أحكام شرعية

حكم لبس الدبلة

الدبلة في الإسلام من المتعارف عليه في الزمن الحاضر عند إجراء عقد الزواج أو الخطوبة أن يرتدي الخاطب والمخطوبة ما يُسمّى بالمحبس أو الدبلة، وقد يتبادلان ذلك أمام الحضور، وذلك لإظهار وإثبات أنهما مخطوبان أو متزوّجان، وبما أن على المسلم أن يتقيّد في حياته اليوميّة وحركاته العمليّة بكل ما جاء في السنة وما ورد فيها من أحكام، ويلتزم بها، فكان لزاماً على من يرتدي مثل تلك الدبل أو المحابس أن يعي ويدرك رأي الشريعة فيها، فهل في لبسها مخالفةٌ شرعيّة؟ أم هي جائزةٌ لا شيء فيها؟ ذلك ما ستبحثه هذه المقالة بعد توفيق الله. حكم لبس الدبلة اختلف العلماء والفقهاء في حكم لبس الدبلة وقت الخطوبة أو غيرها؛ فيرى فريقٌ من العلماء أن لبس الخاتم أو الدبلة جائزٌ لا بأس فيه، ويرى فريقٌ آخر أنها محرمةٌ غير جائزة، وفيما يلي بيان ما ذهبوا إليه: يرى أصحاب المذاهب الفقهيّة المعتبَرة أنّ لبس الخاتم أو الدبلة حين الخطوبة جائزٌ مباحٌ لا شيء فيه للرجال، إن كان ذلك الخاتم أو الدبلة مصنوعاً من الفِضَّة أو الحديد، إذ إنَّ الرَّسولَ -عليه الصلاةُ والسَّلام- قَد ارتَدى خَاتَماً، وكان هذا الخاتَمُ من الوَرِقْ (الفِضَّة)، كما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَلْقِ ذَا، فَأَلْقَاهُ، فَتَخَتَّمَ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: ذَا شَرٌّ مِنْهُ، فَتَخَتَّمَ بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَسَكَتَ عَنْهُ).[١] ويرون أن ذلك يُصبح مُحَرَّمَاً للرِّجال فقط إن كان الخاتم أو الدبلة مصنوعاً من الذَّهب، أما حكمه للنِّساء فمباحٌ في كلتا الحالتين، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، وبما أنّ لبس الدبلة لم يرد فيه نصٌ شرعيّ فيكون جائزاً ما لم يدخل فيه داخلٌ يحرّمه، كما إذا كانت الدبلة مصنوعةً من الذهب فيصبح لبسها محرَّماً على الرجال؛ لورود نصٍ يُحرِّم على الرجال التحلّي بالذهب،[٢] ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى تَحْريمِ لبس الدبلة إن كان القَصْدُ من ذلك اعتقاد لابسها بأنها سببٌ في ديمومة العلاقة الزَوْجِيَّة بين الزّوجين، كما قالوا إنَّ الذي يجري في الخطوبة من تَبادُلَ الدبْلَ بين الخاطب ومخطوبته إنما هو تَقْليدٌ دَخيلٌ على المُسْلِمين، وفِعلُه منهيٌ عنه لكونه من باب التشبّه بالكُفّار، وسواء عندهم أن تكون دبلَة الخاطِبِ من الذَّهَبِ أو الفِضَّة فكلاهما عندهم محرّم.[٣] حكم التحلِّي بالفضة للرجال مع أن فقهاء المذاهب الأربعة قد اتفقوا على جواز لبس الرجل للخاتم أو الدبلة، إلا أن هنالك أموراً أخرى يدخل فيها استعمال الفضة للرجال فهل اختلف الفقهاء في حُكمِ التَحلّي بالفِضّةِ للرّجالِ في ما سوى الخاتم والدبلة؟ وبيان أقوال الفقهاء في التحلي والتزين للرجال بالفضة في غير الدبلة فيما يلي:[٤] اتفق الفقهاء بالإجماع على أن تَحْلِيَة السَّيْف وآلاتِ الحَرْبِ للرِّجال جائز لا بأس فيه، وذلك كأن يُطلى السيف بها، أو تُستخدم الفضة في تجميل وتزيين الترس والدرك وما شابهه، فكل ذلك جائزٌ عند الفقهاء بالاتفاق لعدم مناقضته لطبيعة الرجل. اتفق الفقهاء على تحريم استعمال الفضة للرجال بِتَزْيِيِنِ البَدّنِ كَالخَلاخِل والأَساوِر، وأي شيءٍ تَخْتَصُّ به النِّساءُ عن الرجال، فاسْتِعْمالُ الفضة بشيءٍ من ذلك محرَّمٌ على الرّجال بالاتِّفاق، باستثناء الخَاتَم، الذي أباحه الفقهاء كما مر بيانه سابقاً.