في هذا المقال، سنلقي الضوء على أبرز الطوائف المسيحية الموحدة المبكرة. وإننا لا نعني بـ”الموحدة” أنها طوائف تؤمن جميعها بالتوحيد الخالص الذي عليه المسلمون، ولكنها في مجملها الأقرب إلى التوحيد والأبعد عن التثليث.
أبرز الطوائف المسيحية الموحدة المبكرة
الأبيونية
طائفة مسيحية انتشرت في فلسطين والمناطق المجاورة مثل قبرص وآسيا الصغرى حتى وصلت إلى روما، يتحدثون الآرامية وبالرغم من أن معظم أتباعها من اليهود اتخذوا لهم لقب الناصريين فقد اتبعها عدد من الأمم (أي من غير اليهود). انتشرت الأبيونية في أيام المسيحية الأولى لكنها لم تصبح مذهبا له أتباعه ومريدوه إلا في أيام حكم الإمبراطور (تراجان – 52 117 بعد الميلاد).
نقل عن أوسابيوس (340 م) الملقب بأبي التاريخ الكنسي وهيرودس المسيحية قوله أن الانجيل حسب العبرانيين هو الأصح في نظر العبرانيين الذين آمنوا بالمسيح ويقول عن الأبيونيين أنهم كانوا يستخدمون فقط الانجيل المسمى بحسب العبرانيين وقلما يكترثون بغيره.
ويقول عن عقيدتهم: أنهم كانوا يحفظون السبت وسائر العادات اليهودية ويغارون على إقامة أحكام التوراة ويعتبرون أن الخلاص لا يقوم على الايمان بالمسيح وحده بل على إقامة شريعة موسى أيضا.
إقرأ أيضا:التثليث بين الوثنية والمسيحيةوهناك أبيونيون فريسيون وأبيونيون معتدلون وأبيونيون أسينية. وعلى الرغم من الخلافات الفرعية بين هذه الطوائف، إلا أنها تتفق جميعا على رفض مذهب التثليث (الإيمان بالآب والابن والروح القدس) وإنكار لاهوت المسيح وعدم الاعتراف بوجوده الإلهي.
البولينية
في أواسط القرن الميلادي الثالث، ظهرت فرقة البولينية وهم أتباع بولس الشمشاطي، والذي تولى أسقفية إنطاكية عام 260 بعد الميلاد كما كان يشغل منصباً كبيراً في مملكة تدمر.
ويقول كتاب مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة: ملة تدعى البولية أو البوليانيون، وهي ملة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية، وهم الذين يؤمنون بأن الله إله واحد، جوهر واحد، أقنوم واحد، ولا يسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بأن الكلمة مخلصة، ولا أنها من جوهر الأب، ولا يؤمنون بروح القدس المحيي، ويقولون: إن المسيح إنسان خلق مثل خلق آدم، وكمثل واحد منا في جوهره، وأن الابن ابتداؤه من مريم.
الأريوسية
آريوس (256 – 336 بعد الميلاد) هو مؤسس مذهب الآريوسية في الديانة المسيحية الذي يقول بأن الكلمة ليس بإله، بل بما أنه “مولود” من الله الآب فهو لا يشاركه طبيعته، بل تقوم بينهما علاقة “تبني”.
وعلى الرغم من اعتبار آريوس هرطوقا في مجمع نيقية الذي عقده الإمبراطور قسطنطين وعلى الرغم من إدانته قبلها في مجمع محلي عقد بالإسكندرية عام 316 ومجمع محلي آخر عقد في أنطاكية عام 320 وعلى الرغم من قيام مجمع القسطنطينية الأول بوضع حرم نهائي في عام 381 على أي شكل من أشكال الأريوسية، إلا أنه توالى أباطرة أريوسيون على عرش الإمبراطورية البيزنطية خلال الفترة من 325 إلى 381 بعد الميلاد، إذ إن كلا من قسطنطين الثاني وفالنس كانوا آريوسيين أو شبه آريوسيين.
