت وسادتك، قال: فمن أين لي بذلك؟ قال: أنا لك، فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان قال: ما تريد؟ قال: أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى. قال: كذبت مالك إلى ذلك سبيل، فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله، قال : أتدري من أنا؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين فتركتها، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك.
أنت حينما تقاتل من أجل الدنيا، لا تستطيع أن تفعل شيئاً، أما حينما تغضب لله أنت أقوى إنسان، لذلك قال تعالى:
(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)
[سورة النحل الآية : 99-100]
فالشيطان لا سلطان له على المؤمن:
(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)
[سورة الحجر الآية : 42]
أنت في حصن حصين، أنت بالتوحيد في حصن حصين، أنت بالاستقامة في حصن حصين.
3. كثرة ذكر الله :
أيها الأخوة، كثرة ذكر الله تضعف الشيطان، وتقوي الإيمان، وترضي الرحمن، وهي الركن الركين، والحصن الحصين الذي يتحصن به الإنسان من الشيطان الرجيم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)
[سورة الأحزاب الآية : 41]
لذلك في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
مَثَل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت
[البخاري عن أبي موسى الأشعري]
أنت حينما توحد، وحينما تستقيم، وحينما تكثر من ذكر الله، ليس للشيطان إليك سبيل، الحديث اليوم عن المعالجة، وعن الوقاية، لذلك قال النبي في حديث طويل:
…. لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة
[مسلم عن أبي هريرة]
لذلك إذا دخل الرجل إلى بيته فلم يسلم قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت، طوال الليل مشاكل، وإذا جلس إلى الطعام ولم يسمِ قال الشيطان: أدركتم العشاء، أيضاً لا يوجد بركة في الطعام، الآن دخل ولم يسلم، أكل ولم يسمِ قال الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت والعشاء معاً.
هناك بيت كله مشاكل، سباب، ضرب، لعن، شتم، خصومة، عداء، قطيعة، قد تستمر شهراً، هذا من عمل الشيطان، ابحث عن المعصية، كيف أن ضباط الأمن الجنائي في أية جريمة يبحثون عن المرأة التي قد تكون وراء هذه الجريمة، أنا أقيس عليها ابحث عن المعصية:
ما تواد اثنان، ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما
[أخرجه أحمد عن ابن عمر]
لذلك التوحيد، الاستقامة، كثرة ذكر الله، ورد في بعض الأحاديث أنه :
من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق
[أخرجه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة]
لذلك:
…. لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة
[مسلم عن أبي هريرة]
ولكن قد ينصح بعض الدعاة من مسهم الشيطان بقراءة سورة البقرة، ينبغي أن تقرأ بقلب حاضر لا بقلب ميت.
4. قراءة آية الكرسي :
قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني محتاج وعليّ عيالٌ، ولي حاجة شديدة قال: فخليتُ عنه فأصبحتُ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟. وكله النبي بحفظ أسير عنده، قال : قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال : أما إنه قد كذبك وسيعود . فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته، فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال، لا أعود. فرحمته فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟. قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال: أما قد كذبك وسيعود . فرصدته الثالثة فجعل يحثو من الطعام فأخذته .فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود. قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟. قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله. قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب مُذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا قال: ذاك شيطان.
[البخاري عن أبي بن كعب]
يبدو أن آية الكرسي بنص حديث رسول الله الصحيح تبعدك عن وساوس الشيطان، وعن الكوابيس، والمنامات المزعجة، والخوف، والقلق، والإحباط، والتشاؤم، لكن بمعناها، الله لا إله إلا هو، لا يوجد غيره، هو الغني، هو الرحيم، هو الرزاق:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
[سورة البقرة الآية : 255]
لا يؤثر شيء في شيء إلا بإذن الله، سلباً أو إيجاباً:
(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حفظيهما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
[سورة البقرة الآية : 255]
5. قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة :
أيها الأخوة، ومن نصائح النبي عليه الصلاة والسلام قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة:
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)
[سورة البقرة الآية : 255]
6. قراءة المعوذات :
أيضاً سادساً: قراءة المعوذات،
النبي كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: {قل هو الله أحد} وقل: {أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات
[البخاري عن عائشة]
وعن عبد الله بن خبيب ـ رضي الله عنه ـ قال:
خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي لنا، قال: فأدركته، فقال: قل: فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل: فلم أقل شيئاً، قال: قل: قلت ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، لم يكن له كفواً أحد، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات يكفك من كل شيء
[النسائي وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه]
وفي رواية:
ما تعوذ الناس بأفضل منها
قال النبي عليه الصلاة والسلام :
من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك
[البخاري عن أبي هريرة]
أيها الأخوة، هذه بعض توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في مواجهة وساوس الشيطان، وفي مواجهة السحرة والكهان، وفي مواجهة العرافين والكذابين، ولقد ذكرت ذلك لكثرة ما انتشر بين الناس من لجوء الجاهلات الغافلات، ولجوء الجاهلين والغافلين إلى العرافة، والسحرة، والمشعوذين.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: خطبة الجمعة – الخطبة 1147 : خ1 – الموبقات السبع: السحر2 ، خ 2 – لا يخافن العبد إلا ذنبه.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-04-09