ملخص المقال
- الخوارزمي يمثل النصف الأول من القرن الثالث الهجري بلا منازع فإذا ذكر اسمه تطاير إلى الآفاق علم الجبر والرياضيات.
أما النصف الأوَّل من القرن الثالث الهجري والنصف الأوَّل من القرن التاسع الميلادي فيمثِّله بلا مُنازع الخوارزمي (ت232هـ/846م) الذي إذا ذُكر اسمه تطاير إلى الآفاق علم الجبر والرياضيات.
فهو الرياضي والجغرافي والفلكي، والذي يُعَدُّ مؤسِّس ومبتدع علم الجبر كعلم مستقلٍّ عن الحساب، وقد أخذه الأوروبيون عنه، كما أنه أوَّل مَن استعمل كلمة “جبر” للعلم المعروف الآن بهذا الاسم، فحتَّى الآن ما زال الجبر يُعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوروبية، وتَرجِع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوروبية بـ “algorism/algorithme” إلى اسم الخوارزمي، كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام العربية؛ ولهذا كان الخوارزمي أهلاً لتسميته بأبي الجبر[1].
ويُعَدُّ كتابه (الجبر والمقابلة) الكتاب الرئيسي ذا الأثر الحاسم الذي درس فيه تحويل المعادلات وحلِّها، وفي مقدمته بيَّن الخوارزمي أن الخليفة المأمون هو الذي طلب منه تأليفه، وقد ترجمه إلى اللاتينية “جيررْدودي كريمونا” ونشر النصَّ العربي روزن مع ترجمة إنجليزية في لندن سنة 1851م.
وترجم له أيضًا “يوحنا الأسباني” الذي تَرْجَم من العربية إلى اللاتينية عِدَّة مؤلَّفات في الفلك والنجوم من بينها كتب للخوارزمي، بفضلها انتقل الحساب الهندي والنظام العشري في الحساب إلى أوروبا؛ حتى عُرِفَت العمليات الحسابية باسم Alguarismo، والغريب أنها تُرجمت إلى العربية باسم “اللوغاريتمات” وهي في الأصل منسوبة إلى الخوارزمي!! والصحيح أن تُترجَم “الخوارزميات” أو “الجداول الخوارزمية”.
إقرأ أيضا:أبو الوفاء البوزجانيوقد أصبح الكتاب مصدرًا أساسيًّا في الرياضيات في الجامعات الأوروبية حتى القرن السادس عشر، وكان معظم ما ألَّفه مَن خلفه في علم الجبر مستنِدًا عليه، وقد نقله من اللغة العربية إلى اللاتينية روبرت أوف شستر ( Robert of chester) فاستنارت به أوروبا، وحديثًا حقَّق الدكتوران علي مصطفى مشرفة ومحمد مرسي هذا الكتاب، وذلك في سنة 1968م[2].
أبو يوسف الكندي:
وقد عاصر الخوارزمي عالم آخر مشهور هو الفيلسوف أبو يوسف الكندي (185-256هـ/805-873م) الذي يُعَدُّ من أوائل العلماء المسلمين الذين طرقوا ميدان علم البصريات، فتناول الظواهر الضوئية وعالجها في كتابه الشهير “علم المناظر”، وكان ذلك أوَّل كتاب عربي يعني بعلم البصريات، وفيه أخذ الكندي بنظرية الانبعاث الإغريقية، إلا أنه أضاف كذلك وصفًا دقيقًا لمبدأ الإشعاع، وصاغ من خلال ذلك أساس نظام تصوُّريٍّ جديد يحُلُّ في نهاية الأمر محلَّ نظرية الانبعاث، وكان لهذا الكتاب صدًى في المحافل العلمية العربية، ثم الأوروبية خلال العصور الوسطى[3].
[1] راجع كرم حلمي فرحات أحمد: التراث العلمي للحضارة الإسلامية في الشام والعراق خلال القرن الرابع الهجري ص 642، 643، ومحمد علي عثمان: مسلمون علموا العالم، 74، 75، وأكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص 20.
[2] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية، ج5 ص 187 – وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص 77 – ومحمد علي عثمان: مسلمون علموا العالم ص 77 – وعبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص 65.
[3] انظر محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص 138.