حاجة العبد لربه حاجة الناس لله -عزّ وجلّ- حاجة شديدة وملحّة ولا حدّ لها ولا إمكانيّة لوصفها، فهم مفتقرون إليه في حياتهم وهدايتهم وحفظهم وتدبير أمورهم وصرف ما يضرّهم عنهم وغير ذلك، ولا قيمة لهم دونه، وأول ما يُفتقر العبد إليه دون الله -عزّ وجلّ- الخلق والإيجاد، فلولا الله -تعالى- ومشيئته وقدرته لم يُخلق الإنسان ولم يكن له أثر أو وجود، فالكون موجود قبل الإنسان وقائم دونه، والله -تعالى- مستغنٍ عن الإنسان وليس له به حاجة، إلّا أنّه امتنّ عليه وتفضّل بخلقه في الكون، وجعله أيضاً أكرم من المخلوقات الأخرى جميعاً، ومن افتقار الإنسان لله -تعالى- بعد الافتقار للإيجاد أيضاً، الافتقار للبقاء والحفاظ على البشريّة، فالله قادر على أن يهلك الناس جميعاً أو أن يبدّل كلّ مَن في الأرض بغيرهم، أو أن يلغي وجود الجنس البشري كاملاً ويستبدل به خلقاً آخر إن أراد، وفي ذلك قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ).[١][٢] وفيما يتعلّق بهداية الإنسان وتعليمه الطريق القويم والصراط المستقيم فهو مفتقر لله -تعالى- أيضاً في ذلك، فالإنسان لا يملك تحصيل الهداية إلّا بإذن الله -تعالى- ومشيئته، فلولاه لم يصل الإسلام إلى الناس، ولم يهتدِ المسلمون لدين الإسلام، ولولاه لَما قام أحد بالطاعات والعبادات، ولَما اجتنب مسلم الكبائر والذنوب والمعاصي، حيث قال الله تعالى: (قلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)،[٣] وحال الناس في الرزق كذلك أيضاً، فالرازق الذي لا رازق سواه هو الله تعالى، حيث إنّه يرزق الناس جميعاً ويعيلهم كلّهم، وليس لأحد منهم قدرة على رزق نفسه بنفسه فضلاً عن أن يرزق غيره من الناس، فالله -تعالى- يسوق الرزق لكلّ إنسان بقدرته وعظيم فضله، قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)،[٤] ويشمل رزق الله لعباده المأكل والمشرب والملبس والصحّة وسائر حاجات الإنسان.[٢] وافتقار الإنسان لله -عزّ وجلّ- وحاجته له تشمل تفاصيل حياته كلّها، فهو محتاج له في صلاح قلبه، وفي حفظ نفسه وأولاده وأهله، وفي هداية من يحبّ، وفي استقامة أولاده وزوجه، وفي إصلاح بيته وتحقيق أسباب راحته وسعادته، وفي دفع ما يضرّه وما يضرّ مَن حوله من أمراض أو أحداث أو مفاسد أخرى، وفي كسب ماله ومباركته فيه، وفي ديمومة النِعم عليه.[٢] حكم صلاة الحاجة ورد في السنّة النبويّة من حديث الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ما يُرشد به إلى أنّ مَن كان عنده حاجة يريد من الله -تعالى- أن يقضيها له فليصلّي ركعتين يختمهما بدعاء مخصوص ثمّ يدعو بما شاء من أمور الدنيا، وأطلق عليها العلماء صلاة الحاجة، إلّا أنّ العلماء اختلفوا في حُكمها ومشروعيتها، فذهب بعضهم إلى عدم مشروعيّتها، وسبب ذلك ما ورد في الحديث الذي استدلّوا به عليها؛ لأنّ في رواته فائد بن عبد الرحمن الكوفي وهو راوٍ متروك، إلّا أن بعض العلماء أجازوا العمل بالحديث وقالوا بمشروعيّة صلاة الحاجة استناداً لأمرين؛ هما: الأول منهما أنّ للحديث شواهداً وطرقاً أخرى يتقوّى بها، كما أنّ فائد عند الفريق الثاني من العلماء ممّن يُكتب حديثهم، والأمر الثاني أنّ الحديث يعدّ من الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال التي يُعمل بها وإن كانت ضعيفة ما لم تُعارض بأصحّ منها، على أن يكون الحديث مندرجاً تحت أصل ثابت.[٥] كيفيّة صلاة الحاجة اتفق الفقهاء الذين قالوا بمشروعيّة صلاة الحاجة على أنّها مستحبّة، لكنّهم اختلفوا في عدد ركعاتها، كما تعدّدت لديهم صيغ الدعاء الوارد فيها، وفيما يأتي بيان ذلك:[٦] ذهب المالكيّة والحنابلة والشافعيّة بالمشهور عندهم والحنفية في قول لهم على أنّ صلاة الحاجة ركعتان، وقالوا أنّ صيغة الدعاء فيها يكون بصيغتين؛ حيث وردتا في أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، والدعاء هو: (اللهمّ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم، لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه ربّ السّموات السّبع، وربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين، اللهمّ كاشف الغمّ، مفرّج الهمّ، مُجيب دعوة المضطرّين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك). ذهب المذهب الحنفي إلى أنّ صلاة الحاجة أربع ركعات؛ وقالوا بأن يقرأ المصلّي في الركعة الأولى سورة الفاتحة مرّةً وآية الكرسي ثلاث مرّات، وفي الثلاث ركعات الباقيات يقرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين كلاً منهن مرّة في كلّ ركعة. ذهب الغزاليّ والحنفيّة في قول لهم أنّ صلاة الحاجة اثنتا عشر ركعةً؛ يقرأ في كلّ ركعة منهنّ سورة الفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص، فإذا أنهى الصلاة سجد لله تعالى ودعا قائلاً: (سبحان الذي لبس العزّ وقال به، سبحان الذي تعطّف بالمجد وتكرّم به، سبحان الذي أحصى كلّ شيء بعلمه، سبحان الذي لا ينبغي التّسبيح إلّا له، سبحان ذي المنّ والفضل، سبحان ذي العزّ والكرم، سبحان ذي الطّول، أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، ومنتهى الرّحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدّك الأعلى، وكلماتك التامات العامّات التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر أن تصلّي على محمّد وعلى آل محمّد). المراجع ↑ سورة الأنعام، آية: 133. ^ أ ب ت د. إبراهيم بن محمد الحقيل (2006-12-10)، “افتقارنا إلى الله تعالى”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف. ↑ سورة الحجرات ، آية: 17. ↑ سورة هود، آية: 6. ↑ ” صلاة الحاجة ركعتان غير الفريضة مع الدعاء”، www.fatwa.islamweb.net، 2001-8-15، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف. ↑ “صلاة الحاجة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-9. بتصرّف.
إقرأ أيضا:لماذا حرّم لحم الخنزير