أحكام الشريعة الاسلاميه

حكم تغطية الوجه

الحجاب الشرعي

اختلف الناس قديماً وحديثاً في حكم الحجاب وماهيّته، وضوابطه، وهل يدخل الوجه في مسمّى الحجاب أم لا يدخل فيه، وبناءً على كلّ ذلك فقد ظهر الخلاف عند الفقهاء في حكم تغطية وكشف الوجه، فمن رأى أنّ الوجه يدخل تحت مسمّى الحجاب فقد رأى وجوب تغطيته إلحاقاً بباقي الجسد؛ حيث إنّهم اتفقوا على وجوب الحجاب ابتداءً، ومن لم ير أنّه يدخل في الحجاب قال بعدم وجوب تغطية الوجه، تلك هي الخلاصة في حكم تغطية الوجه وكشفه أمّا تفاصيلها وآراء وأقوال العلماء وأدلتهم فستُعرَض في هذا المقال مقرونةً بالشواهد والاستدلالات.

حُكم تغطية الوجه

تحتلّ مسألة تغطية الوجه وكشفه اهتمام الشارع المحلي في شتّى بقاع الأرض التي وصلها الإسلام، حتى أنَّ بعض الدول التي لا تعرف حكم تغطية الوجه وكشفه ولم تسمع شيئاً من النصوص والتعاليم الشرعية في ذلك قد تساءلت عن رأي الشرع فيه لما يظهر على بعض نساء المسلمين في بلاد الغرب من تغطية وجوههن وسترها، فما هو حكم تغطية وكشف الوجه في الإسلام؟

ثبت اتّفاق الفقهاء على أنّه يجب على المرأة تغطية وجهها إذا كانت تعتقد أنّ كشفه ربما يؤدّي إلى فِتنة الرجال بها إن كانت فائقة الجمال فاتنة، أو إن كانت تخشى التعرُّض للفِتنة إن ظهر وجهها للرجال، فعندها تستُره لتقي نفسها من الفتنة، أمّا إن كانت المرأة لا تخشى الفتنة على نفسها بحيث يمكنها التحكم بمشاعرها وأحاسيسها وضبط شهوتها، أو أنّ كشفها لوجهها لا يؤثر بالرجال ولا يفتنهم لكونها ليست من الفاتنات الجميلات عرفاً فهنا ورد خلاف العلماء، وفيما يلي بيان ذلك:[١]

إقرأ أيضا:ما حكم فوائد البنوك
  • ذهب الإمام الشافعيّ في الصّحيح عنده والإمام أحمد وأصحابه أنّ تغطية وجه المرأة وكفّيها واجبٌ شرعاً؛ على إطلاق ذلك الوجوب لكل النساء دون تحديد، ودليل أصحاب هذا الرأي ما جاء في قول الله تعالى من سورة الأحزاب حيث خاطب الله النبي -صلى الله عليه وسلم- آمراً نساء المؤمنين قائلاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[٢] وبناءً على الأمر الوارد في الآية السابقة يكون الحجاب الشرعيّ واجبٌ على كلّ مسلمةٍ بالغة، ويشمل الحجاب عندهم ستر جميع البدن بما في ذلك الوجه والكفّين، فالأصل في حكم تغطية الوجه عندهم الوجوب، ولا ينتقل الحكم من الوجوب إلى غيره إلا لصارفٍ يصرفه، ولا ينبغي للمرأة تزيين ما يظهر من وجهها عند خروجها، وإن فعلت ذلك تكون آثمةً؛ كالكحل أو أي زينةٍ ظاهرة في حال خروجها من المنزل.[٣]
  • ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة في أحد القولين عندهم أنّه يُستحب للمرأة تغطية وجهها وأن ذلك غير واجبٍ عليها إلا إن كان فيها ما يستدعي الوجوب كما أُشير في مطلع المقالة، ودليل أصحاب هذا الفريق مأخوذٌ من قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأسماءَ بنتِ أبي بكر لما دخلت عليه بثيابٍ رقيقةٍ تكشف ما يجب ستره من جسدها؛ خاطبها قائلاً: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ، لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ)،[٤] أمّا وجه الدليل من الحديث فواضحٌ صريح؛ حيث إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يُدخل الوجه والكفين فيما يجب على المرأة تغطيته إذا بلغت؛ ممّا يعني أنّ ذلك لا يدخل في الوجوب قطعاً بل يدخل في باب الاستحباب؛ إلّا إن وُجد سببٌ ينقل الحكم من الاستحباب إلى الوجوب، فإن لم يوجد ما يصرف الحكم إلى الوجوب بقي على أصله الذي هو الاستحباب.

