الزواج في الإسلام الزواج من أرفع وأطهر العلاقات البشريّة وأنقاها، وهو من أكثرها تناغماً وانسجاماً، وممّا يدلّ على طهارة ونقاء تلك العلاقة أنّ الله سبحانه وتعالى قد وصفها في كتابه العزيز بأنّها مودّة ورحمة، فالمودة في عطاء الزوجين لبعضهما، لذلك فإنّ الحياة الزوجية يجب أن تقوم على تقوى الله ومودة الزوجين لبعضهما، ولا يجوز لأحدهما أن يتجاوز الحدود التي وضعها له الشرع، أو يخالف أحكام الإسلام. إنّ من أبرز ما يسبّب الخلافات بين الزوجين وربما يؤدي للطلاق تهاون الأزواج في ضرب زوجاتهم بحجة ورود نصوص شرعيّة بإباحة ذلك، فهل وردت حقاً نصوص شرعيّة تُبيح الضرب، وما هو حكم ضرب الرجل لزوجته؟ حكم ضرب الزوج لزوجته لا يجوز لأيّ أحد أن يضرب شخصاً آخر دون وجه حق، سواء كان ذلك الشخص رجلاً أو امرأة، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)،[١] ومن باب أولى كان ذلك المنع أشد درجةً في ضرب الزوج لزوجته، فلا يجوز لرجلٍ أن يضرب زوجته مهما كان الدافع، ومهما كانت الغاية من ذلك، إلا في أحوال خاصة، ووفق شروط وضوابط خاصة. عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: ( … اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …)،[٢] وبيان شروط ضرب الزوج المباح لزوجته فيما يلي:[٣] أن يتدرج بأساليب الوعظ الواردة في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)،[٤] فيبدأ أولاً بالوعظ والنصح لها، فإن لم تطعه ينتقل إلى الهجر في المضجع فيترك فراشها ليلة أو ليلتين أو أكثر إن اقتضى الحال ذلك، فإن لم تنفع معها تلك الوسائل انتقل إلى الضرب غير المبرح، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ لكل امرأة طبيعتها التي تقتضي المعاملة بطريقة من الطرق الثلاثة سابقة الذكر، فبعض النساء تردعها الكلمة أكثر من غيرها من الوسائل، ومنهن من يردعها الهجر في المضجع دون غيره، ومنهن من لا ترتدع إلا بالضرب، فإن رأى الزوج بعد استنفاد الوسائل الثلاثة السابقة أن الزوجة لا ترتدع إلا بالضرب انتقل إليه وفق شروطه الشرعية. أن يضربها ضرباً غير مبرّح، وغير مدمٍ، فلا يخدش لحماً ولا يكسر عضماً، فإن الخالق عندما أباح الضرب أباحه بقصد التأديب، ويمكن الوصول إلى هذه الغاية بأدنى ما يقال عنه ضرب، حتى إنّ بعض العلماء أشار إلى أن يكون الضرب بعصا السواك، والمقصود في ذلك رمزيّة الفعل، كأنه يشير إلى أن تلك التي لم تطع زوجها حتى استحقت الضرب، ولو كان ذلك الضرب غير مؤثر حقيقةً إلا أنه سيؤثر في نفسيتها ويردعها عن أفعالها، ويجعلها تعود لطبيعتها وتطيع زوجها، خصوصاً إذا رأت منه الرأفة في معاملتها واللين في مخاطبتها. أن تكون الغاية من الضرب التأديب لا التعذيب، أما إذا استغلّ الزوج النص الوارد في جواز ضربه لزوجته لينتقم منها ويسيء معاملتها، فيكون قد أساء فهم النص، وعصى الله ورسوله بعد إحسان معاشرة زوجته التي استأمنه الله عليها. ألا يمس المواضع التي تؤثر في نفسيّة المضروب، فلا يقترب من الوجه والأماكن المَخُوفة، لأنّ المقصود من الضرب التّأديب لا الإتلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( … وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ … )،[٢] ويمكن الوصول مما سبق بيانه إلى أن حكم ضرب الرجل لزوجته أنه غير جائز في أصله، بل يجوز إذا دعت الحاجة لذلك، ويكون الجواز مقيّداً بتطبيق الزوج لأساليب وعظ الزوجة بالنصح والإرشاد، ثم الهجر في المضجع، ثم الانتقال إلى الضرب غير المبرح، ومع جواز الضرب غير المبرح في هذه الحالة إلا أنه لا يجوز للرجل أن يتعسّف في استعمال هذا الحق فيضر بزوجته، ويؤذيها بضربه لها، بل لا يجوز له أن يهشم لحماً أو يكسر عظماً، وإن فعل فقد استحق الإثم والعذاب من الله على فعله. كيفيّة معاملة الزوج لزوجته من المعلوم أن لكلٍّ من الزّوجين حقوقاً على الآخر، وأن لكليهما واجبات تجاه شريكه، فيجب على كل واحدٍ منهما أن يؤدّي واجباته كما يأخذ حقوقه، ممّا يؤدي بهما لأن يعيشا حياة هانئة تعوّضهما عن الاحتياج إلى بيان حكم الضرب، أو استعماله في حالٍ من الأحوال، فتستقرّ حياتهما وتحتويها الرحمة والمودة، أما حقوق وواجبات كل منهما فهي كما يلي: واجبات الزوج تجاه زوجته جعل العلماء للزوجة على زوجها مجموعة من الحقوق هي:[٥] المهران المعجّل والمؤجّل: فإذا تم إجراء عقد الزّواج استحقّ للزوجة على زوجها المهران المعجّل والمُؤجّل، لقوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).[٦] حقّ الزّوجة في النّفقة: وتشمل النفقة المطعم، والمأكل، والملبس، والمشرب، والمسكن، والتّطبيب؛ وعلى الزوج أن يؤمن للزوجة النّفقة بكل تفاصيلها لاحتباسها عنده. قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)،[٧] ولقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).[٨] المُعاشرة بالحُسنى: والمعاشرة بالمعروف من أولى حقوق الزوجة التي يجب أن يهبها الزوج لزوجته، فيحفظ كرامتها، ويسدّ حاجتها، ويوفر لها الأمن والاستقرار، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً).[٩] أن يعفّها من الوقوع في الحرام: ويكون ذلك بتحقيق المَقصود من عقد النّكاح، ويشمل جميع ما يضمن بعدها عن الوقوع في الحرام ويكون من مقتضيات عقد النّكاح، ومن ذلك أن يعفها بالجماع فلا يهجرها فترة يجعلها تبحث عن حاجتها في غير رضى الله. المراجع ↑ سورة الأحزاب، آية: 58. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1218. ↑ محمد صالح المنجد، “ضرب الزوجة أحكامه وأنواعه وآثاره”، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 24-2-2017. بتصرّف. ↑ سورة النساء، آية: 34. ↑ مجموعة من المؤلفين (1424هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 304-305. بتصرّف. ↑ سورة النساء، آية: 4. ↑ سورة البقرة، آية: 233. ↑ سورة النساء، آية: 34. ↑ سورة النساء، آية: 19.
إقرأ أيضا:هل تقبل توبة الزاني