الرياضيات

ستيتة البغدادية أمة الواحد المحاملي

ملخص المقال

    ترجمة للعالمة ستيتة البغدادية أمة الواحد المحاملي الفقيهة الرياضية، وبيان علمها وفضلها في تاريخ الفقه وعلم الحساب والرياضيات

لا أحد يُنكر فضل العرب والمسلمين في مجال علم الرياضيات؛ فلقد سجَّل علماء الإسلام ابتكارات رياضيَّة مهمَّة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، والإنجازات التي قدَّمها العرب والمسلمون لهذا العلم كثيرة، أثارت إعجاب علماء الغرب ودهشتهم؛ حتى إنَّ المستشرق الفرنسي سيديو ذكر في كتابه (تاريخ العرب): “إنَّ للعرب عنايةً خاصَّةُ بالعلوم الرياضيَّة كلِّها؛ وأصبحوا أساتذةً لنا في هذا المضمار بالحقيقة”. ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ النساء المسلمات كانت لهنَّ إسهامات في هذا العلم، ومن هؤلاء النسوة عالمة الرياضيَّات سُتَيْتَةُ أَمَة الواحد الْمَحَامِلِيِّ البغدادية.

نسبها وأسرتها

هي العالمة، الفقيهة، المفتية، الرياضية، أَمَة الواحد بنت القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي البغدادية. اسمها ستيتة، وكنيتها أمة الواحد. لا يُعرف تاريخ ولادتها، ولكن يبدو أنَّها وُلِدت في بغداد في بدايات القرن (الرابع الهجري=العاشر الميلادي). وهي تُـنـسب إلى أسرة (المَحَامِلي)، وهي “أسرةٌ اشتهرت بتفوُّقها العلمي؛ تألَّقت وعلا شأنها، وذاع صيتها، وسجَّـل التاريخ أخبارهـا وسيرتها ومسيرتها في رحلة التعليم الطويلة؛ إذ أسهمت هذه الأسرة في بـثِّ الوعي الديني، ونشر العلم الشرعي وتبليغه”.

إقرأ أيضا:ابن البناء المراكشي – إمام الرياضيات

فجدُّ العالمة ستيتة هو إسماعـيل الضبي محدِّث بغداد، سمع قديمًا من بعض أصحاب مالك. وهي أمُّ القاضي أبي الحسين محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل المحاملي، وحفيدها القاضي أبو الحسن المحاملي صاحب كتاب (اللُّباب في الفقه الشافعي).

شيوخها وتلاميذها

تلقَّت أمة الواحد بنت المحاملي علوم عصرها على عددٍ كبيرٍ من علماء المسلمين الأفاضل، ومنهم والدها، وإسماعيل بن العباس الوراق، وعبد الغافر بن سلامة الحمصي، وأبا الحسن المصري، وحمزة الهاشمي الإمام، وغيرهم. وروى عنها الحسن بن محمد الخلال.

علمها

وعلى الرغم من ضآلة المعلومات عنها، فإنَّنا لا نكاد نقف على علمٍ من العلوم إلَّا ونجد لأمة الواحد سُتيتة نصيبًا فيه. ويُعدُّ الخطيب البغدادي أوَّل من ترجم لها ترجمةً واضحة، ومنه استقى من جاء بعده عن ستيتة، قال الخطيب في تاريخه: “اسمها سُتَيْتَة، وهي أم القاضي أبي الحسين مُحمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل المحاملي… وكانت فاضلة عالِمة من أحفظ الناس للفقه على مذهب الشافعي”، ويقول: “وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي، والفرائض وحسابها والدور، والنحو وغير ذلك من العلوم”. وعن تمكُّنها من الفقه وإفتائها قال: “حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، قال: سمعت أبا بكر البرقاني، يقول: كانت بنت المحاملي تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة”.