[٤] ودَليلُهم أنَّ رَسولَ الله -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- قد نَهى عن تشبُّه الرِّجال بالنِّساء، أو تشبُّه النِّساء بالرِّجال، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَولُهُ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)،[٥] واستعمال الفِضَّة للرجال ولبسها على شَكْلِ أساوِر أو سَلاسِل فيه تَشَبُّهٌ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساء ظاهرٌ وهو مخالفٌ للنصوص الشرعيّة، حتى إن كانَ من دُونِ قَصْدٍ أو نيَّة. يرى فريقٌ من العلماء المعاصرين أن التَحلِّي بالفضّة للرِّجال جائزٌ مُطلقاً، مهما كان شكل ذلك التحلّي، ومن أبرز من قال بذلك الشيخ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ، ومن الفقهاء القدامى ابن حَزمٍ الظَّاهِريُّ، وحجتهم أنه لَمْ يَثْبُتْ فِي تحريم التحلي بالْفِضَّةِ شيءٌ من النصوص، يقولُ ابنُ حّزْم في ذلك: (وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ: حَلَالٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا نَخُصُّ شَيْئًا إلَّا آنِيَةُ الْفِضَّةِ فَقَطْ، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)،[٦] فَلَمْ يُفَصِّلْ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ حَلَالٌ).[٧] وزن خاتم الفضة الجائز تحلّي الرجل به اختلف العلماء في مِقْدارِ وَزْنِ الخَاتَمِ أو الدبلة التي يَجْوزُ للرجل أن يَلْبَسَها، فيرى فريقٌ أن زنة الخاتم للرجل لا يجب أن تتعدى مِثْقالاً، وبَعْضُهُم قال: بل لا ينبغي أن يَصِلُ إلى مِثْقال، وبَعضُهم يرى أنه يجوز أن يَتَجاوَزَ وزْنُ الخاتم دِرْهَمَيْن شَرْعِيَّيْن،[٨] ويُساوي وزن المثقال تقريباً: أَرْبَعَة غراماتٍ ونِصف في الوزن المعروف حاليّاً، بَينَما يبلغ وزن الدِّرْهَمُ الشَّرْعيُّ ما يُقارِب ثَلاثَة غراماتٍ وعُشْرِ الغْرام تقريباً،[٩] وقد رَوى التِرْمِذيُّ وغَيْرُه أنَّ النَّبِيُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلام- قال لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَماً من حَديد: (ما لي أرى عليك حليةَ أَهلِ جهنَّمَ قالَ: مِن أيِّ شيءٍ أتَّخذُهُ؟ قالَ من وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مثقالًا).[١٠] المراجع ↑ رواه أحمد بن حنبل، في مسند أحمد، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1/282، حسن لغيره. ↑ سليمان بن محمد البجيرمي (1950)، حاشية البجيرمي على شرح المنهاج، بيروت: مطبعة الحلبي، صفحة 32، جزء 2. بتصرّف. ↑ كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة، القاهرة – مصر: المكتبة الوقفية، صفحة 124، جزء 3. ^ أ ب عبد الملك بن عبدالله الجويني (2007)، نهاية المطلب في دراية المذهب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار المنهاج، صفحة 282، جزء 3. بتصرّف. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7/159، رقم الحديث (5885). ↑ سورة الأنعام، آية: 119. ↑ ابن حزم الظاهري، المحلى، بيروت: دار الفكر، صفحة 246، جزء 9. ↑ “لبس الفضة للرجال وهل للخاتم وزن محدد”، إسلام ويب، 17-12-2006، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017. ↑ مجموعة من العلماء (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت: دار السلاسل، صفحة 264، جزء 23. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن بريدة بن للحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 1785، حديث غريب.

إقرأ أيضا:حكم لبس الباروكة

 

السابق
حكم كشف الوجه
التالي
حكم تركيب الأظافر