العجلة لغة
العجل والعجلة: خلاف البطء، وهو مأخوذ من مادة (ع ج ل) التي تدل على الإسراع، ومن ذلك:
العجلة في الأمر، والعاجل والعاجلة، نقيض الآجل والآجلة وأعجله: سبقه، كاستعجله قال تعالى:
وما أعجلك عن قومك يا موسى (طه/ 83) أي ما حملك على أن تسبقهم «1» ، واستعجلته: تقدمته فحملته على العجلة، وأعجلت الناقة إعجالا. أي ألقت ولدها لغير تمام، فهي معجلة، والعجل محركة، ما استعجل من طعام فقدم قبل إدراك الغذاء، والعجالة (بضم العين) ما تزوده الراكب مما لا يتعبه أكله كالتمر والسويق، لأنه يستعجله أو لأن السفر يعجله عما سوى ذلك من الطعام.
وقول الله تعالى: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه (طه/ 114) هو كقول الله تعالى:
لا تحرك به لسانك لتعجل به (القيامة/ 16) أي لا تتله قبل أن تتبينه، وقيل: لا تسل إنزاله من قبل أن يأتيك وحيه، وقيل لا تلقه إلى الناس من قبل أن يأتيك تأويله «2» .
ويقال: عجل (بالكسر) يعجل (بالفتح) كفرح يفرح والعجل والعجلة: السرعة وهي خلاف البطء. ويقال: هو رجل عجل (بالكسر) وعجل (بالضم) وعجلان وعاجل وعجيل وعجول وامرأة عجلى.
والعجالة: ما تعجلته من شيء. وتقول عجلت له من الثمن كذا: أي قدمت. واستعجلته: طلبت عجلته، وكذلك إذا تقدمته ويقال:
إقرأ أيضا:الغضبأعجلني فعجلت له وعاجله الله بذنبه: إذا أخذه به ولم يمهله.
والاستعجال والإعجال والتعجل واحد بمعنى الاستحثاث وطلب العجلة «3» .
وقول الله تعالى: وكان الإنسان عجولا (الإسراء/ 11) . أي طبعه العجلة فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير، وقيل يؤثر العاجل وإن قل، على الآجل وإن جل «4» .
العجلة اصطلاحا
قال المناوي: العجلة: فعل الشيء قبل وقته اللائق به «1» .
وقال الراغب: العجلة: طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومة فى عامة القرآن حتى قيل: «العجلة من الشيطان» «2» .
دوافع العجلة
قال الفيروزآبادي- رحمه الله تعالى-: العجلة من مقتضيات الشهوة، فلذلك ذمت في جميع القرآن حتى قيل: العجلة من الشيطان، وأما قوله تعالى:
وعجلت إليك رب لترضى (طه/ 84) فقد ذكر أن عجلته وإن كانت مذمومة فالذي دعا إليها أمر محمود. وقوله تعالى: وكان الإنسان عجولا (الإسراء/ 11) وكذلك قوله تعالى: خلق الإنسان من عجل (الأنبياء/ 37) فهذا تنبيه وإخبار من الله- عز وجل- فإن ذلك أحد القوى التي ركب عليها. قال الشاعر:
لا تعجلن فربما … عجل الفتى فيما يضره ولربما كره الفتى … أمرا عواقبه تسره «3» .
إقرأ أيضا:الشححكم العجلة
عد الإمام ابن حجر: العجلة وترك التثبت في الأمور من الكبائر، وقد جاء فى الحديث: «العجلة من الشيطان» لأنه عندها يروج شره على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل وتروى عند الإقدام على عمل يريده فإنه تحصل له بصيرة به ومتى لم تحصل تلك البصيرة فلا ينبغي الاستعجال «4» .
هذا مع أن الإمام الذهبي لم يذكرها في الكبائر «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الطيش- السفاهة- الحمق- الجهل- اتباع الهوى- التفريط والإفراط.