صفات الحجاب الشرعيّ

حتى يكون الحجاب شرعياً لا بد أن يتَّصف ببعض الصّفات، فإن خلا الحجاب من شيءٍ منها أو منها جميعها لم يكن حجاباً؛ لأنّ الأصل في الحجاب الستر والتغطية، فإن لم يؤدّ الحجاب وظيفة الستر والتغطية لم يُسمَّ حجاباً، وأهم شيءٍ يستره الحجاب هو كلّ ما يُصادق عليه أنه من زينة المرأة؛ سواء كانت تلك الزينة من الجسد أم من المظاهر التي تدعو إلى لفت الأنظار إليها، فالحجاب ليس فقط تلك القطعة التي تستر شعر الرأس إنما هو جميع ما يستر البدن، وذلك تصديقٌ للمعنى اللغوي للحجاب، أما صفات الحجاب الشرعي التي يجب توافرها فيه فهي:[١][٥]

إقرأ أيضا:تربية الكلاب في الإسلام
  • أن يكون الحجاب ساتراً لجميع البدن، فيبدأ الحجاب من أعلى الرّأس حتى يصل إلى أدنى القدمَين، فيمرُّ بجميع أعضاء جسم المرأة باستثناء الوجه والكفَّين الذين ورد استثنائهما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي خاطب به أسماء؛ كما أنّ العلماء قد اختلفوا في حكم تغطيتهما على النحو الذي جرى بيانه سابقاً.
  • أن يكون الحجاب فَضفاضاً، فلا يُظهر تفاصيل الجسم ويُبرز أعضاءه؛ ممّا يدعو لِلَفت أنظار الرجال وفتنتهم، فإن كانت المرأة المسلمة ترتدي لباساً ضيِّقاً يصف ويُظهر تفاصيل جسمَها فإنّ ذلك لا يُسمّى حجاباً شرعياً لمخالفته صفات الحجاب المقصودة فيه.
  • ألّا يكون الحجاب رقيقاً بحيث تظهِر من خلاله مفاتن المرأة أو أن يكون فيه ما يكشف ويُظهر ما تحته من اللباس أو الجلد؛ حيث ورد النهي صريحاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه النقطة تحديداً؛ لما ثبت عن أسماء بنت أبي بكر أنها عندما دخلت الموضع الذي يجلس فيه، وكانت ترتدي ثياباً تُظهر ما تحتها كما ورد في الحديث السابق؛ وذلك لأنّ لبس الثياب الرقيقة الشفافة يُبطل أثر الحجاب ويُلغيه، فارتداء المرأة المسلمة لمثل تلك الثياب لا يجعلها ملتزمةً بالحجاب الشرعي الذي فرضه عليها الله ورسوله، فتكون قد استحقّت العقوبة من الله بمخالفتها لما أمرها به ولبسها ملابس لا تؤدي غرض الستر.
  • ألّا يكون في الحجاب شيءٌ يُظهر أنّه ممّا تعارف عليه أنّه من ملابس الرّجال؛ فقد نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن تشبُّه النّساء بالرّجال، وقد روى ذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: ( لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ؛ المتشبِّهاتِ بالرِّجالِ منَ النِّساءِ، والمتشبِّهينَ بالنِّساءِ منَ الرِّجالِ).[٦]
  • ألّا يظهر في الحجاب رائحة عطر تفتن الرجال وتلفت أنظارهم، وألّا يكون الحجاب مُلوَّناً ومزيناً بألوان وزينة لافتة تجذب الرّجال إليها وتشدّ أنظارهم نحوها
السابق
ما حكم حبوب منع الحمل
التالي
ما مصير تارك الصلاة