علي بن أبي طالب
إذا ذُكر عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- تجتمع الخصال الحسنة، والصفات الحميدة، فهو خير شباب قومه، وأكثرهم جرأةً وإقداماً. وقد كان من السبّاقين إلى الإسلام مع صِغَر سنّه، راجح العقل، مستنير البصيرة. وقد كان لعلي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- العديد من المواقف التي ظهر فيها عِظَم شجاعته.
نسب علي بن أبي طالب
هو عليّ بن أبي طالب، أمير المؤمنين، أبوه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة؛ ويصل نسبه إلى عدنان، أمّا كنيته فهي أبو الحسن والحسين، كما يكنّى بابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُلقّب أمير المؤمنين عليّ -رضي الله عنه- بأبي تراب، وهو أحبّ لقب دعي به؛ لأنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- هو من أطلقه عليه.[١]
وقد رُوي عن سهل بن سعد الساعديّ: ( جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بَيتِ فاطمَة عليها السَّلامُ، فَلم يَجِد عليّاً في البَيتِ، فَقال صلى الله عليه وسلم:أينَ ابنُ عمِّكِ؟ فَقالت: كان بَيني وبَينَه شيءٌ، فَغاضَبَني فخَرجَ، فَلم يَقِلْ عِندي، فَقال رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لِإنسانٍ: انظُر أينَ هوَ، فَجاء فَقال: يا رَسولَ اللهِ، هوَ في المَسجدِ راقدٌ، فَجاء رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وهوَ مُضطجِعٌ، قدْ سَقطَ رِداؤُه عَن شِقِّه فأَصابَه تُرابٌ، فَجَعل رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يَمسَحُه عنهُ، وهوَ يَقولُ: قُم أبا تُرابٍ، قُم أبا تُرابٍ).[٢]
إقرأ أيضا:كيف بنيت الكعبةمولد علي بن أبي طالب وإسلامه
وُلد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قبل بعثة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين، وهو أوّل من أسلم من الصبيان، يعني أنّه من أوائل من بادر إلى الإسلام، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنّة، وواحد من ستّة من مجلس شورى النّبي صلى الله عليه وسلم. وقد كان علي -كرّم الله وجهه- ملازماً للنبيّ – صلى الله عليه وسلم- منذ أن كان صغيراً، وإلى ما بعد إسلامه، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، هو الخليفة الرابع للمسلمين؛ بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، وقد شهد مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جميع الغزوات، باستثناء غزوة تبوك؛ حيث إنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان قد استخلفه على عياله وأهله، وهو زوج فاطمة الزهراء؛ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدة نساء أهل الجنّة.[١]
جهاد علي بن أبي طالب وشجاعته
موقف الهجرة النبويّة
من أبرز ما كان يُميّز أميرَ المؤمنين عليّاً بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- قوّة إيمانه، وشجاعته منقطعة النّظير، والقوّة النفسيّة، وما يدّل على مواقفه في الإسلام، وعظيم عقيدته الرّاسخة، وإيمانه القويّ، وشجاعته الشديدة؛ وما فعل في الهجرة النبويّة الشريفة، فقد افتدى عليٌّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ونام في فراشه؛ لمّا أحاط زعماء قريش ببيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ يريدون قتله، فأعمى الله -عزّ وجلّ- أعينهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرج من بينهم آمناً، وكاد القوم أن يقتلوا علياً رضي الله عنه؛ لاعتقادهم بأنّه النّبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلّ على شجاعة علي بن أبي طالب، وقوّة إيمانه.[٣]
إقرأ أيضا:خطب عمر بن الخطابموقف غزوة بدر
لقد كان لعليٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- دورٌ بارزٌ في غزوة بدر؛ فقد كان أحد الثلاثة الذين بدأوا المعركة بالمبارزة، وقد بارز علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الوليد بن عتبة بن ربيعة، وقتله.[٣]
موقف غزوة أحد
في غزوة أحد أيضاً برزت شجاعة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقد كان شجاعاً صنديداً، لا يهاب الموت، ولا يخشى الشجعان ولا الفرسان، ومن مواقفه في غزوة أحد؛ أنّ القتال يومها كان قد ابتدأ بمبارزةٍ بين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وطلحة بن عثمان، وكان طلحة حينها يحمل لواء المشركين، وقد طلب المبارزة مراراً، حتى خرج إليه عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (والذي نفسي بيدهِ لا أفارقكَ حتى يجعلكَ الله بسيفي إلى النار، أو يجعلني بسيفك إلى الجنة، فضربه عليٌّ، فقطع رجلَه، فوقع على الأرض، فانكشفت عورته، فقال طلحة بن عثمان: يا ابن عمي أنشدك الله والرحم، فرجع عليٌّ عنه، ولم يُجهز عليه، فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الصحابة لعليّ: أفلا أجهزتَ عليه؟ قال عليٌّ: إنَّ ابن عمّي ناشد في الرحمِ حين انكشفت عورتَه، فاستحييت منه).[٣]
إقرأ أيضا:كيف توفي عثمان بن عفانوقد كان عليٌّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في مقدمة الجيش من جهة الميمنة بعد التحام الجيشين، وبعد استشهاد مصعب بن عمير –رضي الله عنه- أخذ عليٌّ الراية، وأعمل سيفه في قتل المشركين، حتى قتل منهم عدداً كبيراً. ولمّا أُشيع خبر مقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم، افتقده عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندها رأى أنّ الحياة لا خير فيها بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكسر غمد سيفه، وحمل على القوم، حتى اطمأنّ أنّ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- لا يزال على قيد الحياة، وقد ثبت عليٌّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ودافع عنه حتى انتهت المعركة، وقد أصيب عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه يومها بست عشرة إصابة.[٣]
موقف غزوة الأحزاب
التقى عليٌّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في غزوة الأحزاب مع عمرو بن عبد ود، فوقف عمرو، وصاح بين المسلمين قائلاً: (من يبارز؟) فخرجَ له عليٌّ بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه- فقال: (يا عمرو، إنك كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه)، قال عمرو: (لم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك)، فقالَ عليٌّ: (لكنّي واللهِ أُحبُّ أن أقتلك)، فغضبَ عمرو عند سماعِ ذلك، ونزلَ عن فرسهِ، وضربها على وجهها، ثمَّ أقبلَ عمرو على عليٍّ بن أبي طالبٍ، وتبارزا حتى قُتلَ عمرو بن عبد وُد