الآيات الواردة في «العجلة»
آيات وردت العجلة فيها في سياق كون حدوث المعجل فيصلا فيما هو موضع الجدل
1- وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55) قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين (56) قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين (57) قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين (58) «1»
2- واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين (148) ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين (149) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين (150) قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين (151) إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين (152) «2»
إقرأ أيضا:الحقدآيات وردت العجلة فيها دليلا على قلة التدبر وتمييز الأمور
3-* ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون (11) وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون (12) «3»
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التأني- التبين- السكينة- الحلم- النظر والتبصر] .
4- ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا (11) «1»
5- وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون (36) خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون (37) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (38) «2»
6-* واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (21) قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (22) قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون (23) فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم (24) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين (25) «3»
7- والذاريات ذروا (1) فالحاملات وقرا (2) فالجاريات يسرا (3) فالمقسمات أمرا (4) إنما توعدون لصادق (5) وإن الدين لواقع (6) والسماء ذات الحبك (7) إنكم لفي قول مختلف (8) يؤفك عنه من أفك (9) قتل الخراصون (10) الذين هم في غمرة ساهون (11) يسئلون أيان يوم الدين (12) يوم هم على النار يفتنون (13) ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون (14) «4»
آيات وردت العجلة فيها دليلا على عدم تقدير الأمور والجهل بحقائقها
8- ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (49) قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون (50) أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآنوقد كنتم به تستعجلون (51) ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون (52) «1»
9-* وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (5) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب (6) «2»
10- من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا (19) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا (20) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (21) «3»
11- أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46) ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (47) «4»
12- وإنه لتنزيل رب العالمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين (195) وإنه لفي زبر الأولين (196) أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل (197) ولو نزلناه على بعض الأعجمين (198) فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين (199) كذلك سلكناه في قلوب المجرمين (200) لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم (201) فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون (202) فيقولوا هل نحن منظرون (203) أفبعذابنا يستعجلون (204) أفرأيت إن متعناهم سنين (205) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون (206) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون (207) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون (208) ذكرى وما كنا ظالمين (209) وما تنزلت به الشياطين (210) وما ينبغي لهم وما يستطيعون (211) إنهم عن السمع لمعزولون (212) «5»
13- ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون (45) قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون (46) قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون (47) وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون (48) قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون (49) ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون (50) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين (51) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون (52) وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون (53) «1»
14- وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين (50) أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون (51) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون (52) ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون (53) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين (54) يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون (55) «2»
15- ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون (173) فتول عنهم حتى حين (174) وأبصرهم فسوف يبصرون (175) أفبعذابنا يستعجلون (176) فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين (177) وتول عنهم حتى حين (178) وأبصر فسوف يبصرون (179) سبحان ربك رب العزة عما يصفون (180) وسلام على المرسلين (181) والحمد لله رب العالمين (182) «3»
16- وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57)إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58) فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون (59) فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون (60) «1»
آيات العجلة فيها دليل إنكار البعث والحساب
17- أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1) ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2) خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون (3) خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4) «2»
18- كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد (12) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب (13) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب (14) وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق (15) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب (16) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب (17) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق (18) والطير محشورة كل له أواب (19) وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20) «3»
19- الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب (17) يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد (18) «4»
20- فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون (35) «5»
آيات وردت العجلة فيها في سياق النهي عنها متعلقة بالقرآن الكريم
21- وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا (113)فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما (114) «1»
22- بل الإنسان على نفسه بصيرة (14) ولو ألقى معاذيره (15) لا تحرك به لسانك لتعجل به (16) إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه (19) «2»
آيات وردت العجلة فيها في سياق الوعيد
23- ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا (57) وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا (58) وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا (59) «3»
24- ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا (83) فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا (84) يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (85) ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا (86) لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (87) «4»
25-* وما أعجلك عن قومك يا موسى (83) قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى (84) قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري (85) فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي (86) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري (87) «5»
الأحاديث الواردة في ذم (العجلة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اهجوا قريشا، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل» فأرسل إلى ابن رواحة فقال:
«اهجهم» . فهجاهم فلم يرض «1» . فأرسل إلى كعب ابن مالك. ثم أرسل إلى حسان بن ثابت. فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه. ثم أدلع «2» لسانه فجعل يحركه.