إقرأ أيضا:تاريخ المسيحية والتحول من التوحيد إلى التثليث (4/1)وعلى الرغم من أنّ الآريوسية في أعقاب مجمع القسطنطينية الأول قد انقرضت من الشرق، فإنها ظلت في الغرب خصوصًا في ألمانيا وبعض مناطق البلقان بنتيجة فرضها من قبل ملوك القوط الشرقيين على القبائل الواقعة تحت حكمهم، ولم تندمج في بنية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلا تدريجيًا وبحلول القرن الثامن.
أطلق على الآريوسية في كتابات آباء الكنيسة عمومًا مصطلح العدميين لأن إيمانهم بالثالوث الأقدس احتوى على عقيدة خلق الابن من العدم أي أن يسوع والذي هو الأقنوم الثاني وكذلك الروح القدس قد خلقا من العدم بإرادة الآب، بمعنى وجود فاصل زمني بين وجود الآب ووجود الابن والروح القدس.
ظهر في عام 1876 كنيسة الرسليين وانشق عنهم عام 1931 شهود يهوه، يرى البعض أن شهود يهوه وكنيسة الرسليين نوع جديد من أنواع الآريوسية، لكونهم يرفضون ألوهة المسيح الكاملة، ويتفقون أيضًا في نفي الدور المنسوب له في الخلاص. غير أن شهود يهوه يرفضون عقيدة الثالوث برمتها حتى ضمن صيغة آريوس ويرفضون أيضًا فكرة “نصف الإله” التي نادى بها.
السابيلية
السابيليه هم أتباع سابيليوس القائلين بأن الله أقنوم واحد ظهر تارة بكونه الآب وأخرى قام بدور الابن وثالثة بدور الروح القدس. تتلمذ سابيليوس على يد نوئيتوس وأصبح كاهنا وهو ليبـي الجنسية تعلّم في روما واستقر بها.. وأخذ عنه تعاليمه التي تنحصر في أن الإله أقنوم واحد أعطى الناموس لبني إسرائيل بصفته الآب، وصار إنسانًا في العهد الجديد بصفته الابن، وحلّ على الرسل في علّية صهيون بصفته الروح القدس. ولهذا أعتبر أن ما حّل بالابن من آلام قد حّل على الآب، لهذا دعيت هذه الفئة باسم “مؤلمى الآب “
إقرأ أيضا:تاريخ المسيحية والتحول من التوحيد إلى التثليث (4/4)وقد قام سابيليوس بشرح ما تُعلِّمه الكتب المقدسة عن الآب والابن والروح القدس بنوع يختلف عن نوئيتوس، فاعتقد أن جزءً من الطبيعة الإلهية أُفرز من الله الآب وكوّن الابن بالاتحاد مع الإنسان يسوع المسيح، وأن جزءً آخر انفصل عنه فكوّن الروح القدس، واعتقد سابيليوس أن عقيدة الثالوث فى المسيحية في الله الواحد عقيدة صعبة وغير مقبولة ومرفوضة من اليهود والوثنيين رفضاً تاماً، لذا فكر سابيليوس فى تبسيط وشرح هذه العقيدة فى عقيدة مكونة من مراحل ثلاث كما يلى:-
المرحلة الأولى: الله الأزلي الذي خلق العالم وكل ما فيه خرج عن صمته وعن راحته بخلق هذا العالم، وعندما خلقه أصبح الله الآب الخالق جوهراً واحداً وشخصاً واحداً، ووحدة واحدة وهو نفس الشخص من الخلق إلى التجسد.
المرحلة الثانية: عند التجسد، فالله نفسه، نفس الشخص والجوهر هو الذي تجسّد في الإنسان يسوع الناصري أي أن الإله الذي تجسّد في يسوع الناصري ليس الابن أو اللوغوس بل هو الله نفسه، أي أن الآب أصبح ابناً وهو الذي صُلب وتألم ومات.
المرحلة الثالثة: بعد الصعود، فالروح الذي حلّ على التلاميذ يوم الخمسين هو نفس الشخص الذي كان يعمل في العهد القديم، وهو نفسه الذي صار ابناً أي أن الله أخذ شكل الآب في بداية الخلق، وفي التجسّد انتحل شكل الابن وبعد ذلك انتحل شكل الروح القدس.
