الجنين في الإسلام
أعطى الإسلام للإنسان حقوقاً وأحكاماً ينبغي منحه إيّاها، وجعل عليه واجبات ينبغي أن يقدّمَها لقاء تلك الحقوق، وقد شملت حقوق الإنسان جميع مراحل حياته، فحتى الجنين الذي يكون في مرحلة التكوين في الرحم له حقوق محفوظة ينبغي ألّا تُسلَب، وقد نصَّت الشريعة الإسلامية على عددٍ من حقوق الجنين، وكيفية منحها له، وحكم سلبها منه أو سلب شيءٍ منها؛ حتّى إن كان الذي سلب تلك الحقوق منه هو أقرب الناس إليه، فإنّه يستحقّ العقوبة إن كان ذلك تعدّياً، ومن حقوق الجنين الكثيرة التي يجب أن يوهب إياها قبل الولادة وبعدها؛ الحق في الحياة، فلا ينبغي أن تُسلب حياة إنسانٍ على وجه الأرض دون وجه حقّ، وكذلك الجنين لا ينبغي الاعتداء على حياته بتهديدها بالقتل أو الإيذاء، فما حكم إسقاط الجنين، وهل توجدُ أوقات يُباح فيها إسقاطه، وما عقوبة من يتعدّى على حقّ الجنين في الحياة فيؤذيه أو يسلبه ذلك الحقّ؟
معنى الجنين
الجنين لُغةً واصطلاحًا
- الجنين لُغةً: جمعه أَجِنَّة، وله عدّة معانٍ منها: القَبر، والجَنِينُ في اللغة كذلك يعني: الشّيء المستور، وهو كذلك يُطلق على الولد ما دامَ في بطن أمّه، أمّا الجَنِينُ في لغة الأَطِبّاء فيعني: ثمرة الحمل في رحم الأم، حتَّى يبلغ الأَسبوع الثامن من عمره في بطن أمّه، فإن بلغ الأسبوع الثامن يُسمّى حملاً.[١]
- الجنين في الاصطلاح: يعني ما يكون في رحم الأمّ، من مرحلة بدء التكوين بعد حدوث التلقيح والاستقرار فيه، وحتّى خروجه من بطن أمّه.[٢]
معنى إسقاط الجنين
- إسقاط الجنين أو الإجهاض في اللغة: هو إلقاء الحمل قبل اكتمال تخلُّقه؛ أي عند كونه ناقص الخِلقة أو في مراحل التَّخلّق، أو قبل إكمال مدّته، سواءً كان ذلك بفعل فاعل أم كان بشكلٍ تلقائيّ.[٣]
- إسقاط الجنين في اصطلاح الأطبّاء: هو إخراج مُحتويات الحمل الموجود في الرّحم قبل أن يمرَّ على وجودها فيه ثمانية وعشرون أسبوعاً، يبتدئ اعتبارها منذ آخر حيضة حاضَتها.[٤]
حكم إسقاط الجنين
فرَّق الفقهاء بين إسقاط الجنين قبل نفخ الرّوح فيه، وإسقاطه بعد نفخ الروح فيه، أمّا نفخ الروح في الجنين فيكون بعد مرور مئة وعشرين يوماً على عمر الحمل كما يقول الفقهاء، وذلك وفقاً لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يوماً، ثمَّ يَكونُ في ذلك عَلقةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يَكونُ مُضغةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يرسَلُ الملَكُ فينفخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربع كلِماتٍ: بكَتبِ رزقِه، وأجلِه، وعملِه، وشقيّ أو سعيد، فوالَّذي لا إلَهَ غيرُهُ إنَّ أحدَكُم ليَعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذِراعٌ، فيسبقُ عليهِ الكتابُ فيعمل بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها، وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ، ثمَّ يسبِقُ عليهِ الكتابُ فيعمَل بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ فيدخُلُها)،[٥] وفيما يأتي بيان حكم إسقاط الجنين قبل نفخ الروح وبعده حسب ما ذهب إليه الفقهاء.[٣]
إقرأ أيضا:حكم تقبيل المصحفإسقاط الجنين قبل نفخ الرّوح
اختلف الفقهاء في حكم إسقاط الجنين قبل نفخ الرّوح فيه، أو قبل أن يبلغ عمر الحمل مئة وعشرين يوماً، وفيما يأتي بيان أقوال الفقهاء وآرائهم في هذه المسألة، وأدلّة كلِّ فريقٍ منهم مع الدّليل:[٦][٧]
- ذهب فقهاء الحنابلة وبعض فقهاء الحنفيّة والشافعيّة إلى جواز إسقاط الجنين ما لم تُنفَخ الروح فيه، قال ابن الهمام: (وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يُباح ما لم يتخلّق شيء منه، ثمّ في غير موضعٍ قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مئة وعشرين يوماً، وهذا يقتضي أنّهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط؛ لأنّ التخليق يتحقّق بالمُشاهدة قبل هذه المدّة)، كما أجاز القليوبيّ من فقهاء الشافعيّة إسقاط الجنين قبل نفخ الرّوح فيه مطلقاً حتّى لو كان ذلك عن طريق أخذ دواء لأجل ذلك.
