صوم النافلة
من رحمة الله سبحانه وتعالى بعبادة أن جعل لكل عبادة مفروضة ما يشبهها من النوافل؛ ليتقرب العبد إلى ربّه سبحانه وتعالى، وليجبُر النقص الحاصل في تأديته للفرائض، وقد حثّ النّبي صلى الله عليه وسلم على أداء النّوافل من العبادات؛ لما لها من فضل وأجر كبيرٍ عند الله سبحانه وتعالى، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ( إنَّ اللهَ قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه؛ كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه)، وصيام النّافلة هو جزء من النّوافل التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه سبحانه وتعالى، وهذا الصوم موزّع على مدار العام؛ فمنه ما يكون في السنة مرة واحدة، ومنه ما يكون شهرياً، ومنه ما يكون أسبوعياً؛ كصيام الاثنين والخميس.
المقصود بالصوم
- الصوم في اللغة: الصاد والواو والميم أصل يدل على الإمساك والركود في المكان، ومن هذا القبيل صوم الصائم أي؛ إمساكه عن طعامه وشرابه وما منعه، ويعتبر الإمساك عن الكلام صوماً، ومنه قول الله سبحانه وتعالى: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا )، أي؛ الإمساك عن الكلام والصمت، وأمّا الإمساك الذي هو بمعنى الركود، فقد قال النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة … تحت العجاج وخيل تعلك اللجما.
- أما الصوم في الاصطلاح الشرعي، فيُعرّف بأنّه: (إمساك المسلم البالغ العاقل، والعالم بوجوب الصوم الناوي له، والمطيق له، والمكلّف شرعاً بالصوم لسبب شرعي)، عن المفطرات من الطعام والشراب، والجماع، وكل فعل يُفسد الصوم، من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب شمس ذلك اليوم.
- سمي يوم الاثنين بذلك؛ لأنه يعتبر ثاني أيام الأسبوع، وهو مثنى، ويُجمع على أثانين، وسمي يوم الخميس بذلك؛ لأنه خامس أيام الأسبوع، ويُجمع على أَخْمِسَاءُ وأَخْمِسَةٌ.
حكم صيام الاثنين والخميس
اتفق فقهاء المذاهب الفقهية على أنّه يُستحب صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع؛ مستدلّين على ذلك بما رواه الصحابي أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصومُ الأيامَ، يَسْرُدُ حتى يُقالَ لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ الأيامَ حتى لا يَكادُ أن يصومَ إلا في يوميْنِ من الجمعةِ إن كانا في صيامِهِ؛ وإلا صامهما، ولم يكنْ يصومُ من شهرٍ من الشهورِ ما يصومُ من شعبانَ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إنكَ تصومُ لا تكادُ أن تُفطِرَ، وتُفطِرُ حتى لا تكادُ أن تصومَ إلا يوميْنِ إن دخلا في صيامِكَ، وإلا صُمتهما، قال أيُّ يوميْنِ؟ قال: قلتُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ، قال: ذانِكَ يومانِ تُعرضُ فيهما الأعمالُ على ربِّ العالمينَ، وأُحِبُّ أن يُعرضَ عملي وأنا صائمٌ، قال: قلتُ: ولم أَرَكَ تصومُ من شهرٍ من الشهورِ ما تصومُ من شعبانَ، قال: ذاكَ شهرٌ يغفلُ الناسُ عنهُ بينَ رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ يُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ).
إقرأ أيضا:الإكثار من ذكر الموت وأحوال الآخرةفضل صيام الاثنين والخميس
إنّ لصيام يومي الاثنين والخميس فضلاً كصوم أيّ يوم من أنواع صوم النافلة بشكل عام، ومن فضائل صوم الاثنين والخميس ما يلي:
- ليوم الاثنين والخميس فضل عظيم؛ ففيهما تفتح أبواب الجنة؛ لكثرة الرحمة والمغفرة النازلة على العباد، فيُستحب صومهما، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ، ويومَ الخميسِ، فيُغفَرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رجلًا كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، فيُقالُ: أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا غيرَ أنَّ في حديثِ الدَّراورديِّ إلَّا المتَهاجرَينِ مِن روايةِ ابنِ عبدةَ ، وقالَ قُتَيْبةُ : إلَّا المُهْتجرَينِ)
- في يوم الاثنين ولد رسول الله صلى لله عليه وسلم، ويوم بُعِث فيه ويوم أُنزل عليه فيه.
- إنّ في صيام النافلة تُكمَّل فريضة الصيام يوم القيامة، وصيام الاثنين والخميس من ضمن صوم النافلة.
- صيام النافلة تقي صاحبها من النار، ونحفظ صاحبها من الوقوع في الشهوات.
- صيام يوم في سبيل الله يُباعد بين وجه صاحبه والنار سبعين سنة.
- ينادي الصوم صاحبه يوم القيامة لدخول الجنّة من باب الريان.
- صوم الاثنين والخميس من الصيام المستحب الذي تُرفع به الدرجات وتُكَفَّر به السيئات.
- يومي الاثنين والخميس يومان تعرض فيهما الأعمال على الله سبحانه وتعالى، فيُستحبّ صيامهما.
الإعجاز العلمي في صيام الاثنين والخميس
أثبتت الدراسات أنّ الصوم من أفضل العلاجات لشفاء الكثير من الأمراض، ويؤكّد الباحثون أنّ صيام يومين بالأسبوع يُعتبر النظام المثالي للمحافظة على رشاقة جسم الإنسان ووقايته من أمراض كثيرة، كما أنّ الصوم لمدة يومين في الأسبوع يُعتبر طريقة ذات فعالية كبيرة لإنقاص الوزن، وبالتالي الوقاية من ضغط الدم والسكري والكولسترول وهي أمراض تتعلق بالوزن الزائد، كما يخفّض من مستوى خطورة سرطان الثدي.[١٠]
إقرأ أيضا:شرف المؤمن في قيام الليل.تبييت النية في صوم النافلة
ذهب الفقهاء في مسألة تبييت النية في صوم النافلة إلى قولين:
- القول الأول: عدم اشتراط تبييت النية في صوم النافلة، واشتراط عدم حصول شيء ينافي الصوم من الفجر إلى وقت إنشاء نية الصوم، وإلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء، واستدلّوا على ذلك بالحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: (دخل عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ فقال: هل عندكم شيٌء؟ فقلنا: لا، قال: فإنّى إذن صائمٌ، ثم أتانا يومًا آخرَ فقلنا يا رسولَ اللهِ، أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فقال: أرينِيه، فلقد أصبحتُ صائمًا، فأكلَ)
- القول الثاني: اشتراط تبييت النية في صوم الفرض وصوم النافلة، وإلى هذا القول ذهب فقهاء المالكية، واستدلُّوا على ما ذهبوا إليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من لم يُجمِعِ الصيامَ قبلَ الفجرِ فلا صيامَ له)