تحيّة المسجد
شُرعت في الإسلام عدّة أمور تحتاج البحث والتعمُّق في أحكامها وبواطنها، ومن بين تلك الأمور الصّلاة، فالصّلاة لم تُشرَع فيها الفريضة فقط، بل شُرِع لها من النوافل ما يفضُل في العدد والزّمان خلافاً لعدد ركعاتٍ صلوات الفريضة وأزمنتها؛ حيث تُرِك الأمر في صلوات النّافلة على اتّساعه ليشمل أوقات النّهار جميعها باستثناء بعض الأوقات التي تُكرَه فيها الصّلاة، ومن بين تلك النّوافل والصّلوات التي شُرِع للمسلم أداؤها لسببٍ معيّن؛ صلاة تحيّة المسجد، التي تُصلّى عند دخول المسلم إلى مسجدٍ ما بغرض أداء صلاة الفريضة أو غير ذلك، فما هي صلاة تحيّة المسجد، وما هو حكمها، وأحوالها؟ ذلك ما سيكون محور هذه المقالة.
معنى تحيّة المسجد
معنى المسجد
المسجِد هو الموضع الذي يتّخذه المسلمون للسّجود فيه والتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى، عن طريق أداء حركات معيّنة تُسمّى الصّلاة، والمسجد في اللغة مَقيسٌ على المجلِس؛ الذي يعني الموضِع الذي يُجلَس فيه، وكذلك على المنزِل الذي هو الموضع الذي يُنزَل فيه، وجمعه مساجد، مثل: مجالس، ومنازل، ويجوز أن يُقال: مسجِدٌ ومساجِد؛ وكلُّ ما اتُّخِذ للسجود فيه فهو مسجدٌ.
معنى صلاة تحيّة المسجد
تُعرَّف صلاة تحيّة المسجد بأنّها صلاة ركعتين من غير صلاة الفريضة، يؤدّيها المسلم إذا دخل مسجداً؛ شريطة ألّا يكون قد جلس فيه قبل أداء هاتَين الرّكعتين.
إقرأ أيضا:ما هى كفارة الحلف بغير اللهحُكم تحيّة المسجد
اختلف العلماء في حُكم صلاة تحيّة المسجد على قولَين رئيسَيْن، هما:
- مذهب جمهور العلماء: حيث يرى جمهور فقهاء أهل السُّنة أنَّ صلاة تحيّة المسجد مُستحبَّةٌ شرعاً؛ حيث إنّها من الصّلوات النّافلة التي يحصل بها المسلم على الأجر والثواب، وقد استدلّ أصحاب هذا القول على رأيهم بما يرويه أبو قتادة الأنصاريّ -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إذا دخَل أحدُكمُ المسجدَ، فليركَعْ ركعتَيْنِ قبلَ أن يجلِسَ)، ودليل الجمهور من هذا الحديث أنّه لم يُشِر صراحةً إلى وجوب ذلك على من دخل المسجد، ممّا يجعل حُكم الصّلاة في تلك الحالة مُستحبّاً لا واجباً.
- مذهب الظاهريّ: ذهب ابن حزم الظاهريّ وشيخه داود الظاهريّ، إلى القول بأنّ ركعتَي تحيّة المسجد تجِبان على كلّ مَن دخل مسجداً في وقت الصّلاة أو في غير وقتها، ولا تجِبان على غيره ممّن لم يدخل المسجد، فوجوبهما عند أهل الظاهر مُقترنٌ بدخول المسجد فقط؛ وقد استدلّ أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بحديث أبي قتادة الأنصاريّ سالِفِ الذِّكر، والذي فيه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا دخَل أحدُكمُ المسجدَ، فليركَعْ ركعتَيْنِ قبلَ أن يجلِسَ)، وعندهم أنّ الحديث أشار إلى أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لكلّ من دخل المسجد أن يُصلّي ركعتين قبل أن يجلس، فيكون الأمر في الحديث محمولاً على الوجوب، ولا يصرفه عن ذلك إلا إن وُجِد دليلٌ يُعاضِده وينقله إلى الاستحباب، وذلك لم يوجد.
شروط تحيّة المسجد
اشترط الفُقهاء بناءً على النّصوص الواردة في صلاة تحيّة المسجد مجموعةً من الشروط التي لا بُدّ من توفّرها فيها؛ من حيث الموضع والمكان والغاية، وبيان تلك الشّروط فيما يأتي:
إقرأ أيضا:بحث بعنوان: مقاومة الشهوة افضل من علاج العلة- أن يدخل المُصلّي المسجدَ في وقتٍ خارجٍ عن الأوقات التي تُكرَه الصّلاة فيها، ويُقصَد بالكراهة هنا؛ الوقت الذي تُكرَه فيه صلاة النّوافل؛ مثل: النّهي عن الصّلاة عند شروق الشمس وغروبها، والنّهي عن الصّلاة بعد العصر، وقد اختلف الفقهاء في حُكم صلاة تحيّة المسجد إذا صادفت وقت كراهة، فذهب جمهور العلماء إلى منع الصّلاة في أوقات الكراهة المُشار إليها، سواءً كانت تلك الصّلاة لسببٍ مشروع، مثل: تحيّة المسجد، أو كانت صلاة نافلة ليس لها سبب، بينما ذهب الشافعيّة وبعض علماء الحنابلة إلى أنّ الصّلاة التي تُكرَه في تلك الأوقات هي الصّلاة التي ليس لها سبب مشروع، أمّا تحيّة المسجد فلا تُكرَه؛ لوجود سببٍ مشروعٍ لها وهو دخول المسجد في ذلك الوقت.
