الزينة وأحكامها
راعت الشّريعة الإسلامية بأحكامها جميع ما يتعلّق بتفاصيل حياة المسلم الصغيرة والكبيرة، قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، فجميع ما يفعله المسلم يجب أن يَخضع لميزانِ الشريعة حتى يعلم إن كان في فعله أجرٌ أو إثم، أو مخالفة لأحكام الشريعة، ومن بين تلك الأمور والجزئيات التي تعرّضت لها الشريعة الإسلامية ما يتعلّق بزينة المرأة وأحكامها.
أباحت الشريعة الإسلامية للمرأة من الزينة ما كان مقبولاً؛ بحيث لا يؤدّي إلى إظهار المَفاتن للرّجال الأجانب ممّا يجعلُ أحدهما يصل للحرام أو يفتتن بالآخر، وقد شرعت بعد ذلك الحجاب وما يلتحق به من اللباس المُحتشم الإسلامي حتى لا تكون المرأة فتنةٌ في نفسِها أو فيما تتزيّن به أو تلبسه، وبعد ذلك بقيت بعض الجُزئيّات عالقةً بين الحلِّ والحرمة في خلافٍ بين العُلماء عليها وعلى حكمها، لكونها لم تكن مَوجودةً في عصر النبيّ والفقهاء السابقين، ممّا يَعني عدم وجودِ نصٍ قاطعٍ بتحريمها أو إباحتها، ومن بين تلك الجُزئيّات ما يُعرف بالرموش الصناعية، فما المقصود بها، وما حكمها الشرعي في الإسلام؟
معنى الرموش الصناعية
- الرِّمش في اللغة يعني: الهدب، ورمش العين هُدبها؛ وهو شعرٌ ينبت للإنسان وغيره على أطراف الجفون، وجمعها رُمْش، ومؤنثها: رَمْشاءُ، ورَمَش الشيء أي تناوله بأطراف أصابعه، والرَّمَش: احمرارٌ في العين.
- الرموش الصناعيّة هي: شُعيرات تُشبه شعر الرمش الحقيقي، تكون رقيقة الحجم، يتمّ تصنيعها من المواد البلاستيكيّة أو ما شابهها، الهدف منها أن يتمّ إلصاقها بأعلى الجفن عن طريق مادّة لاصقة حتى تُصبح الرموش أكثر طولاً ممّا هي عليه، خصوصاً لمن تكون رموش عينيه قَصيرة أو غير ظاهرة، ويُمكن نزعها وإزالتها بسهولة بعد انتهاء من الوَظيفة التي تُلبس لأجلِها وهي الزينة.
حكم الرموش الصناعية
اختلف العُلماء المُعاصرون في حكم تركيب الرموش الصناعية والتزيّن بها على رأيين رئيسيين، وكان اختلافهما ناشئاً عن النظرة لتلك الرموش، فمن رأى أنها تغييرٌ لخلق الله قال بحرمتها، ومن رأى أنّها غير ذلك أجازها، وبيان أقوال العلماء في هذه المسألة كالآتي:
إقرأ أيضا:تعريف الرقية الشرعية- الفريق الأول: اعتبَرَ أصحاب هذا الرأي أن الرموش الصناعية تدخل في تغيير خلق الله، وأنه لا حاجة في استخدامها ولا ضرورة في ذلك مطلقاً، وقد استدلَّ أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بقول الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا* لَّعَنَهُ اللَّهُ *وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا*وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)، وقد اعتبروا تركيب الرموش الصناعية بلا سبب من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى، كما استدلوا على قولهم من السنة بما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: (لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ)،
- استثنى أصحاب هذا القول من الحرمة ما إذا كان تركيب الرموش لحاجةٍ مُلحة تجعل وضع الرموش مهماً أو يؤدي عدم وضعها إلى تشويه شكل صاحبه بحيث أصاب الرموش الطبيعيّة تشوهٌ أو كانت غير موجودةٍ في الأصل أو أُزيلت نتيجة مرضٍ أو حريقٍ أو نحو ذلك؛ فلا بأس بذلك عندهم للحاجة إليه، عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ).
- الفريق الثاني: ذهب الفريق الثاني إلى القول بأنّ وضع الرموش الصناعيّة وتركيبها يُعتبر زينةً كغيرها من أنواع الزينة التي تتزيّن بها النساء، وأنّ حكمه يبقى على الإباحة، وأنها لا تعتبر من تغيير خلق الله المحرَّم شرعاً، كما أنه لا ينطبق عليه حكم وصل الشعر للاختلاف الكبير بينهما، وقد استدلّ أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)،[١٠] حيث إن الحرمة لا تثبت إلا بنصٍ شرعي، وحيث لم يرد في تركيب الرموش الصناعية نصٌ يكون حكمها الأصلي بناءً على الآية الإباحة لأن المراد بها الزينة فقط وليس تغيير خلق الله فهي قابلة للإزالة، وهي كذلك ليست من الوصل المحرَّم؛ حيث إنَّ وصل شعر الرأس يختلف عن شعر العين، كما أنَّ الوصل غير قابل للإزالة كالرموش الصناعية، وقد اشترط أصحاب هذا القول لجواز التزين بالرموش الصناعية عدداً من الشروط، منها:
- أن توضع الرموش الصناعية في موضعها بطريقة لا تمنع من وصول الماء للبشرة التي تحت الجفن عند الوضوء والطهارة، حتى لا يؤدّي ذلك إلى بطلان الطهارة لعدم وصول الماء إلى جزءٍ ظاهرٍ من الجسم ينبغي إيصال الماء إليه.
- يشترط في صحة وجواز التزين بالرموش الصناعية أن لا يكون مَصدرها شعر آدمي، أو مأخوذة من شعر نجسٍ كشعر الخنزير وغيره.
- أن لا توصل الرموش الصناعية بشعر الرأس؛ بل توضع فوق الحواجب بطريقةٍ غير وصلها بالشعر حتى لا تدخل في باب الوصل المحرم شرعاً.
إذا ثبت ضرر استخدام الرموش الصناعية على العين أو الجسم عموماً يكون استخدام الرموش الصناعية محرماً؛ لعدم جواز إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير، وقد أثبت بعض الأطباء وجود ضرر للاستخدام المُفرط للرموش الصناعية، حيث يؤدّي استخدامها إلى إصابة العين بالالتهابات ونقل العدوى وغير ذلك من الأمراض الضارة التي تُصيب العين، ففي هذه الحالة يجب تطبيق القاعدة الشرعية القائلة: “لا ضرر ولا ضرار”، [١٢]، كما أنّه توجد في الرموش الصناعية بعض المواد التي تحتوي على أملاح النيكل، أو المطاط الصناعي التي تتسبّب باحتمالية الإصابة بالتهاب الجفون مما يؤدّي إلى تساقط الرموش
إقرأ أيضا:ما حكم تخفيف اللحية