فقال: والذي بعثك بالحق! لأفرينهم بلساني فري الأديم «3» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تعجل.
فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإن لي فيهم نسبا. حتى يلخص لك نسبي» . فأتاه حسان. ثم رجع فقال: يا رسول الله! قد لخص لي نسبك.
والذي بعثك بالحق! لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: «إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هجاهم حسان فشفى واستشفى» قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه … وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمدا برا تقيا … رسول الله شيمته الوفاء فإن أبي ووالده وعرضي … لعرض محمد منكم وقاء … الحديث) «4» .
2-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنه قال: إن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قال:
قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم» ) * «5» .
3-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنه قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل كنت تدعوه بشيء أو تسأله إياه؟» قال: نعم. كنت أقول:
اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله لا تطيقه أو لاتستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» . وقال: فدعا الله له.
فشفاه) * «1» .
4-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجلت أيها المصلي» .
ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي مجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» .
5-* عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. يقول: دعوت فلم يستجب لي» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذم (العجلة) معنى
6-* (عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) * «4» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غث «5» . على رأس جبل وعر «6» . لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل «7» . قالت الثانية:
زوجي لا أبث خبره «8» . إني أخاف أن لا أذره «9» . إن أذكره أذكر عجره وبجره «10» . قالت الثالثة:
زوجي العشنق «11» . إن أنطق أطلق. وإن أسكت أعلق «12» … الحديث) * «13» .
8-* (عن أبي بن كعب؛ أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى- عليه السلام- خطيبا في بني إسرائيل) . فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه … الحديث … إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله موسى، لوددت أنه كان صبر حتى قص علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كانت الأولى من موسى نسيانا» . قال: «وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة. ثم نقر في البحر. فقال له الخضر:
ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر» .
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وكان يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا) * «1» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنه جاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال:
سبحان الله! أو لا إله إلا الله، أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما. يحرق البيت، ويكون، ويكون. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما) .
فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود. فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين. ليس بين اثنين عداوة. ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم. فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضتة.
حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه» . قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال «فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع. لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا.
فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم. ثم ينفخ في الصور. فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا «2» . قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله «3» . قال فيصعق، ويصعق الناس.
ثم يرسل الله- أو قال ينزل الله- مطرا كأنه الطل أو الظل «4» فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثم يقال: يأيها الناس! هلم إلى ربكم. وقفوهم إنهم مسؤولون. قال: ثم يقال: أخرجوا بعث النار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف، تسعمائه وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا. وذلك يوم يكشف عن ساق» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذم (العجلة)
1-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-: إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. ولا يستخفنك أحد) * «1» .
2-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد) * «2» .
3-* (قال معاوية- رضي الله عنه- لرجل شهد عنده بشهادة: كذبت، فقال الأعرابي: إن الكاذب للمتزمل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من يعجل) * «3» .
4-* (قال الحسن بن علي- رضي الله عنهما-: اعلموا أن الحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والسفر ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة أهل الفسق ريبة) * «4» .
5-* (قال محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله:
فلا تعجل على أحد بظلم … فإن الظلم مرتعه وخيم ولا تفحش وإن مليت غيظا … على أحد فإن الفحش لوم ولا تقطع أخا لك عند ذنب … وإن الذنب يغفره الكريم ولكن دار عوراه برفق … كما قد يرقع الخلق القديم ولا تجزع لريب الدهر واصبر … فإن الصبر في العقبى سليم فما جزع بمغن عنك شيئا … ولا ما فات ترجعه الهموم ) * «5» .
6-* (قال ابن حبان أنشدني المنتصر بن بلال:
ولا تسبقن الناس بالرأي واتئد … فإنك إن تعجل إلى القول تزلل ولكن تصفح رأي من كان حاضرا … وقل بعدهم رسلا، وبالحق فاعمل ) * «6» .
7-* (وقال- رحمه الله تعالى-: لا يستحق أحد اسم الرئاسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء: العقل والعلم والمنطق، ثم يتعرى عن ستة أشياء: عن الحدة، والعجلة، والحسد، والهوى، والكذب، وترك المشورة) * «7» .
