عبادات

شروط العقيقة للولد

شكر نعمة الولد

أنعم الله -سبحانه وتعالى- على عباده بالعديد من النعم التي تستوجب الشكر، ومن بين تلك النعم أن يُرزق الإنسان بمولودٍ معافى تام الخلقة، فتلك من النعم العظيمة التي تستوجب شكر الله سبحانه وتعالى عليها؛ فإذا رُزق المسلم بمولود ذكراً كان أو أنثى، فإنّ عليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، وقد ثبت في السُنة النبوية العديد من الوسائل التي يؤدّي بها المسلم شكر نعمة الولد، كما أنّ الشريعة الاسلامية سنّت بعض السُّنن التي تؤدّي إلى ذلك، ومن بين تلك السُنن التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ودلّت عليها هي العقيقة، فما هي العقيقة؟ وما هي شروطها؟

العقيقة

معنى العقيقة

  • العقيقة في اللغة: هي مفرد وجمعها عقائِقُ، وهي تُطلَق على شَعر كلّ مولود من الناس والبهائم ينبت وهو في بطن أمِّه، والعقيقة ذبيحة تُذبَحُ عن المولود في اليوم السابع عند حلق شعره.[١] سُمّيت الشاة بالعقيقة نسبةً إلى عقيقة الشعر، وقيل سمّيت بالعقيقة لأنها تُذبح فيُشقّ حلقومُها، ومريئها، ووَدَجاها.[٢]
  • العقيقة اصطلاحاً: الذبيحة التي تكون خاليةً من العيوبِ والتي يتمّ ذبحها عن المولود في اليوم السابع شكراً لله سبحانه وتعالى على نعمة الولد.[٣]

حكم العقيقة

اختلف الفقهاء في حُكم العقيقة على خمسة أقوال:[٤]

إقرأ أيضا:فاعبده واصطبر لعبادته
  • القول الأول: أنّ حكم العقيقة هو الاستحباب، أي يُستحبّ فعلها، وإلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة، والشافعية، والمشهور في مذهب الحنابلة؛ مستدلّين على ما ذهبوا إليه بما رواه الصحابيُّ الجليل سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويُسمّى)،[٥] ووجه الاستدلال بهذا الحديث النبوي أنّ الأمر بالعقيقة اقترن بالأمر بالحلق والتسمية، وهذين الفعلين (الحلق والتسمية) يُستحبّ فعلهما ولا يجب، فدلّ ذلك على الاستحباب.
  • القول الثاني: أنّ حكم العقيقة هو الوجوب، وإلى هذا القول ذهب كلّ من؛ الليث بن سعد، والإمام الحسن البصري، وفقهاء الحنابلة في رواية عندهم، وهو مذهب الظاهرية؛ مستدلّين على ما ذهبوا إليه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمّى)[٥] ووجه الاستدلال بهذا الحديث؛ في أنّه كل مولود محتبس عن الشفاعة لوالديه إذا مات وهو طفل، فشُبّه بعدم انفكاكه من العقيقة بالرهن في يد مرتهنه، وهذا يدل على الوجوب، فالإنسان مأمور بتخليص نفسه وفكاكها.
  • القول الثالث: أنّ حكم العقيقة هو الإباحة؛ أي أنّ العقيقة ليست بواجبة ولا مستحبّة، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الحنفيّة في المشهور عندهم مستدلّين بما ذهبوا إليه بأنّ العقيقة كانت في الجاهلية وهي منسوخة من الأضحية، فإذا ثبت النسخ يبقى الأمر بها على الإباحة.
  • القول الرابع: أنّه يُعقُّ عن الذكر دون الأنثى، وإلى هذا ذهب كلٌ من الحسن وقتادة؛ مستدلّين بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمّى)[٥] ووجه الاستدلال بهذا الحديث؛ أنّ ظاهره يدلّ على أنّ العقيقة خاصةٌ بالغلام، ومفهوم هذا أنّه لا يُعَقّ عن الأنثى.
  • القول الخامس: أنّ العقيقة مكروهة، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الحنفيّة في قول عندهم، مستدلين على ذلك؛ بأنّ العقيقة من أفعال أهل الكتاب، وأنّها كانت فضلاً، وأنّها نُسخت، فإذا ذهب الفضل لا يبقى إلّا الكراهة.

