رمي السلفيين بالتشبيه والتجسيم فرية مكشوفة
ومرضى التأويل على مر الدهور قد دأبوا على رمي أهل الحديث والسنة بأنهم مشبهة أو مجسمة . وهم كما قيل في المثل “رمتني بدائها وانسلت” . ثم لا يألون في ذلك جهدهم بالكذب والافتراء والبهتان العظيم .
قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر المالكي رحمه الله :
أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة . وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ، ويزعمون أن من أقر بها مشبه ، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود . والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله .[1]
ومن هذه الافتراآت قول الرحّالة ابن بطوطة عن شيخ الإسلام ابن تيمية :
وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا . ونزل درجة من درج المنبر .[2]
إقرأ أيضا:القاعدة الرابعة : لا يوصف الله بالنفي المحضقلت : هذه فرية مكشوفة ، فإنه ذكر قبل هذا[3] أنه وصل إلى دمشق يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم ، عام 720هـ ، وابن تيمية سُجن قبل هذا التاريخ بحوالي سبع وأربعين يوما فإنه سجن في محنته الثالثة يوم 22 من رجب وبقي فيه إلى يوم عاشوراء سنة 721هـ[4] فكيف التقى به ؟ وعلى أي منبر سمعه يقول ذلك ؟!.
ثم إن هذا الذي نسبه إلى ابن تيمية من التشبيه هو الذي أفنى ابن تيمية عمره في إبطاله ، يعرف ذلك كل من له خبرة بكتبه . فانظر مثلا رسالته إلى أهل تدمر والفتوى الحموية والعقيدة الواسطية وغيرها من كتبه رحمه الله . استمع إلى قوله في أول كتابه العقيدة الواسطية :
ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه وبما وصفه رسوله محمد ^ من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل،[5] بل يؤمنون – يعني أهل السنة والجماعة – بأن الله ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [الشورى :11] فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ، لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى.[6]
إقرأ أيضا:إثبات فوقية الله على عبادهورمي السلفيين بالتجسيم شِنشِنة نعرفها من أخزم – كما يقولون – لأنها فرية قديمة لم تتوقف على شيخ الإسلام ابن تيمية فقد افتروا أيضا على شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري رحمه الله كما ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ[7] . وقد بلغ بالمبتدعة الغل والحقد إلى حد أن صنعوا صنما نحاسيا صغيرا وجعلوه تحت سجادته ، ثم شكوه إلى السلطان ألب أرسلان وزعموا أنه يعبد هذا الصنم ويقول إن الله على صورته ! ولما حقق الأمير علم أنهم كذبوا عليه وأنه لم يكن على علم بهذا الصنم . فانقلب شيخ الإسلام بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ، وباء المفترون بغضب من الله وإعراض من السلطان .
——————————
[1] التمهيد لابن عبد البر 7/145 .
[2] رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، بدون تاريخ ، ص68.
[3] ص 61.
[4] راجع البداية والنهاية للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل ابن كثير الدمشقي ، تحقيق مكتب تحقيق التراث ، دار إحياء التراث الإسلامي ومؤسسة التاريخ العربي ، بيروت ، لبنان ، 1413هـ/1993م ، (14/97) ، وكتاب “ابن تيمية : حياته وعصره – آراؤه وفقهه” للإمام محمد أبو زهره ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1991م ، ص71 ، وحياة شيخ الإسلام ابن تيمية لعلامة الشام محمد بهجة البيطار ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، 1391هـ ، ص 36-44 . وأوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية لمحمد بن إبراهيم الشيباني ، مكتبة ابن تيمية ، الكويت ، ط. الأولى ، 1409هـ/1989م ، ص58-59 . ورجال الفكر والدعوة في الإسلام لأبي الحسن علي الحسني الندوي ، دار القلم، الكويت ، ط. الرابعة ، 1407هـ/1987م ، الجزء الثاني الخاص بحياة ابن تيمية، ص90.
إقرأ أيضا:المنهج الذي تُفهم صفات الله في ضوئه _ الأساس الأول[5] التحريف هو تغيير اللفظ عن ظاهره ومدلوله أو صرف المعنى عن حقيقته ، والتعطيل إخلاء الله من أسمائه وصفاته أو من مدلولها ، والتكييف جعل كيفية محددة لصفات الله ، والتمثيل إثبات مماثلة الله للمخلوقين بشيء من صفاته . تعالى الله عن قول الظالمين علوا كبيرا .
[6] العقيدة الواسطية مع التعليقات الزكية لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين باعتناء أبي أنس علي بن حسين أبو لوز ، توزيع جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني ، الرياض ، السعودية ، 1421هـ ، ص81-92.
[7] تذكرة الحفاظ (3/358) .