شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

المولود في السنة النبوية

حب الأولاد أمرٌ فِطْري في النفس البشـرية، فهم متاع الدنيا وزينتها، تُسر القلوب والعيون برؤيتهم، ويسعد الأبوان بولادتهم، وهم شباب الغد الذي تنعقد عليهم آمال المستقبل، قال الله تعالى: { المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا }(الكهف من الآية:46)،وهم نعمة عظيمة من نعم الله سبحانه، يهبها لمن يشاء، ويمسكها عمن يشاء، وقد بشرت الملائكة بهم رسل الله وزوجاتهم، قال الله تعالى:{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا }(مريم الآية: 7)، وقال عن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ: { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}(هود الآية: 71 )، والمقصود بالأولاد: البنين والبنات، قال الله تعالى: { للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(الشُّورى من الآية 49: 50 )، وقد ذم الله ـ عز وجل ـ من يتضايق بولادة البنات،  لأنه ـ سبحانه ـ الذي وهبها كما وهب الذكر، فقال تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }(النحل من الآية 58 : 59 ).
وقد اهتم النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ بأمر المولود منذ اللحظات الأولى لمجيئه للحياة، بل قبل أن يولد، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل باختيار الزوجة الصالحة، التي ستكون أما ومربية للطفل، كما رغب المرأة في إيثار الزوج الصالح، الذي سيكون أبا وقدوة له، لينشأ الطفل ويتربى في بيئة صالحة ـ من الأب والأم ـ، ويصبح عضوا نافعا في بناء المجتمع والأمة.

إقرأ أيضا:حياء النبي صلى الله عليه وسلم

لحظة الولادة :

لحظات الولادة من أشق اللحظات على الأم وجنينها لما فيها من المشقة والكرب، وللمرأة أن تدعو بما أحبت، ولا يوجد دعاء خاصً بوقت الولادة، إلا أن الأم ولا شك مكروبة ومضطرة، ودعوة المضطر مستجابة كما قال الله تعالى: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }(النمل من الآية:62}، وقد علمنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعاء يقال في مثل هذه الحالات حيث قال: (دعوات المكروب: اللهم رحمتَك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ، وأصلحْ لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
فإذا جاء المولود الجديد ـ الولد أو البنت ـ فله في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثير من الحقوق والآداب على الوالدين فعلها معه، ومنها :

يؤذن في الأذن اليمنى للطفل :

من الصور الظاهرة في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تبين مدى اهتمامه وحرصه على تربية الأبناء على عقيدة التوحيد، أمره للوالدين بالأذان في أذن المولود حين ولادته حتى يكون أول ما يقرع سمعه كلمات التوحيد، فعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: ( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذَّن في أذن الحسن بن علي ـ حين ولدته فاطمة ـ بالصلاة ) رواه الترمذي .
قال ابن القيم: ” وسر التأذين ـ والله أعلم ـ: أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها ” .

إقرأ أيضا:التفاؤل سنة نبوية

تحنيك المولود، والدعاء له، والتهنئة والبشارة به :

التحنيك هو مضغ الشيء ووضعه في فم المولود، فعن أسماء ـ رضي الله عنها ـ: أنها قالت: ( خرجت وأنا متم (متمة لمدة الحمل) فأتيت المدينة فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم حنكه بتمرة، ثم دعا وبرَّك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام، ففرحو به فرحا شديدا ) رواه البخاري، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ) رواه مسلم، وعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: ( وُلِدَ لي غلام فأتيت النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فسماه إبراهيم وحنكة بتمرة ) رواه مسلم، وزاد البخاري: ” ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ “.
كما يستحب الدعاء للمولود بالبركة، وتبشير من وُلِدَ له مولود وتهنئته بذلك، ففي حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا لولده بالبركة بعد ولادته .
وقال ابن القيم في البشارة والتهنئة بالمولود: ” فإن فاتته البشارة استحب له تهنئته، والفرق بينهما أن البشارة إعلام له بما يسره، والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به “، وقال: ” ولا ينبغي للرجل أن يهنئ بالابن ولا يهنئ بالبنت، بل يهنئ بهما أو يترك التهنئة ليتخلص من سيئة الجاهلية، فإن كثيراً منهم كانوا يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها ” .

إقرأ أيضا:حِفظ الأسرار في سيرة النبي المختار

العقيقة وحلق الشعر، والتسمية :

العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود، فرحا به وشكرا لله على نعمه، وهي سنة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من وُلِدَ لَه ولدٌ فأحبَّ أن ينسكَ عنه فلينسك، عن الغُلام شاتان مُكافئتان وعنِ الجاريةِ شاة ) رواه أبو داود، وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( كلُّ غلامٍ مرتَهَنٌ بعقيقتِهِ تذبحُ عنه يوم السابع، ويُحلقُ رأسُهُ، ويُسمَّى ) رواه أبو داود .
ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، وتجزئ الشاة الواحدة عن المولود ـ ذكراً كان أو أنثى ـ، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( عقَّ عن الحسن والحسين كبشا كبشا ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
ويُسَن أن تُذبح العقيقة يوم السابع للولادة، فإن لم يكن ففي الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين، فعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( العقيقةُ تُذبَحُ لسبعٍ، أو أربع عشرة، أو إحدى وعشرينَ ) رواه أبو داود .
قال ابن القيم: ” والظاهر أن التقييد بذلك استحباب ـ أي باليوم السابع ـ وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده أجزأت، والاعتبار بالذبح، لا بيوم الطبخ والأكل ” .
ومن سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المولود حلق شعر رأسه في اليوم السابع من ولادته، وأن يتصدق بوزن هذا الشعر فضة، ويكون الحلق عقب ذبح العقيقة، لما رواه أحمد عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ( عقَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الحسن بشاة، وقال: يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة، قال: فوزنته فكان وزنه درهماً أو بعض درهم ) رواه الترمذي .
كما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتسمية المولود بأحسن الأسماء، كما نهى عن تسميته باسم قبيح أو اسم غير جائز شرعا، وفي ذلك اهتمام من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطفل منذ ولادته، ومكرمة له تساعده على الابتهاج حين يُدْعى باسم حسن، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ 🙁 أحب الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله وعبد الرحمن ) رواه أبو داود، وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تُسمِّينَّ غلامَك يَسارًا، ولا رَباحًا، ولا نَجيحًا، ولا أفلحَ، فإنك تقول: أثَمَّ هُوَ؟ فلا يكون ) رواه مسلم .

الختان :

عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب ) رواه البخاري . والفطرة في الحديث فسرها أكثر العلماء بالسنة .
قال النووي: ” تفسير الفطرة هنا بالسنة هو الصواب، والسنة هنا هي الطريقة المتبعة ” .
ومما استدل به الفقهاء على ختان البنات حديث أم عطية ـ رضي الله عنها ـ، فعن الضحاك بن قيس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض – أي تختن – الجواري، فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يا أم عطية: اخفضي ولا تُنهِكيِ، فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج ) رواه الطبراني وصححه الألباني، وعن أم عطية الأنصارية: أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تُنهِكيِ، فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البَعْل (الزوج) ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
وفائدة الختان معلومة، وله فوائد صحية كثيرة، ويكفي أنه اتباع لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي قال عنه ربه ـ عز وجل ـ: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(النَّجم الآية 3: 4 ) .

للمولود ميراثه، والزكاة عنه بمجرد ولادته :

عن جابر بن عبد الله و المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا يرثُ الصبيُّ حتى يستهلَّ صارخًا، واستهلالُه أن يصيحَ أو يَعطسَ أو يبكي ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين، حر أو عبد، رجل أو امرأة، صغير أو كبير: صاعا من تمر، أو صاعا من شعير ) رواه مسلم .

إن قدوم مولود جديد حدث له أهميته يستحق الاهتمام والاحتفاء به، وله من الآداب والأحكام الكثير في السنة النبوية، فالأولاد ـ ذكورا كانوا أو إناثا ـ هبة من الله ـ عز وجل ـ، وهم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وبهجة النفوس وقرَّة الأعين، وهم أمانة سنُسْأل عنها يوم القيامة، فينبغي علينا أن نرعاها ونهتم بها ونؤدي حقوقها، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }(التَّحريم الآية : 6 )، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ) رواه البخاري .

السابق
أُوَيْس الْقَرَنِيّ والإعجاز النبوي
التالي
حب الوطن من دروس الهجرة النبوية