مشروعية العقيقة

تُعتبر العقيقة من الأمور التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية وقبل الإسلام، والدليل على ذلك ما رواه بريدة الأسلمي؛ حيث قال: (كنا في الجاهليةِ إذا وُلدَ لأحدِنا غلامٌ ذبح شاةً ولطَّخ رأسَه بدمِها فلما جاء بالإسلامِ كنا نذبحُ شاةً ونحلقُ رأسَه ونُلطِّخُه بزعفرانٍ)،[٦] أمّا بعد الإسلام، فقد أقرّتها الشريعة الإسلامية، وقد ثبتت مشروعيتها في السنة النبويّة الشريفة، فبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله؛ فعن سلمان بن عامر الضبي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في الغلامِ عقيقةٌ، فاهْرِيقوا عنه دَماً، و أَمِيطوا عنه الأذى).[٧] وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنّه عقّ عن الحسن والحسين.[٨]

إقرأ أيضا:سهام الليل يا مسلمون

وقت العقيقة

اختلف أئمة الفقه في بداية الوقت المجزئ لذبح العقيقة، على قولين:[٩]
  • القول الأول: أنّ وقت ذبح العقيقة للمولود يكون بعد انفصاله عن أمه، وإلى هذا القول ذهب كلٌّ من فقهاء المذهب الشافعي وفقهاء المذهب الحنبلي.
  • القول الثاني: أنّ وقت ذبح العقيقة يكون في اليوم السابع من ولادة المولود، ولا يجوز إخراج العقيقةِ قبلَ ذلك، وإلى هذا القول ذهب كلٌّ من فقهاء المذهب المالكيّ وفقهاء المذهب الحنفيّ.

أمّا بالنسبة لنهاية الوقت المجزئ لذبح العقيقة، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:[٤]

  • القول الأول: أنّ العقيقة لا تفوت بتأخيرها عن اليوم السابع من ولادة المولود، بل وتجزئ إذا تم ذبحها بعده، وإلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وبعض المالكيّة.
  • القول الثاني: أنّ العقيقة تفوت إذا تأخّر ذبحها عن اليوم السابع من ولادة المولود، ولا تجزئ إذا تم ذبحها بعد ذلك، وإلى هذا القول ذهب الحسن، وعطاء، والمالكيّة في المشهور عندهم.

شروط العقيقة للولد

لا تختلف شروط عقيقة الولد بشكل عام عن شروط عقيقة الأنثى، من حيث ما يجب توافره في العقيقة نفسها، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الشروط الواجب توافرها في العقيقة هي نفسها الشروط الواجب توافرها في الأضحية، وذلك من حيث:[١٠]

إقرأ أيضا:فوائد الصيام علمياً
  • أن تكون العقيقة من الأنعام: أي من الضأن، أو الماعز، أو الإبل، أو البقر، ولا تصحّ العقيقة بغير هذا؛ كالدجاجة والعصفور.
  • أن تكون العقيقة سالمةً من العيوب: والمقصود بذلك؛ ألاّ تكون الذبيحة عوراء بيّنٌ عورها، أو عرجاء بيّنٌ ظلعها، أو عجفاء، أو مريضة بيّنٌ مرضها، ولا مكسورة القرن، وإلى غيرذلك.
  • أن تتوفر الأسنان المطلوبة: كما هو الحال في السنّ المطلوبة في الأضحية فمثلاً؛ لا تجوز العقيقة بالغنم حتى تنهي الشاة سنةً من عمرها، ولا البقر حتى تُتِمّ السنتين، ولا الإبل حتى تتمّ الخمس سنوات.

هذا وقد اختلف الفقهاء في مفاضلة الذكر على الأنثى في العقيقة على قولين: [١١]