8-* (قال مروان لابنه عبد العزيز- حين ولاه مصر-: يا بني مر حاجبك يخبرك من حضربابك كل يوم فتكون أنت تأذن وتحجب، وآنس من دخل إليك بالحديث فينبسط إليك، ولا تعجل بالعقوبة إذا أشكل عليك الأمر، فإنك على ترك العقوبة أقدر منك على ارتجاعها) * «1» .
9-* (قال إسحاق بن عيسى الطباع: عاب مالك العجلة في الأمور، وقال: قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين (بمعنى أنه جمع فيها العلم والعمل معا كما هو منهج الصحابة- رضي الله عنهم-) . وقال أيضا:
العجلة نوع من الجهل والخرق) * «2» .
10-* (قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه: العجلة، واللجاجة، والعجب، والتواني.
فثمرة العجلة الندامة، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التواني الذل) * «3» .
11-* (قال ابن الأعرابي- رحمه الله تعالى:
كان يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحر حريصا، ولا الشره غنيا) * «4» .
12-* (قال أبو حاتم البستي- رحمه الله تعالى-: إن العجلة من شيم الأحمق، وإنه ليتكلم في الساعة بكلام يعجز عنه غيره، ويتكلم في الساعة الأخرى بكلام مثله) * «5» .
13-* (وقال: الواجب على العاقل لزوم الرفق في الأمور كلها وترك العجلة، والخفة فيها، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يجب إلا بمقارنة الرفق ومفارقة العجل) * «6» .
14-* (وذكر- رحمه الله- في وصية الخطاب ابن المعلى المخزومي القرشي لابنه، قال فيها:
يا بني عليك بتقوى الله وطاعته، وتجنب محارمه باتباع سنته ومعالمه حتى تصح عيوبك، وتقر عينك، فإنها لا تخفى على الله خافية، وإني قد وسمت لك وسما، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك وانقاد لك به الصعلوك، ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج إليك، ويرغب إلى ما في يديك … إلى أن قال: وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم، ويحزنون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم من استكمال الأدب. واستخفار المستجير لؤم، والعجلة شؤم، وسوء التدبير وهن) * «7» .
15-* (قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-:
العجلة تكون من الحدة، وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا، وإن أخطأها كان مذموما، والعجل لا يسير إلا مناكبا للقصد، منحرفا عن الجادة، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مسارا، يحكم حكم الورهاء «8» ، يناسب أخلاق النساء. وإن العجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسبندامة واستفاد مذمة، لأن الزلل مع العجل، ولا يكون العجول محمودا أبدا) * «1» .
16-* وقال:- رحمه الله تعالى- إن الرافق لا يكاد يسبق كما أن العجل لا يكاد يلحق والساكت لا يكاد يندم، من نطق لا يكاد يسلم وإن العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعدما يحمد، ويعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكنيها أم الندامات) * «2» .
17-* (قال ابن منظور- رحمه الله تعالى-:
قيل: إن آدم- عليه السلام- لما بلغ منه الروح الركبتين هم بالنهوض قبل أن تبلغ القدمين، فقال الله- عز وجل-: خلق الإنسان من عجل. فأورثنا آدم عليه السلام- العجلة) * «3» .
18-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-:
العجل: ضرب من الضعف لما يؤذن به من الضرورة والحاجة) * «4» .
19-* (قال ابن المقري في لاميته:
دع الجموع واسمحه تغظه ولا … تصحب سوى السمح واحذر سقطة العجل ) * «5» .
20-* (قال الشاعر:
لا تعجلن فليس الرزق بالعجل … الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل فلو صبرنا لكان الرزق يطلبنا … لكنه خلق الإنسان من عجل ) * «6» .
من مضار (العجلة)
(1) دليل السفه وخفة الحلم وضعف العقل.
(2) كثرة الزلل والوقوع في الخطأ.
(3) الندم على ما وقع لا ينفع في الغالب الأعم.
(4) العجول محروم من السيادة ومواقع القيادة والريادة.
(5) صاحبها محروم من خير كثير ويجلب لنفسه ضرر