مما سبق يمكن تلخيص معتقده أنه يؤمن بوجود إله قام بأدوار ثلاثة في ثلاث حقب مختلفة من الزمن. لاقى تفسير سابيليوس رواجاً عظيماً حتى أطلق كثيرون عليه الانتحالية السابلينية، وقد اقتنع بفكره الكثير من معلمي الكنيسة لسهولتها وعدم تعقيدها.
انتشرت عقيدة سابيليوس في روما ومصر، وأول من اعتنق عقيدة نوئيتوس وسابيليوس هو زفيرينوس أسقف رومية وكاليستوس خليفته، وساعدا على نشر معتقدهما حتى انتشرت تلك العقيدة وعمَّت أنحاء الغرب. غير أن كاليستوس سام أساقفة وقسوسًا وشمامسة من الذين تزوّجوا ثانية وثالثة، ثم أباح العماد لمغفرة الخطايا وادّعى بأن الأسقف لا يُقطَع من الكهنوت مهما ارتكب من الآثام. ولما لم يوافقه سابيليوس على ذلك حرمه، فجاء إلى مصر سنة 257 بعد الميلاد.
قام البابا كاليستوس بإصدار حرماناً ضد سابيليوس وأتباعه عام 220 بعد الميلاد، ويقول بعض المؤرخين أن سابيليوس قد ظل في روما بعد حرمانه ولكن البعض الآخر يرى أنه حضر إلى مصر ونشر تعاليمه بها. وبرغم دفاع الكنيسة ضد هذا المذهب إلا أنه انتشر بسرعة كبيرة في أماكن كثيرة جداً من المسكونة.
وأخذ ينشر فيها عقيدة مؤلّمي الآب فجذب إليه كثيرين، ولما عرف البابا ديونيسيوس أمره قاومه بشدة، وانتهى الأمر أخيرًا بحرم سابيليوس في مجمع عقد سنة 261 بعد الميلاد.
ترجع السابيلية Sabellianism، أو Modelist، أو المونارخية (الوحدانية المطلقة) Monarchianism، وفي الغرب تدعى مؤلمي الآب Patripassianism، إلى عصر الشهيد يوستين الذي أدان القائلين بأن “الابن هو الآب”. جاءت هذه الحركة أولاً كرد فعل لمقاومة الفكر الغنوصي في القرن الثاني، حيث كان الغنوصيون يتطلعون إلى الابن والروح القدس كونهما أيونان صادران عن الله الأسمى، وأنهما أقل منه، فأراد البعض تأكيد الوحدانية بين الثالوث فسقطوا في نوعٍ من السابيلية. وجاءت أيضًا كرد فعل ضد الأريوسية في القرن الرابع، استخدمها مارسيلليوس أسقف أنقرة لنزع فكرة التدرج عند الثالوث القدوس. لقد أوضح ترتليان في مقدمة مقاله ضد براكسيس Praxeas أن هذه العقيدة إنما ظهرت خلال الرغبة في تأكيد الإيمان الأرثوذكسي.
وكان سابيليوس أول من اعتنق عقيدة نوئيتوس وسابيليوس زفيرينوس أسقف روما وكاليسطوس خليفته وساعد على نشر معتقدهما حتى انتشرت هذه العقيدة فى الغرب، ومما زاد الطين بله أن كاليسطوس سام اساقفة وفسوساً وشمامسة من الذين تزوجوا ثانية وثالثة – ثم اباح العماد لمغفرة الخطايا – وأدعى أن الأسقف لا يقطع من الكهنوت مهما جنى من آثام.
سابيليوس فى مصر وعقيدته مؤلمى الآب: ولكن سابيليوس لم يوافقة على الأعمال الأخيرة فحرمه فترك روما وذهب إلى مصر سنة 257 بعد الميلاد وأخذ ينشر فيها عقيدته التى أساسها عقيدة نوئيتوس ومعتقد “مؤلمى الآب”
مؤلمو الآب يعتقدون أن الذات نفسه لا أحد أقانيمه هو الذى كفر عن خطايا البشر. وقد استقطب سابيليوس بعقيدته هذه كثيرين من الناس وبعض الأساقفة فقاومه البابا ديونيسييوس فى منشور أرسله إلى الأسقفين أمونيوس وأفراندر، ولما لم يتمكن من أرجاع سابيليوس حرمه فى مجمع عقده بالأسكندرية سنة 261 بعد الميلاد.