  • القول الأول: يُعقُّ عن المولود الذكر شاتان، وعن المولود الأنثى شاة واحدة، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الشافعية وفقهاء الحنابلة وبعض فقهاء المالكية، وهو مذهب الظاهرية، وقول ابن عباس رضي الله عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وإسحاق وأبو ثور؛ (إلاّ أنّ الظاهرية يرون أنّ ذبح الشاتين عن الغلام على سبيل الوجوب، بخلاف البقية؛ فهم يرون أنّ الأفضل والأكمل هو أن يُعقّ عن المولود الذكر شاتين، فإن لم يتيسر ذلك يجزئه شاة واحدة)، استدل أصحاب هذا القول بما روته أم كرز الخزاعية: (أنَّها سألَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عَنِ العَقِيقَةِ، فقال عَنِ الغُلامِ شَاتَانِ، وعَنِ الجَارِيَةِ واحدةٌ، لا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أمْ إِناثًا)[١٢]
  • القول الثاني: يُذبح عن المولود الذكر شاة واحدة، وعن المولود الأنثى شاة واحدة، وإلى هذا القول ذهب الإمام مالك والهادوية، ونُقِل هذا القول أيضاً عن ابن عمر، وعن أسماء بنت أبي بكر، وعن عروة بن الزبير، وعن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم أجمعين؛ مستدلّين بما ذهبوا إليه بما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ( أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً)[١٣]

ما يُقال عند ذبح العقيقة

يُستحب لمن يذبح العقيقة أن ينوي عند الذبح
 أنّها عقيقة، وأن يقول بعد التسمية: (اللهم لك ولك عقيقة فلان)، وعلى هذا 
نصَّ فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، وإذا نوى الذابح أنّ الذبيحة 
عقيقة ولم يذكر اسم المولود أجزأت العقيقة، [٤] وقد استدلوا على هذا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذبَحوا على اسمِه وقولوا: بسمِ الله، اللهُ أكبَرُ، اللهمَّ منك ولك، هذه عقيقةُ فلانٍ)[١٤]

الانتفاع بالعقيقة

اتّفق الفقهاء على أنّه يُنتفع بالعقيقة كما يُنتفع بالأضحية، أي أنّ مصارفهما واحدة؛ وذلك لأنّ كلاهما إراقة دم مستحبّ، وأنّ شروطهما واحدة، غير أنّهم اختلفوا في الكيفية التي يتم توزيع العقيقة بها على ثلاثة أقوال:[٤]

  • القول الأول: يُستحب الجمع بين الأكل والإطعام والصدقة في العقيقة من غير تقدير مُعيّن للكميّة، وإلى هذا القول ذهب فقهاء كلٍّ من المالكية والظاهريّة؛ مستدلّين بقول الله سبحانه وتعالى: (..فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)،[١٥] ووجه الاستدلال عندهم أنّ الأمر بالأكل والإطعام مُطلَق غير محدّد بكمية معينة.
  • القول الثاني: يتمّ توزيع العقيقة وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛ فيؤكل ثلثٌ ويُهدى ثلث، ويُتصدّق بثلث، وإلى هذا القول ذهب فقهاء كلٍّ من الحنفيّة، والحنابلة، والمالكية في أحد الاقوال عندهم؛ مستدلّين بقول الله سبحانه وتعالى: (..فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)،[١٥] ووجه الاستدلال عندهم أنّ الآية الكريمة ذكرت ثلاثة أصناف مما يدل على أنها تُقسّم ثلاثة أقسام.
  • القول الثالث: يتمّ تقسيم العقيقة إلى قسمين؛ بحيث يؤكل النّصف، ويُتصدّق بالنّصف الآخر، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الشافعية في أحد الأقوال عندهم؛ مستدلّين بقول الله سبحانه وتعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)،[١٥] ووجه استدلالهم أنّ الله سبحانه وتعالى جعل الأضحية نصفين؛ نصفٌ للمضحّي ونصف للفقراء، والعقيقة تُشبه الأضحية.

الاشتراك في العقيقة

اختلف الفقهاء في هل يجوز أن يشترك سبعة أشخاص في ذبح جزور أو ذبح بقرة عقيقة عن سبعة أولاد، أو يشترك سبعة أشخاص في ذبح جزور أو بقرة -يريد بعضهم اللحم ويريد البعض الآخر العقيقة- على قولين: [١٠]

  • القول الأول: ذهب الشافعية، إلى جواز ذلك، ودليلهم على ذلك هو قياس العقيقة على الأضحية والهدي في جواز الاشتراك، فجاز الاشتراك في العقيقة لأكثر من مولود في عقيقة واحدة.
  • القول الثاني: ذهب الحنابلة إلى عدم جواز الاشتراك في العقيقة؛ فالبقرة أو الجزور تجزئ عن مولود واحد، ودليلهم على ما ذهبوا إليه عدم وجود نص أو دليل يدلّ على جواز الاشتراك في العقيقة
السابق
ما هو طواف الوداع
التالي
ما هي أحكام السهو