في طواف المسلم وسعيه في الحج بين الصفا والمروة مواطن لدعاء الله والالتجاء إليه، وبين رميه للجمار مواطن للدعاء كذلك، فكل الحج بمشاعره ومناسكه موطن للذكر والدعاء…
فيصل بن عبد الله العمري
موسم الحج موسم كريم.. الناس فيه بين حاج شهد المشاعر فوقف بعرفة داعيا ربه سبحانه متضرعاً إليه، وفاض إلى مزدلفة وشهد المشعر الحرام ذاكرا الله سبحانه وتعالى مبتهلا إليه:”فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ” (البقرة:198) ورمى جمرة العقبة وذكر الله مع رميه، ثم نحر هدي تمتعه وحلق رأسه وطاف بالبيت العتيق مستجيبا لنداء الله: “ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ” (الحـج:29)، وبات بمنى أيام التشريق حتى يكتمل له نسكه، ورمى الجمار الصغرى والوسطى والكبرى بما فيه اقتداء بإبراهيم الخليل عليه السلام, ثم جعل آخر عهده بالبيت طواف الوداع, امتثالا لأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسل: (لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) رواه مسلم.
فالحج مناسك ومشاعر يعيشها الإنسان المسلم متقلباً في عبودية الله بين امتثال أمره وتطبيق شرعه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في أداء مناسك الحج القائل: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم, وبين ذكر الله والابتهال إليه؛ فالحاج من حين أن يحرم إلى أن يرمي جمرة العقبة وهو يهل بالتوحيد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، كذلك هو يتقلب بين المناسك يدعوا الله ويلتجئ إليه، ففي عرفة الموقف العظيم، وفي مزدلفة المشعر الكريم، الذي ما وفق أحد للدعاء فيهما فرُدَّ كما قال أهل العلم.
إقرأ أيضا:هل العقل وحده كافٍ للإيمان ولا حاجة للوحي؟كذلك في طوافه المسلم وسعيه في الحج بين الصفا والمروة مواطن لدعاء الله والالتجاء إليه،وبين رميه للجمار مواطن للدعاء كذلك، فكل الحج بمشاعره ومناسكه موطن للذكر والدعاء:”لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ” (الحـج:27) وقال تعالى: “وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ” (البقرة:203) وقال صلى الله عليه وسلم : (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله) رواه أبو داود والترمذي.
ختام مناسك الحج.. أشدُّ الذكر
ثم جعل الله ختام المناسك الأمر بذكر الله أشد الذكر فقال سبحانه:”فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا” (البقرة:200) وإنما أمر الله بهذا بعد الحج ليظل المسلم على عهد الاستقامة والصلاح ويواصل المسيرة في درب التقوى والفلاح.
هذا هو حال الحاج مع حجه لبيت ربه أثناء الحج, وإن شخصاً هذا حاله في هذه الأيام المعدودات لجدير به أن يواصل بعد حجه ما كان منه في حجه من إقامة لذكر الله وتذلل بالعبودية له, وحرص على اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهديه مع ما فيه من مشقة وتعب, وإنه بدون مشقة وتعب أجدر أن يحرص على تمام الاستجابة لله وكمال العبودية له, مع حذره مما يخالف ذلك كما كان يحذر أثناء حجه من إتيان ما يخدش حجه أو ينقصه من محذورات ومنهيات.
إقرأ أيضا:هل الله موجود؟أفضل أيام العام لغير الحاج
وأما من لم يحج فقد كان في أيام مباركات ومرت به ساعات فاضلات؛ فعشر ذي الحجة (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله منه في هذه الأيام العشر) أخرجه البخاري عن ابن عباس, ويوم عرفة صيامه يعدل صيام سنة فائتة وسنة لاحقة كما في مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، ويوم النحر يوم الحج الأكبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يوم الحج الأكبر يوم النحر) أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند صحيح وأخرجه البخاري تعليقاً, وفيه الأضحية التي أمر الله بها في قوله تعالى: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” (الكوثر:2).
فإذا كان المسلم في هذه الأيام المباركات يتقلب بين ذكر الله والذبح له والصيام، فجدير به أن تكون له هذه العبادات مهذبة لسلوكه مربية له على الاستمرار على الطاعة بعدها إذ أن عبادة الله عز وجل لا تُوقت بزمان ولا تُحد بمكان بل كل وقت الإنسان ينبغي أن يكون مصروفاً في طاعة الله ومرضاته: “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين” (الأنعام:162،163).
إقرأ أيضا:تحويل القبلة.. لماذا؟وبعد أخي الكريم يا من أدركت هذه الأيام الفاضلة هل خرجت منها بحال أحسن من حالك قبلها فتفرح بفضل الله ورحمته: “قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ“(يونس:58) أم أنك خرجت منها كما دخلت كأنك ما حججت، أو ما صمت وما نحرت فعند ذلك ابكِ على خطيئتك واستغفر ربك من تقصيرك وزلتك، فإذا لم تغتنم مواسم الخيرات والأيام الفاضلات فمتى يكون الاغتنام إذا؟