دلائل النبوة هي ما أكرم الله ـ عز وجل ـ به نبينا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر البشر، مما يدل على صدقه ونبوته، قال ابن تيمية: ” والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم كثيرة متنوعة، وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء، ويسميها من يسميها من النظار ( معجزات )، وتسمى ( دلائل النبوة ) و( أعلام النبوة )، وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء، كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات، ولهذا لم يكن لفظ ( المعجزات) موجودا في الكتاب والسنة، وإنما فيه لفظ ( الآية ) و ( البينة ) و ( البرهان ) ” .
وقد نبه ابن حجر على الفرق بين الدلائل والمعجزات في شرحه لباب ” علامات النبوة في الإسلام ” من صحيح البخاري فقال: ” العلامات جمع علامة، وعبَّر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة، والفرق بينهما أن المعجزة أخص، لأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي من يكذبه بأن يقول: إن فعلتُ كذلك أتُصَّدِّق بأني صادق، أو يقول من يتحداه لا أصدقك حتى تفعل كذا، ويشترط أن يكون المُتَحدَّى به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة، وقد وقع النوعان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، في عدة مواطن، وسميت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها ” .
وبهذا يتبين أن دلائل النبوة أعم من المعجزات، والمعجزة أخص، لأنه لا يشترط في الدلائل التحدي .
ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من الدلائل والمعجزات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، وهي كثيرة جدا حتى قال البيهقي: ” إنها بلغت ألفا “، وقال ابن تيمية: ” وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة ، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات ” .
وقال ابن حجر: ” وذكر النووي في مقدمة شرح مسلم أنها تزيد على ألف ومائتين ” .
ودلائل النبوة تنقسم إلى معنوية وحِسِّية، فالمعنوية كأخلاقه العظيمة، وسيرته الشريفة، وأقواله وأفعاله وشريعته، إلى غير ذلك، قال ابن تيمية: ” وسيرة الرسول وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته “.
أما الدلائل الحِسِّية فهي كثيرة أيضا، وأعظمها القرآن الكريم، ومنها: انشقاق القمر، ونبع الماء بين أصابعه، وتكثير الطعام، وخطابه الشجر والحجر والحيوان، وحنين الجذع وشوقه إليه، ورميه بكف من حصى في وجوه الكفار، وإخباره عن الكثير من المغيبات، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها ووقعت كما أخبر بها ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وكتب دلائل النبوة ـ أو أعلام النبوة، وآيات النبوة، وأمارات النبوة ـ، هي تلك الكتب التي موضوعها الحديث عن المعجزات والدلائل التي تدل على صدق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهذه الدلائل قد أفردها كثير من العلماء بالتأليف، وهي بذلك تعتبر مصدرا هاما لدارس السيرة النبوية .
مصادر الدلائل النبوية :
لكل علم مصادره التي يستقي منها مادته، والسيرة النبوية بما فيها الدلائل والمعجزات لها مصادرها في الأخذ منها والاعتماد عليها، وتتفاوت بحسب قيمتها وصحتها، ويأتي في مقدمتها القرآن الكريم، فهو أوثق هذه المصادر وأصحها .
ثم تأتي كتب الحديث التي اشتملت على عدد وافر من دلائل النبوة، ففي كتاب المناقب من صحيح البخاري باب ” علامات النبوة في الإسلام “، وفي كتاب الفضائل من صحيح مسلم باب فضل ” نسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ”، ” وتسليم الحجر عليه قبل البعثة ” .
كما تضمنت كتب تراجم الصحابة عددا وافرا من دلائل النبوة، كما هو الحال عند ابن سعد في ” الطبقات الكبرى “، والبغوي في ” معجم الصحابة “، وابن عبد البر في ” الاستيعاب “، وابن الأثير في ” أُسْد الغابة “، وابن حجر في ” الإصابة في تمييز الصحابة “.
ثم كتب السيرة النبوية، خاصة تلك التي أفردها أصحابها للتأليف في دلائل النبوة، والتي اشتملت على جملة وافرة من هذه الدلائل، كما هو الحال عند ابن حزم الظاهري حيث أفرد في كتابه ” جوامع السيرة ” فصلا خاصا لأعلام النبوة، وكذا القاضي عياض في كتابه ” الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” .
وبالنظر في مؤلفات هذا الصنف من العلم ـ دلائل النبوة ـ يتبين أنه لا يوجد قرن في التاريخ الإسلامي لم يؤلَف ويُكْتَبْ فيه عن الدلائل النبوية، وفي هذا دليل على مدى العناية الكبرى التي أولاها العلماء للسيرة النبوية عامة، ولهذا الجانب خاصة .
ويجب التنبيه على أن الكتب التي اختصت بدلائل النبوة شأنها شأن الكتب الأخرى قد اشتملت على الصحيح والضعيف والموضوع، فكان لزاماً على من أراد الاستفادة منها أن يكون على علم بذلك، فلا يعتمد إلا الصحيح منه، لأن الضعيف والموضوع فيه كذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد قال ابن تيمية: ” الاستدلال بما لا تُعْلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم، وهو حرام بالكتاب والسنة ” .
وفي المقابل على المسلمين أن لا يتنصلوا من ذكر الدلائل والمعجزات التي أكرم الله بها نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما دامت ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فلا يمكن لِمُنصف تجاهلها وقد شهدها الصحابة بأعينهم، ورووها لمن بعدهم، والتي كان لها الأثر البالغ في نفوسهم ونفوسنا، مِنْ معرفة عِظم وعلو قدر ومنزلة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مما يزيد من إيماننا به، وحبنا وطاعتنا له ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .