الوهم لغة
مصدر قولهم: وهم يهم (مثل وعد يعد) ، وهو مأخوذ من مادة (وه م) التي تدل- فيما يقول ابن فارس- على معان متفرقة لا تنقاس (أي لا ترجع إلى أصل واحد) ، فمن ذلك الوهم، وهو البعير العظيم، وقيل الجمل الضخم العظيم، والوهم: الطريق، وقيل الطريق الواسع. والوهم:
وهم القلب، يقال منه: وهمت في الشيء أهم وهما، إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، ووهمت (بكسر الهاء) في الحساب أوهم وهما ووهما. إذا غلطت فيه وسهوت، ويقال أيضا أوهم من الحساب مائة، وأوهم من صلاته ركعة أى أسقط. وأوهمت غيري إيهاما ووهمته توهيما (أي جعلت ذلك في وهمه) وأوهمت الشيء: تركته كله، وأوهمت في كتابي وكلامي: أي أسقطت منه شيئا، وتوهمت: ظننت، واتهمت فلانا بكذا (رميته به) ، والاسم التهمة (بالتحريك) وأصل التاء فيه واو مثل تكلة، وأتهم الرجل: إذا صارت به ريبة، وقولهم لا وهم من كذا، أي لا بد منه.
وقال ابن منظور: الوهم: من خطرات القلب، والجمع أوهام، وللقلب وهم.
وتوهم الشيء: تخيله وتمثله، كان في الوجود أو لم يكن. وقال: توهمت الشيء وتفرسته وتوسمته وتبينته بمعنى واحد، قال زهير:
وقفت بها من بعد عشرين حجة … فلأيا «1» عرفت الدار بعد توهم ويقال: وهمت في كذا وكذا أي غلطت.
إقرأ أيضا:القتلوأوهمت الشيء تركته كله أوهم. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى فأوهم في صلاته، فقيل:
كأنك أوهمت في صلاتك، فقال: كيف لا أوهم ورفغ «2» أحدكم بين ظفره وأنملته؟ أي أسقط من صلاته شيئا.
قال الأصمعي: أوهم إذا أسقط، ووهم إذا غلط. وفي الحديث: أنه سجد للوهم وهو جالس أي للغلط.
وأورد ابن الأثير بعض هذا الحديث أيضا فقال: قيل له كأنك وهمت، قال: وكيف لا إيهم؟ قال: هذا على لغة بعضهم؛ الأصل أوهم بالفتح والواو، فكسرت الهمزة، لأن قوما من العرب يكسرون مستقبل- فعل- فيقولون إعلم وتعلم، فلما كسر همزة أوهم انقلبتالواو ياء. ووهم في الصلاة وهما ووهم، كلاهما:
سها. فإذا ذهب وهمك إلى الشيء قلت: وهمت إلى كذا وكذا أهم وهما. وفي الحديث أنه وهم في تزويج ميمونة أي ذهب وهمه إليه. وقيل: أوهم ووهم ووهم سواء، وأنشد:
فإن أخطأت أو أوهمت شيئا … فقد يهم المصافي بالحبيب «1» .
الوهم اصطلاحا
قال الراغب: الوهم: انقياد النفس لقبول أثر ما يرد عليها «2» .
وقال الجرجاني والمناوي: الوهم: قوة جسمانية للإنسان محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات «3» .
إقرأ أيضا:الأثرةوقال الكفوي: الوهم (كما في القاموس) من خطرات القلب، وقيل: هو (إدراك) مرجوح طرفي المتردد فيه، وهو عبارة عما يقع في الحيوان من جنس المعرفة من غير سبب موضوع للعلم، وهو أضعف من الظن وكثيرا ما يستعمل الوهم في الظن الفاسد «4» .
أما التوهم فقد عرفه الجرجاني بقوله: التوهم هو إدراك المعنى الجزئي المتعلق بالمحسوسات «5» .
الفرق بين الوهم والخاطر والخيال
قال الراغب: الفرق بين الوهم والخاطر أن الخاطر يقال فيما لا تقبله النفس، والوهم لا يقال إلا فيما تقبله، أما الخيال فإنه يقال اعتبارا بما يكون من جهة الحاسة وفيما له صورة ما «6» .
الفرق بين الوهم والظن والشك
قال الكفوي: الشك هو اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، بمعنى أن يكون طرف الوقوع واللاوقوع على السوية، وإن كان أحد الطرفين مرجوحا فالمرجوح هو الوهم، والراجح هو الظن «7» .
الفرق بين التوهم والتصور
يكمن الفرق بينهما- كما يقول العسكري- في أن تصور الشيء يكون مع العلم به وتوهمه لا يكون مع العلم به، لأن التوهم من قبيل التجويز وهو ينافي العلم، وقال بعضهم: التوهم يجري مجرى الظنون يتناول المدرك وغير المدرك، وقال آخرون: التوهم هو تجويز ما لا يمتنع من الواجب والجائز، ولا يجوز أن يتوهم الإنسان ما يمتنع كونه (وجوده) ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يتوهم (متوهم) الشيء متحركا ساكنا في حالة واحدة «8» .
إقرأ أيضا:إطلاق البصرالتوهم بين المدح والذم
جعل الراغب جودة التوهم من توابع العقل عندما قال- رحمه الله-: العقل إذا أشرق في الإنسان يحصل عنه العلم والمعرفة والدراية والحكمة، كما يحصل عنه الذكاء، والذهن، والفهم، والفطنة، وجودة الخاطر، وجودة التوهم، والتخيل، والبديهة … » «1»
ومن هنا يكون التوهم أو الوهم أمرا محمودا فإذا كان التوهم سيئا كان صادرا عن الهوى لا عن العقل، ومن ثم يكون مذموما، أما الوهم بمعنى النسيان أو الترك لما لا ينبغي تركه فإنه لا يوصف بمدح أو ذم لأنه لا حيلة للإنسان فيه، ويدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
[للاستزادة: انظر صفات: الشك- الوسوسة سوء الظن- القلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اليقين- حسن الظن- التوكل- الطمأنينة- السكينة] .
الأحاديث الواردة في ذم (الوهم)
1-* (عن أبي روح الكلاعي- رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فقرأ فيها سورة الروم فلبس بعضها، قال إنما لبس علينا الشيطان القراءة من أجل أقوام يأتون الصلاة بغير وضوء. فإذا أتيتم الصلاة فأحسنوا الوضوء) * وعن عبد الملك بن عمير قال: سمعت شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصبح فقرأ فيها الروم فأوهم فذكره) * «1» .
2-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تمام، كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة.
وكانت صلاة أبي بكر متقاربة. فلما كان عمر بن الخطاب مد في صلاة الفجر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال «سمع الله لمن حمده» قام. حتى نقول: قد أوهم.
ثم يسجد. ويقعد بين السجدتين. حتى نقول: قد أوهم «2» ) * «3» .
من الآثار الواردة في ذم (الوهم)
1-* (عن الحكم قال: سمعت أبا وائل يقول: قال عبد الله: من أوهم في صلاته فليتحر الصواب ثم يسجد سجدتين بعد ما يفرغ وهو جالس) * «4» .
من مضار (الوهم)
(1) انفاق الجهد فيما لا يفيد.
(2) طاعة الشيطان في وسواسه.
(3) يؤدي إلى مرض النفس والتذبذب في العقيدة.