إقرأ أيضا:سنان باشا – رائد العمارة العثمانية

أمَّا الإمام الذهبي رحمه الله فعندما ترجم لأمة الواحد بنت المحاملي في كتابه سير أعلام النبلاء قال: “بنْت المحاملي، العالِمة، الفقِيهة، المفتيَة، أمة الواحد بنت الحسين بنِ إسماعيل، تفقَّهت بأبيها، وروت عنه، وعن إسماعِيل الورَّاق، وعبد الغافر الحمصِي، وحفظت القرآن، وَالفقه للشافعي، وأتقنت الفرائِض (علم المواريث)، ومسائل الدور، والعربية وغير ذلك”. وقال عنها في كتابه تاريخ الإسلام: “وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي، والفرائض، والدور، والعربية، وغير ذلك من العلوم الإسلامية”.

وقال ابن الجوزي في المنتظم: “وكانت فاضلة عالمة من أحفظ الناس للفقه على مذهب الشافعي”. أمَّا الزركلي المعاصر صاحب كتاب (الأعلام) فيقول عنها: ” فاضلة، عالمة بالفقه والفرائض، حاسبة، من أهل بغداد، كانت من أحفظ الناس للفقه على مذهب الشافعي، وكانت تفتي”.

صفاتها

ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه جملة من صفاتها، فذكر أنَّها “كانت فاضلة في نفسها، كثيرة الصدقة، مسارعة في الخيرات، حدَّثت وكُتب عنها الحديث”. وقال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة: “كانت فاضلة، من أعلم الناس وأحفظهم لفقه الشافعي، وتقرأ القراءات والفرائض والنحو وغير ذلك من العلوم مع الزهد والعبادة والصدقات”.

تميزها في علم الرياضيات

يذكر البروفيسور سليم الحسني، رئيس (مؤسَّسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة)، وصاحب فكرة معرض “ألف اخــتراع واختراع”: أنَّ الرياضيَّات في العصر العباسي كان لها خدمة اجتماعية، ويُعطي مثالًا على ذلك: “اعتاد الناس حين بناء منازلهم على إعطاء ما يُشبه المقاولة للعمَّال، فإذا تمَّ بناء نصف المنزل فقط، لسببٍ ما، يتوجَّه الناس بشكواهم إلى القاضي فيلجأ الى خبراء الحساب، مثل سُتيتة التي كان يتم الاستعانة بها باعتبارها شاهدًا علميًّا في محاكم بغداد؛ حيث كانت تستخدم الرياضيَّات في حلِّ المسائل المستعصية على القضاة”.

إقرأ أيضا:سنان باشا – رائد العمارة العثمانية

وبذلك تكون أمة الواحد ستيتة البغدادية -بالإضافة إلى تميُّزها في الفقه والحديث وعلوم العربية- قد سجَّلت، كما قال الدكتور خضير عباس المنشداوي، حضورًا علميًّا مهمًّا بخوضها في أحد الجوانب العلميَّة المهمَّة وهو علم الرياضيَّات وما يتعلَّق به؛ فقد تركت لنا مجموعةً من المسائل الرياضيَّة والحلول المبتكرة لها التي لا تخلو من أصالةٍ علميَّة.

وفاتها

تُوفيت العالمة الجليلة أمة الواحد ستيتة المحاملي في شهر رمضان سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (377هـ=987م)، رحمها الله تعالى رحمة واسعة.

____________

المصادر والمراجع:

– الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، تحقيق: بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ=2002م.

– ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ=1992م.

– الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت

الطبعة: الثانية، 1413هـ=1993م.

– الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناءوط، الناشر : مؤسسة الرسالة، الطبعة : الثالثة، 1405هـ=1985م.

– ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر، د.ت.

– الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر، مايو 2002م.

– منال المغربي: أَمَةُ الواحد الَمَحامِلي .. عالمة عصرها في الرياضيات، موقع أندلسيات.

السابق
ابن البناء المراكشي – إمام الرياضيات
التالي
حسن الطولوني – بين الهندسة والتاريخ