حكم الموت الرحيم
أطبقت فتاوى الفقهاء المعاصرين على تحريم قتل المريض من خلال إنهاء حياته بدعوى الرّحمة به وتخليصه من الآلام، والموت الرّحيم هو تيسير الموت للمريض بقصد إنهاء عذابه، كالمريض المصاب بالسرطان أو نقص المناعة ونحوهم.
وقد عدّ العلماء الطبيب الذي يفعل ذلك قاتلاً متعمِّداً، سواءً فعله من خلال إعطاء المريض دواءً يُنهي حياته، أو بإزالة أجهزةٍ أو إيقاف علاجٍ لا يعيش المريض الحيّ بدونها.
ويحرم كذلك على المريض أنْ يطلب إنهاء حياته ليتخلّص من آلامه، لأنّ الصبر على المرض والبلاء واجبٌ شرعاً، وإذا طلب المريض تيسير الموت صار كالمنتحر، ويشترك في الإثم مع الطبيب الذي يسّر له إنهاء حياته، فالموت الرحيم محرَّمٌ في الشريعة مهما كانت دوافعه، ويؤثم فاعله كإثم القاتل المتعمِّد.
الأدلة الشرعية على تحريم الموت الرحيم
استدلّ أهل العلم على تحريم الموت الرحيم بالعديد من الأدلة والنصوص الشرعية، ومن أبرزها ما يأتي:
- قتل النفس والانتحار من كبائر الذنوب، وقد قال -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا).
- تيسير الموت للمريض فيه إيذاءٌ للنفس وإعانةٌ على القتل والانتحار، وقد قال الله -سبحانه-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا).
- قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ في الدُّنْيا عُذِّبَ به يَومَ القِيامَةِ).
- قال -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ به جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فأخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بهَا يَدَهُ، فَما رَقَأَ الدَّمُ حتَّى مَاتَ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّةَ).
- إنّ الله -عز وجل- قادرٌ على شفاء المريض مهما اشتدّ به المرض، فالمستحيل في نظر البشر هيِّنٌ على الله -تعالى-، وربّما شُفِي المريض الميؤوس من مرضه مستقبلاً بقدرة الله -تعالى-، وكلّ ذلك في علم الغيب، فلا يجوز استباق الأحداث والتعدّي على حياة المريض.
حكم رفع الأجهزة عن الميت دماغياً
إنّ تدخّل الأطباء بإزالة الأجهزة عن المريض الذي أجمع المختصّون على أنّه لن يعود للحياة مرة أخرى بسبب موت دماغه لا يدخل فيما يُسمّى بالموت الرحيم، لأنّ الطبيب هنا لم يفعل ما يؤدّي إلى إنهاء حياة المريض، بل هو في حكم الميِّت فعلاً، والأجهزة حينها لا تفعل شيئاً سِوى أنّها تُبقي على الحياة ظاهرياً المتمثّلة بالدورة الدموية والتنفس، ولكنّ مصدر الحياة -وهو المخّ- ميِّت.
إقرأ أيضا:ما حكم حبوب منع الحمل؟وبناءً على ذلك أجاز أهل العلم للطبيب أن يرفع أجهزة الإنعاش الصناعي عن المريض في هذه الحالة إذا أيقن الأطباء أنّ حياته وفق الأسباب والمسببات وسنن الله -تعالى- لن تعود، لأنّ بقاء المريض على هذه الحالة قد يؤدي إلى حجز الأجهزة عمّن يحتاجها من الأحياء، وربّما ظلّ أهله في حالة قلقٍ دائم قد تستمرّ لسنواتٍ طويلة بلا أيّ فائدة.
إقرأ أيضا:ما حكم رش الملح في الحماموقد طُرِحت هذه القضية للبحث والنقاش بين أهل العلم، ووافق المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة المنعقدة في مكة عام 1408هـ على رفع أجهزة الإنعاش في هذه الحالة إذا تيقّن الأطباء أن المريض ميِّتٌ دماغياً.