- فرَّق بعض فقهاء الحنابلة بين إسقاط الجنين في مرحلة المُضغة قبل نفخ الرّوح فيه، وبين انتقاله إلى مرحلة العلقة، فقالوا بحُرمة الإجهاض إذا تشكَّل علَقةً، فإن كان الإسقاط في مرحلة المُضغة جاز ذلك لعدم تخلُّقه، قال ابن رجب الحنبليّ: (وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً، لم يجُز للمرأة إسقاطُه؛ لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة، فإنَّها لم تنعقد بعدُ، وقد لا تنعقدُ ولداً).
- ذهب فقهاء المالكيّة وبعض فقهاء الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة إلى القول بأنّ إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه حرامٌ مطلقاً؛ فلا يجوز الاعتداء على الجنين بإسقاطه في أيّ مرحلةٍ من مراحل الحمل، حتى لو كان ذلك قبل نفخ الروح فيه، أو بمجرّد حصول الحمل؛ لأنّ من حقوق الجنين المعتبَرة شرعاً الحقّ في الحياة؛ حيث يجب الحفاظ على ذلك الحقّ، وعدم هدره لأيّ سببٍ كان.
إسقاط الجنين بعد نفخ الروح
أجمع الفقهاء على تحريم إسقاط الجنين وإجهاضه بعد أن تُنفَخ الروح فيه مطلقاً، وقد أجاز الفقهاء في هذه المرحلة إسقاط الجنين إذا تشكَّل على الأمّ خطر ناتج عن الحمل أو خطر ناشئ من إصابتها بحادثٍ أو علّةٍ معيّنة؛ ممّا يستدعي الاستغناء عن الحمل على وجه السرعة؛ للإبقاء على حياة الأمّ، أو منع إصابتها بخطرٍ محقّق لا يمكن السيطرة عليه إلا من خلال إسقاط الجنين والاستغناء عنه، أو بسبب وجود مرضٍ في الأم لا يمكنها بوجوده الاستمرار في الحمل، مثل: أمراض القلب، ففي هذه الحالة يكون الأَوْلى الإبقاء على حياة الأمّ، والسعي إلى ذلك بالوسائل والطرق المتاحة كلّها، فإن تمكّن الأطباء من تأمين حياة الأمّ وسلامتها، والإبقاء على الجنين كان ذلك أفضل، وإن لم يتمكّنوا من ذلك وعجزوا عنه إلا بالاستغناء عن الجنين، فيجوز اللجوء إلى ذلك شرعاً.[٣]
إقرأ أيضا:ما حكم الطهارةحرَّمت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه أو بعده لأيّ سببٍ كان إلّا لعُذرٍ شرعيّ؛ حيث جاء في قرارها ما مضمونه:[٦]
- لا يجوز إسقاط الجنين ما دام في بطن أمّه، ويستوي في ذلك الجنين في كافّة مراحله التي يمرُّ بها؛ إلا لمبرّر وسببٍ مشروع، وذلك في حدود ضيّقة جداً.
- إذا كان الحمل في بدايته؛ أي في الطور الأول منه، وهي مرحلة الأربعين يوماً الأولى من عمر الجنين، وكان يترتّب على إسقاطه مصلحةٌ مُتحقّقةٌ شرعاً، أو دفع مَضرَّةٍ مُحتّمة جاز إسقاطه، أمّا إن كان الدافع من إسقاطه دفع المشقّة الناتجة عن تربية الأولاد، أو كان بسبب الخوف من عجز الأب عن تكاليف معيشة أبنائه، وما يلحق ذلك من نفقات تعليم، وتطبيب، وتأمين مستقبلهم، أو كان سببه اكتفاءً بما عند الزوجين من الأولاد، فيكون الإسقاط غير جائزٍ شرعاً.
أقسام إسقاط الجنين
ينقسم إسقاط الجنين عند علماء الطبّ إلى عدّة أقسام، فكما قسَّم علماء الفقه إسقاط الجنين باعتبار نفخ الروح فيه إلى مرحلتين رئيستين، هما: إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه، وإسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه؛ وذلك حسب ما أشارت إليه النصوص الصريحة في كتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنّة رسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كذلك، فقد جعل علماء الطبّ لإسقاط الجنين عدّة أقسام، وفيما يأتي بيان أقسام إسقاط الجنين عند علماء الطب الحديث
إقرأ أيضا:حرم الله أكل الميتة، وأحل ميتتان، ما هما