خَلْق الله
خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان في أحسن تقويم وفي أكرم صورة، وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى؛ ليُكمّل منهما الآخر، قال الله تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وقد اقتضت حِكْمة الله -سبحانه وتعالى- أن جعل لكلٍّ من الذكر والأنثى خصائص وصفات تميّزه عن غيره، ومن شأن تلك الصفات والخصائص تحقيق التكامل بينهما، فكان تكوين الرجل بما أمدّه الله -تعالى- به من القوّة البدنيّة مناسباً مع سعيه للعمل وطلبه للرزق، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة فكان تكوينها مناسباً لما سُتناط به من حمل وولادة ورعاية، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح هناك إقبال من بعض الناس على إحداث تغييرات في خِلْقتهم وهيئتهم، ومنه تشبّه كلّ من الجنسين بالآخر، فما هم حُكْم تشبّه الرّجال بالنساء؟
معنى التشبّه
توجد العديد من المعاني اللغويّة والاصطلاحيّة للتشبّه، وفيما يأتي بيان ذلك:
- معنى التشبّه لغةً: التشبّه في اللغة اسم، ويُقال: تشبّه بفلان؛ أي: تمثَّل به، أو اقتدى به، أو حاكاه، وتشبّه بالنّساء؛ أي: ماثلهنّ في حركاته وسلوكه، وتشبّه بالكرام؛ أي: صنع صنيعهم، والمشابهة تعني: التقاء شيئين أو أكثر في بعض الصّفات، وجاء أيضاً في معجم مقاييس اللغة أنّ الشين والباء والهاء أصل واحد يدلّ على تشابه الشيء وتشاكله في اللون والوصف، ويُقال: شِبْهٌ وَشَبَهٌ وَشَبِيهٌ.
- معنى التشبّه اصطلاحاً: يُعرّف التشبّه في الاصطلاح بعدّة تعاريف، منها:[٥]
- أن يتكلّف الإنسان في مشابهة غيره، في كلّ أو بعض ما يتّصف به.
- محاولة الإنسان أن يكون شبهاً للمتشبَّه به؛ في هيئته، وحُلّته، وصفته، وأن يكون متكلّفاً في ذلك وقاصداً له.
- أن يتكلّف الإنسان في مشابهة غيره، في القيام بعبادة، أو عادة، أو صفة، أو لِباس، أو فعل، أو سلوك نهى عنه الله سبحانه وتعالى، وهو التشبّه المنهي عنه.
حكم تشبه الرجال بالنساء وضوابطه
يعدّ تشبّه الرّجال بالنّساء، وتشبّه النّساء بالرّجال، من الأمور المُنكرة في الدين الإسلاميّ التي يُلعن صاحبها، وهي من كبائر الذّنوب التي تُهلك صاحبها، ودليلهم في ذلك أنّ في هذه الأفعال مناقضة ومخالفة للفطرة السليمة التي فطرها الله -سبحانه وتعالى- لعباده، ولِمِا في التشبّه من المفاسد الدينيّة والدنيويّة، واستدلّوا بما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الحديث النبويّ:
إقرأ أيضا:حكم لبس الدبلة- روى الصحابيّ الجليل ابن عبّاس -رضي الله عنه- عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (لعَن رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُتَشَبِّهينَ من الرّجالِ بالنّساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ من النّساءِ بالرّجالِ).
- روى الصحابيّ الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لعن رسولُ اللهِ الرجلَ يلبس لبسةَ المرأةِ، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجُلِ).
- والتشبّه المذموم والمحرّم، مضبوطاً بثلاثة ضوابط؛ هي:
- أن يصدر التشبّه من صاحبه وهو قاصد له.
- أن يكون التشبّه من اختيار الشخص المتشبِّه؛ أي ألا يكون مُكرَهاً على ذلك، فإن كان مُكرَهاً فلا يأثم على ذلك؛ لِما ورد عن ابن عبّاس فيما رواه عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (إنَّ اللهَ تجاوَز عنْ أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليه).[
- أن يكون التشبّه فيما يتميّز به أحد الجنسين عن الآخر، أو أن يكون عادةً وطبعاً في الجنس الآخر، أو جاء النّص بتخصيصه لأحدهما.
مجالات تشبّه الرجال بالنساء عند الفقهاء
ذكر الفقهاء صوراً لتشبّه الرّجال بالنّساء، وكان جلّها تشبّهاً في الأعمال الظاهرة؛ مثل: تغيير طريقة الكلام، والعمل على ترقيقه، وفعل أفعال كأفعال النّساء؛ مثل: الزغاريد في المناسبات، فقد ذكر الفقهاء كراهة ذلك بالنسبة للرّجال، إلّا إذا كان القصد منه التشبّه بالنّساء فيصبح حراماً، وكذلك الأمر بالنسبة للأفعال التي تعود إلى العُرف؛ مثل: الضرب بالدفّ إذا فعله الرجال؛ فقد كان في زمن سابق من عُرف النساء، ويدخل أيضاً في صور تشبّه الرّجال بالنّساء؛ وكذلك التشبّه بملابس النّساء وهيئتهن، والزينة والحركات
إقرأ أيضا:ما كفارة ترك الصلاة