بسم الله الرحمن الرحيم
مدح الله لأخلاق النبي الكريم:
الله عز وجل منح نبيه الكريم خصائص كثيرة لا تعد ولا تحصى، منحه الوحي، منحه المعجزات، منحه الفصاحة، منحه البيان، منحه التأييد، منحه الجمال، منحه أشاء كثيرة، لكن الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى حينما أثنى عليه لم يثنِ عليه لكل هذا الذي منحه إياه، بل أثنى عليه لخلقه العظيم .
سأوضح المعنى بمثل : لو أنك قدّمت لابنك مركبة، هل يعقل أن تقيم حفلا تكريميا له لأنك قدمت له هذه المركبة ؟ لا معنى لهذا الحفل، لكن إذا نال الدرجة الأولى في الثانوية تقيم له حفلا تكريميا، لأن التفوق من كسبه، ومن اجتهاده .
فالخُلق جهد بشري، عملية ضبط، الخلق عطاء، الخُلق أن تخرج من ذاتك، الخلق أن ترحم من حولك، الخلق أن تكون قدوة لهم .
إن الله عز وجل أعطى نبيه الكريم أدواة الدعوة، قال عليه الصلاة والسلام :
أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش
[أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري]
أعطاه فصاحة اللسان، أعطاه ذاكرة تفوق حد الخيال .
إقرأ أيضا:الجانب الاجتماعي في حياة الرسول(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)
[سورة الأعلى]
أعطاه المعجزات، أعطاه الوحي، أعطاه القرآن، عرج به إلى السماء، إلى سدرة المنتهى، ولم يذكر الله هذه العطاءات لأنها من الله عز وجل، وقد تلقاها بفعل أنه هيأه الله ليكون الداعية الأول في العالم .
لكن حينما أثنى عليه، أنثنى على خلقه :
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم)
[سورة القلم]
أما نحن فقد نجد أحدنا ذا خلق، ولكن لا كما وصف النبي :
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم)
( على ) تفيد الاستعلاء .
من أخلاق النبي الكريم:
1- سلوك النبي السوي مع الطرف الآخر:
المسلمون حينما فهموا دينهم فهماً مغلوطاً، واستباحوا أموال الطرف الآخر ينقدهم النبي بسلوكه، قبل أن يهاجر ترك ابن عمه علياً رضي الله عنه، وخاطر بحياته من أجل أداء الأمانات، وأموال المشركين ليسوا مؤمنين، أرأيت إلى هذه الدقة ؟ هذا الذي يستبيح أموال الطرف الآخر بدعوى أنه ليس مسلماً، فلنأخذ ماله يخالف منهج النبي عليه الصلاة والسلام، بل إن النبي لما قال عليه الصلاة والسلام :
ليس منا من غشَّ
إقرأ أيضا:حلم و غضب الرسول صلى الله عليه وسلم[أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة]
في رواية :
من غشَّنا
لو غششت غير مسلم تقع في إثم كبير، لأن الطرف الآخر إذا أسأت إليه لا يقول : فلان أساء إلي، يقول : الإسلام سيء، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك
[ورد في الأثر]
كل مسلم سفير الإسلام، والله وأنا أقول : لو أن الجاليات الإسلامية في العالم طبَّقتْ منهج الله لكان موقف الغرب من الإسلام غير هذا الموقف .
2- من أخلاق النبي اللين في الدعوة ؟!
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
[سورة آل عمران]
فكيف بإنسان لم تؤتَ الوحي، ولم يؤتَ الفصاحة، ولا الوسامة، ولا الحكمة ولا المعجزات، وفظ غليظ .
جاء واعظٌ بعضَ الملوك، قال له : سأعظك، وأغلظ عليك، قال له : ولمَ الغلظة يا أخي ؟ لقد أتى مَن هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل الله موسى إلى فرعون فقال له :
(فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)
[سورة طه]
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف
[أخرجه البيهقي، عن ابن عمرو]
فهذا العنف، وتلك القسوة في الدعوة إلى الله مخالفة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام .
المذيع :
اسمح لي آخذ هذا المعنى إلى جانب هو إكرام للنبي عليه الصلاة والسلام صاحب الخلق الرفيع والرحمة، وعدم الغلظة، لما قال الله عز وجل في كتابه :
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)
[سورة الأنفال الآية : 33]
الإكرام لهذا الخلق، حتى لو أساءوا فبوجودك بينهم :
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (03-95) : ثناء الله على أخلاق منحة للنبي عليه الصلاة والسلام
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2005-10-17