القرآن الكريم
القرآن الكريم كلامُ الله سبحانه وتعالى المُنزل على نبيّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المُتعبّد بتلاوته، الحاصل به الإعجاز، والّذي يَتميّز بعدد من الخصائص منها: أنّه لم ينزل دفعةً واحدةً على النبي صلى الله عليه وسلم، بل نزل مفرّقاً على طول فترة الرسالة، وفي ذلك حكمة عظيمة أشار إليها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وهي تيسير قراءته وتلاوته، وتيسير حفظه، وتدبره، ومن خصائصه أيضاً أنّ بعض سوره نَزلت ابتداءً من غير وجودِ سببٍ لنزولها، ومنها نزلت بعد واقعة أو حادثة، أو بيان لسُؤال أو استفسار، ومن السور التي نزلت بعد حادثٍ أو واقعة سورة الناس، فما هو سبب نزولها، وما هو فضلها، وما هي المواضيع التي تَناولتها.[١][٢]
تعريف عام بسُورة النَّاس
اختلف العُلماء في كون سورة الناس مكيّةً أم مدنية؛ حيث ذهب فريقٌ منهم إلى القول بأنها مدنية كسورة الفلق التي تسبقها من حيث ترتيب المصحف، وإلى هذا القول ذهب عبدال له بن عباس رضي الله عنه، بينما يرى فريقٌ آخر أنَّ سورة الناس مكيّةٌ لا مدنية، وقد قال بهذا من أهل العلم قتادة، أمّا عدد آياتها فستّ آيات، وهي آخر سورة في القرآن الكريم من حيث الترتيب، وآخر سورة من جزء عمَّ، سمّيت بذلك لافتتاحها بقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)،[٣] ولتكرار كلمة الناس في آياتها خمس مرات؛ وفي هذا التكرار مزيد من البيان والإظهار والتنويه بشرف الناس.[٤]
إقرأ أيضا:فضل سورة صسبب نزول سُورة النَّاس
ذكرت كتب التفسير في ثناياها سبب نزول سورة الناس؛ حيث بيّنت أنّه كان غلام من اليهود يقوم على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه اليهود وطلبوا منه شيئاً من مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدد من أسنان مشطه، فلم يتركوه حتى أعطاهم ما طلبوا منه؛ حيث سحروا النبيّ صلى الله عليه وسلم من خلال ما أخذوه من مشاطة وأسنان المشط، وكان الذي تولّى هذا الأمر منهم اليهودي لبيد بن الأعصم؛ حيث قام بدسّها في بئر للماء لبني زريق يقال لها ذروان.
مَرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وانتثر شعر رأسه، وبقي على هذا الأمر ستة أشهر يرى فيها أنه يأتي النساء وفي الحقيقة لا يأتيهن، وفي يوم أتاه ملكان وهو نائم؛ فقعد أحدهما عند رأسه عليه الصلاة والسلام وقعد الآخر عند رجليه، فقال الملك الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ فقال: طب (سحر)، قال: ومن سحره؟ قـال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم سحره؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في قشر الطلع (الجف) تحت حجر في أسفل البئر، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديثهم، ثم أرسل علي بن أبي طالب والزبير وعمار بن ياسر رَضي الله عنهم فأخرجوا الماء من تلك البئر وكأنّه نقاعة الحناء، ثمّ رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم، وأسنان من مشطه، وفيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله سُبحانه وتعالى المَعوذتين (الفلق والناس)، فجعل كلّما قرأ آية منهما انحلّت عقدة، وكان جبريل عليه السلام يقول: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين، الله يشفيك)، حتى انحلّت آخر عقدة.[٥]
إقرأ أيضا:عدد ركعات صلاة القيام في رمضانذَكر الإمام البخاري قصّة سحر النبي صلى الله عليه وسلم في صحيحه فيما رَوته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (سُحِرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إنه لَيُخَيَّلُ إليه أنه يَفعَلُ الشيءَ وما فعَله، حتى إذا كان ذاتَ يومٍ وهو عِندي، دَعا اللهَ ودَعاه، ثم قال: (أشعَرْتِ يا عائشةُ أن اللهَ قد أفتاني فيما استفتَيْتُه فيه)، قلتُ: وما ذاك يا رسولَ اللهِ ؟ قال: (جاءَني رجلانِ، فجلَس أحدُهما عِندَ رأسي، والآخَرُ عِندَ رِجلي، ثم قال أحدُهما لصاحبِه: ما وجَعُ الرجلِ؟ قال: مَطبوبٌ، قال: ومَن طَبَّه ؟ قال: لَبيدُ بنُ الأعصَمِ اليهودِيُّ من بني زُرَيقٍ، قال: في ماذا؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلعَةٍ ذكَرٍ، قال: فأين هو؟ قال: في بئرِ ذي أَروانَ )، قال: فذهَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أُناسٍ من أصحابِه إلى البئرِ، فنظَر إليها وعليها نخلٌ، ثم رجَع إلى عائشةَ فقال: (واللهِ لكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نخلَها رُؤوسُ الشياطينِ) ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ أفأخرَجتَه؟ قال: (لا، أما أنا فقد عافاني اللهُ وشَفاني، وخَشِيتُ أن أثَوِّرَ على الناسِ منه شَرًّا)، وأمَر بها فدُفِنَتْ). [٦]
إقرأ أيضا:ومزاجه من تسنيم