- أن يكون هدف الذي دخل المسجد المُكث فيه لا مجرّد المرور منه، وقد اختلف الفقهاء في ذلك؛ فذهب فقهاء المالكيّة إلى عدم استِحباب صلاة تحيّة المسجد إلّا لمن نوى المُكث في المسجد والجلوس فيه؛ وقد خالفهم في ذلك جمهور الفقهاء -الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة- حيث لا يشترطون نيّة المكث في المسجد عند من مرَّ فيه، إنّما يكفى عندهم مجرّد مروره من المسجد لاستحباب صلاة تحيّة المسجد عليه؛ سواءً نوى بذلك المكث في المسجد، أم كان قصده مجرّد المرور منه.
- أن يدخل المُصلّي المسجد وهو على طهارة، فإن دخل المسجد وهو على غير طهارة فإنّ تحيّة المسجد تُطلَب منه عند فُقهاء الشافعيّة إن استطاع الوضوء، وإزالة الحدث خلال مُدّة يسيرة، وخالفهم في ذلك جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة؛ حيث يرَون أنّه إذا دخل المسجد وهو مُحدث غير مُتوضِّئٍ، فليس عليه الإتيان بتحيّة المسجد، ولا تُطلَب منه.
- ألّا يُصادف وقت دخوله إلى المسجد وقتَ إقامة الصّلاة أو الابتداء بصلاة الجماعة؛ فإذا دخل المُصلّي المسجد وقد أُقيمت الصّلاة وابتدأ الإمام بصلاة الجماعة، فلا يُطلَب منه أن يأتي بتحيّة المسجد عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وخالفهم في ذلك المالكيّة؛ حيث فرَّقوا بين أن يكون الذي شرع في صلاة الجماعة هو الإمام الرّاتب -إمام المسجد المعيَّن من قِبل الإمام- أو كان الذي شرع بها غير الإمام الرّاتب؛ فإن كان الذي شرع بالفريضة هو الإمام الراتب فلا يُطلَب من المصلّي في تلك الحالة الإتيان بصلاة تحيّة المسجد وتسقط عنه، أمّا إن كان الذي شرع في صلاة الفريضة إمامٌ غير راتب، فيأتي أوّلاً بتحيّة المسجد، ثمّ يلتحق بالجماعة.
- ألّا يُصادف دخول المصلّي إلى المسجد خروجَ الإمام لخطبة الجمعة، أو خطبة العيدَين، أو غيرهما، أو وجود الخطيب على المنبر لأداء الخطبة، فإن صادف دخوله ذلك فإنّ صلاة تحيّة المسجد لا تُطلَب منه، بل يجلس مباشرةً دون أن يُصلّيها عند المالكيّة والحنفيّة، وقد خالفهما فقهاء المذهبَين الشافعيّ والحنبليّ، فقالوا: إنّه إن صادف دخول المصلّي خروجَ الخطيب وصعوده إلى المنبر، أو صادف وقت خطبة الخطيب في الجمعة، أو العيدَين، أو نحوهما، فإنّ صلاة تحيّة المسجد تُطلَب منه، لكن عليه أن يُخفِّف بهما ولا يُطيل، فيُصلّي ركعتين خفيفتين، يُتِمُّ ركوعهما، وسجودهما، وقراءتهما.
عدد ركعات تحيّة المسجد
اختلف الفقهاء في عدد أكثر وأقلّ ركعات تحيّة المسجد على عدّة أقوال، وفيما يأتي بيان ما ذهبوا إليه من أقوال في تلك المسألة:
إقرأ أيضا:ما حكم الطهارة- يرى فقهاء المذهبين الشافعيّ والحنبليّ وعلماؤهم أنّ أقلّ عدد ركعات صلاة تحيّة المسجد هو ركعتان، وأنّه لا حدَّ لأعلاهما، فيُسَنّ للمصلّي إذا دخل المسجد أن يأتي بركعتين ينوي بهما أداء صلاة تحيّة المسجد، وإن زاد على ذلك جاز له ذلك مهما كان عدد الزّيادة، وما دام هناك متّسع من الوقت؛ بناءً على الشروط التي أُشير إليها سابقاً، والتي تتعلّق بأداء تحيّة المسجد.
- يرى علماء المذهب الحنفيّ أنّ أدنى عدد ركعات صلاة تحيّة المسجد هو ركعتان، وأنّ أعلاها أن تُؤدّى أربع ركعات، يُفصَل بينها بتسليم وتشهُّد، وذلك هو الأفضل، ولا يُشرَع له أن يزيد على أربع ركعاتٍ بنيّة أداء صلاة تحيّة المسجد.
- يرى المالكيّة أنّ صلاة تحيّة المسجد لا يجوز أن تزيد عن ركعتَين؛ كما جاء النصّ الصّريح في ذلك عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي أُشير إليه في موضع بيان حُكم صلاة تحيّة المسجد