الموت
الموت سنّة الله -تعالى- في كونه التي تَرِد على جميع الخَلْق بلا استثناء، وفَقَدَ الأحياء في مرحلةٍ من مراحل حياتهم حبيباً أو عزيزاً أو قريباً بالموت، كما أنّ من مات له قريب أو عزيز فإنّه يذكره في دعائه أو في أعماله الصالحة، وقد جاءت النّصوص النبويّة تُشير إلى بعض الأدعية للميّت، والأدعية مشروعة ما دامت لا تحتوي على أيّة مخالفات شرعيّة، كما ورد الخلاف بين العلماء في وصول ثواب الدّعاء والعمل الصالح للميّت أم لا، وفي هذه المقالة سيُشار إلى بعض الأدعية التي تعدّ خاصّة بالميّت، فما هي تلك الأدعية، ومتى يجوز الدّعاء بها، وهل ثواب الأعمال الصالحة يصل إلى الميّت؟
الدعاء للميّت
وردت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الكثير من الأدعية التي يُشرع الدّعاء بها للأموات عند موتهم، أو بعد وفاتهم بمدّة من الزمن، وتلك الأدعية منها ما هو الصحيح والحَسَن والضعيف، ومع أنّ الدّعاء مهما كانت درجة صحة ثبوت نقله عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فلا حرج في نقله والدُّعاء به ما لم يخالف العقيدة الإسلاميّة أو يَرِد فيه ما نُهي عنه، إلّا أنَّ التركيز في هذه المقالة سيكون حول ما ثبت نقله عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الأدعية للميّت، وبيان ذلك فيما يأتي:
إقرأ أيضا:دعاء الندبة- الدّعاء للميّت بالعفو والمغفرة، ومن ذلك قول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجَاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ).
- الدّعاء للميّت ولغيره من الأحياء، بطلب المغفرة والثّبات على الإسلام للجميع من الأحياء والأموات بقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ).[٤]
- الدّعاء للميّت بأن يُنجيه الله -تعالى- من عذاب القبر، ومن أهواله وفتنته بقول: (اللَّهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).
- الدّعاء للميّت بأن يغفر الله -تعالى- له خطاياه، ويزيد في حسناته بقول: (اللَّهُمَّ عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ احْتَاجَ إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، إِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ).
حُكْم الدّعاء للميّت
يتساءل الكثير من النّاس عن حُكْم الدّعاء للميّت خاصّةً إن كان ذلك خلال أداء الصّلوات النّافلة أو المفروضة، والمسألة لم يخفَ بيانها عن فقهاء المسلمين، بل إنّهم ذكروا حكمها تفصيلاً وفي عدّة مواضع من أبواب الفقه، وفيما يأتي بيان الحكم الشّرعيّ للدّعاء للميّت أثناء أداء الصلاة وخارجها:
إقرأ أيضا:دعاء سيدنا موسى- الدّعاء للميّت في الصّلاة: إنّ الدّعاء للميّت في الصّلاة جائز ولا بأس به، ولا يختلف ذلك إن كان الدّعاء للميّت أثناء القيام، أو في حال الرّكوع، أو في السّجود، أو في الجلوس بين السجدتين، فيقول: (اللهمّ اغفر لأخي فلان)، ويجوز له أن يصلّي على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
- الدّعاء للميّت خارج الصّلاة: يجوز الدّعاء للميّت بالأدعية المأثورة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما يجوز الاجتهاد في الدُّعاء للميّت بالدّعاء له بالأدعية المقبولة شرعاً.
الأعمال التي يصل ثوابها للميّت
ينتفع الميّت بلا شكَّ ببعض الأعمال التي يقوم بها الأحياء ثمّ يهبون أجرها للأموات، وذلك في العديد من الأعمال والأقوال والتقريرات، وقد اتّفق الفقهاء على بعض تلك الأعمال واختلفوا في بعضها الآخر، وفيما يأتي بيان بعض الأعمال التي ينتفع بها الميّت بعد موته إذا فعلها الأحياء عنهم:
- الدّعاء للميّت: فالميّت بلا شكّ ينتفع بدعاء أهله وأصدقائه وغيرهم له، فقد نقل الإمام النوويّ -رحمه الله- إجماع العلماء على ذلك، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، كما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الكثير من الأحاديث والنّصوص الصّحيحة التي تُثبت جواز الدّعاء للميت خلال صلاة الجنازة، وبعد أن يتم دفنه وعند زيارة قبره وغير ذلك، ومن تلك النّصوص ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلّا من ثلاثةٍ: إلّا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).
- الصّدقة: اتّفق العلماء على أنّ أجر الصّدقة يَصل إلى الميّت إن وهب الحيّ أجرها للميّت، وجاء في ذلك عدّة أحاديث صحيحة، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (أنَّ رجلاً أتى النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ أمّي افتُلِتَتْ نفسُها ولم تُوصِ وأظنّها لو تكلّمتْ تصدقتْ، أفلها أجرٌ إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم).
- قضاء صيام النّذر عن الميّت: رجّح معظم العلماء جواز صيام النّذر عن الميّت إن لم يدركه بسبب سبوق الأجل عليه، أمّا قضاء صيام الفريضة فلا يُقضى عن الميّت، ودليل قبول صيام النّذر عن الميّت ما ورد في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنَّ امرأةً قالت: يا رسولَ اللهِ إنَّهُ كان على أمّها صومُ شهرٍ فماتت أفأصومُهُ عنها؟ قال: لو كان على أُمِّكِ دَيْنٌ أكنتِ قاضيتَهُ قالت: نعم، قال: فدَيْنُ اللهِ -عزَّ وجلَّ- أحقُّ أن يُقْضَى).
- العُمرة والحجّ: فالميّت ينتفع بأداء الحجّ أو العُمرة عنه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك الحجّ هو حجّ فرض أو حجُّ نافلة، والعُمرة أيضاً تؤدى عن الميّت ولو كان الميّت قد اعتمر في حياته، ودليل قبول الحجّ عن الميّت ما رُوي في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، حيث قال: (أنَّ امرأةً جاءتْ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقالتْ: إنَّ أُمي نذرتْ أنْ تحجَّ، فماتتْ قبلَ أنْ تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: نعمْ، حُجِّي عنها، أرأيتَ لو كانَ على أمِّكِ دَينٌ أكنتِ قاضيتِهِ، قالتْ: نعمْ، فقالَ: فاقْضوا اللهَ الذي لهُ، فإنَّ اللهَ أحقُّ بالوفاءِ)