الرّخص الشرعيّة إنّ من خصائص الإسلام الظاهرة والعظيمة خاصيّة اليُسر والسهولة، حتى إنّ من القواعد الكبرى في الفقه الإسلامي قاعدة: المشقّة تجلب التيسيير، والتي تندرج جميع الرّخص الشرعيّة تحتها، فمن تيسيير الله -تعالى- في الإسلام على عباده أن رخّص لهم ويسّر عليهم في بعض الأحكام الشرعيّة التي يجد فيها المكلّف مشقّة وصعوبة في بعض الأحوال، فتأتي مخفّفة عنه المشقّة، تعرف الرّخصة الشرعيّة في الاصطلاح بأنّها التغيّر الحاصل في الحكم الشرعيّ بسبب عذر نحو السهولة والتيسيير مع وجود سبب الحكم الأصلي، وهذه الأعذار والأسباب الدافعة لحصول الرّخص كثيرة، ذكر منها الأصوليين في مصنفاتهم وكتبهم المرض والسفر والإكراه والجهل وعموم البلوى والنسيان والمشقّة والخطأ وغير ذلك.[١] ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الكثير من الأدلّة على مشروعيّة الرّخص في الإسلام، منها قول الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)،[٢] وكذلك قوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)،[٣] وممّا ورد في السّنة النبويّة قول الرّسول عليه الصلاة والسلام: (ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بينَ أمرينِ إلّا أخَذَ أيسَرَهما ما لم يكن إثماً)،[٤] وتقسّم الرّخص الشرعيّة عدّة تقسيمات كلّ منها باعتبار شيء فيها، ومن هذه التقسيمات: رخصة الفعل؛ كقول كلمة الكفر عند الإكراه، ورخصة ترك؛ كالإفطار في رمضان للمريض أو المسافر، وتقسّم أيضاً بالنظر إلى حكمها إلى رخصة واجبة؛ كالأكل من الميتة للمضطر، ورخصة مستحبّة؛ كقصر الصلاة بالنسبة للمسافر، ورخصة مباحة؛ كالجمع بين الصلوات وبيع العرايا، كما تقسّم أيضاً باعتبار عمومها وخصوصها واطّرادها وتأقيتها إلى رخصة عامّة مطّردة؛ كبيع السّلَم، ورخصة خاصة مؤقتة؛ كالاضطرار لأكل الميتة، ورخصة عامّة مؤقتة.[١] حكم جمع الصلاة يُقصد بالجمع بين الصلوات أن يصلّي المسلم صلاتي الظهر والعصر في وقت واحد، أو أنّ يصلّي المغرب والعشاء في وقت واحد، فإن صلّاهما في وقت الأولى منهما كان جمعَ تقديم، وإن صلّاهما في وقت الثّانية منهما كان جمع تأخير،[٥] وأجمع العلماء على جواز الجمع بين الصلوات للحاجّ في عرفة ومزدلفة، واختلفوا فيه في غير هاتين الحالتين، وجمهور العلماء على جواز ذلك إذا حصلت أعذاره وأسبابه، وذلك لثبوت جمع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للصلاة في غير عرفة ومزدلفة، وأعذار الجمع تشمل العديد من الأمور بيانها فيما يأتي:[٦] يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم للحاجّ في عرفة، ويجوز له كذلك الجمع بين المغرب والعشاء بعد الإفاضة من عرفة لثبوت ذلك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. يجوز الجمع كذلك للمسافر عند الشافعيّة والمالكيّة والحنابلة، فله أن يجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير، وذلك لثبوت فعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لذلك. يجوز الجمع في حال المرض أيضاً، ويكون ذلك في الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير، إلّا أنّ المالكيّة لم يجوّزوا ذلك إلّا أن يكون جمع تقديم، وذهب الحنفيّة وفي المشهور عن مذهب الشافعيّة إلى عدم جواز الجمع لعذر المرض لعدم ثبوت فعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك في مرضه. يجوز الجمع عند نزول المطر أو البرد، ورأى المالكيّة أنّه جائز بين المغرب والعشاء تقديماً فقط، وعند الحنابلة هو جائز بين المغرب والعشاء بالتقديم أو التأخير، أمّا الشافعيّة فيجوزونه بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر أيضاً إلّا أنّهم يجوّزونه تقديماً فقط، كما أجاز الحنابلة والمالكيّة الجمع في الوحل أيضاً. يجوز الجمع عند الخوف عند الحنابلة وبعض الشافعيّة وفي رواية عن المالكيّة كذلك، ويكون الجواز فيه بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً. يجوز الجمع عند وجود عذر غير الأعذار السابقة عند الحنابلة وبعض الفقهاء الآخرين، واشترط بعضهم ألّا يُتخذ الجمع عادة، ومثل ذلك العذر: انشغال الطبيب بغرفة العمليات في وقت الصلاة. تجدر الإشارة إلى أنّ الحنفيّة لم يجيزوا الجمع لا لمرض ولا لسفر ولا لغيره من الأعذار، إلّا أنّ قولهم هذا مخالف للأدلة الثابتة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من قيامه بالجمع في عدّة مواضع من سيرته الحنيفة.[٦] حكم قصر الصلاة المقصود بقصر الصلاة هو أنّ يؤدّي المسلم الصلاة الرّباعية ركعتين فقط ويكون ذلك في حالة السفر، واتّفق العلماء على أنّ قصر الصلاة للمسافر أفضل وأولى من إتمامها، حيث ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قصر الصلاة في جميع أسفاره، وفي ذلك روى عبد الله بن عمر عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (صَحِبتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان لا يَزيدُ في السفَرِ على ركعتَينِ، وأبا بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ كذلك رضي اللهُ عنهم)،[٧] حتى أنّ الحنفيّة ذهبوا بالقول إلى أنّ القصر في السفر واجب، والراجح أنّه سنّة مؤكدة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام،[٥] إنّ العذر الوحيد المبيح لقصر الصلاة هو السفر، فلا يجوز القصر لغيره من الأعذار،[٥] وحتى يكون القصر عذراً في قصر الصلاة يجب أن تتوفّر فيه بعض الشروط، وهي:[٨] أن تكون نيّة المسافر لجهة معيّنة، فإن كان مسافراً ولا يدري إلى أين يتجه لم يجز له قصر الصلاة. أن يقطع المسلم في سفره مسافة بريدٍ أو أكثر؛ والبريد يساوي اثنا عشر ميلاً. أن يخرج المسافر من بلده أو محل إقامته. المراجع ^ أ ب د. مرضي بن مشوح العنزي (2017-8-30)، “الرخص الشرعية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-7. بتصرّف. ↑ سورة النساء، آية: 28. ↑ سورة البقرة، آية: 286. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3560، صحيح. ^ أ ب ت “الفرق بين الجمع والقصر”، www.islamqa.info/ar، 2008-10-22، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-7. بتصرّف. ^ أ ب “أحوال الجمع بين الصلاتين عند الفقهاء”، www.fatwa.islamweb.net، 2001-2-1، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-7. بتصرّف. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1102، صحيح. ↑ “شروط قصر الصلاة الرباعية في السفر”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-7. بتصرّف.
إقرأ أيضا:حكم اقتناء الكلاب