ملخص المقال
- الخوارزمي عالم من الطراز الأول إذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي منذ البدء بعلماء من الطراز الأول
الخوارزمي عالم من الطراز الأول
إذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي منذ البدء بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي!!
ليست تلك المقولة من تعبيري، وإنما هي لأحد المستشرقين الذين عُنُوا بعلوم المسلمين، وعرفوا فضل إسهاماتهم، وهو المستشرق “ألدو ميلي”.
فالخوارزمي الرياضي والجغرافي والفلكي يُعَدُّ من أكبر علماء المسلمين، ومن العلماء العالميين الذين كان لهم تأثير كبير على العلوم الرياضية والفلكية. وهو مؤسس ومبتدع علم الجبر كعلمٍ مستقلٍّ عن الحساب، وقد أخذه الأوربيون عنه، كما أنَّه أول من استعمل كلمة “جبر” للعلم المعروف الآن بهذا الاسم، فحتى الآن ما زال الجبر يعرف باسمه العربي في جميع اللغات الأوربية، وترجع كل الكلمات التي تنتهي في اللغات الأوربية بـ “algorism/algorithme” إلى اسم الخوارزمي، كما يرجع إليه الفضل في تعريف الناس بالأرقام العربية؛ ولهذا كان الخوارزمي أهلاً لتسميته بأبي الجبر[1].
وتعود أصول الخوارزمي إلى خوارزم (أوزبكستان اليوم)، وعاش في بغداد فيما بين سنة 164 وسنة 235 هجرية (الموافق 780 – 850 ميلادية) وتُوُفِّي هناك. وبرز في زمن خلافة المأمون (مدة خلافته من 198 – 218هـ)، ولمع في علم الرياضيات والفلك.
إقرأ أيضا:ابن البناء المراكشي – إمام الرياضياتلما كان والد المأمون (الخليفة هارون الرشيد) يريد توطيد العلم في أنحاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف، فقد سار على دربه ابنه (المأمون) وأسَّس بيت الحكمة، الذي كان يحتوي على مكتبة تضم نصوصًا مترجمة لأهم الكتب اللاتينية، ثم عيَّن الخوارزمي رئيسًا له، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها، الأمر الذي أفاد الخوارزمي كثيرًا؛ حيث درس الرياضيات، والجغرافيا، والفلك، والتاريخ، إضافةً إلى إحاطته بالمعارف اليونانية والهندية، حتى كان نبوغه في حدود سنة 205 هجرية[2].
وقد حدثت تغييرات عديدة في اسمه عند الغربيين بعد وفاته، حيث عُرِف بـ (alchwarizmi) و(al-karismi) و(algoritmi) و(algorismi) و(algorism) وقد أصبحت الكلمة الأخيرة (algorism) تعني الحساب في اللغة الإنجليزية الحديثة[3].
الخوارزمي وعلم الجبر
كلمة جبر تعبير استخدمه (الخوارزمي) من أجل حَلِّ المعادلات بعد تكوينها، ومعناه أن طرفًا من طرفي المعادلة يكمل ويزداد على الآخر وهو الجبر، والأجناس المتجانسة في الطرفين تسقط منها، وهو المقابلة أي أنَّ: ب س + ج= أ س2 + 2ب س- جـ
تصبح بعد الجبر ب س+ 2جـ= أ س2+ 2ب س.
وتصبح بالمقابلة 2جـ= أ س2+ ب س.
واسم الجبر في جميع لغات العالم مشتق من الكلمة العربية (الجبر)، وهي التي استخدمها (الخوارزمي) في كتابه (الجبر والمقابلة) كما سيأتي الحديث عنه.
إقرأ أيضا:الخوارزمي – مبتكر علم الجبروقد اشتغل المسلمون بالجبر واستعملوه حتى نبغوا فيه، بينما كان بمثابة الألغاز بالنسبة للأوربيين؛ يقول الدكتور ديفيد يوجين سميث في كتابه (تاريخ الرياضيات – المجلد الثاني): “إنَّ الجبر عُرِفَ في اللغة الإنجليزية في القرن السادس عشر الميلادي بالجبر والمقابلة، ولكنَّ هذا الاسم اختُصِرَ في النهاية من مخطوطة محمد بن موسى الخوارزمي الذي نال الشهرة العظيمة عام 825م، وذلك في بيت الحكمة في بغداد حيث ألَّف هناك كتابه القيم “الجبر والمقابلة”، وفيه حلَّ الكثير من المعادلات ذات الدرجة الأولى والثانية من ذات المجهول الواحد”.
واعترف رام لاندو في كتابه (مآثر العرب في الحضارة) بأنَّ الخوارزمي “ابتكر علم الجبر، ونقل العدد من صفة البدائية الحسابية لكمية محدودة إلى عنصر ذي علاقة وحدود لا نهاية لها من الاحتمالات، ويمكننا القول بأن الخطوة من الحساب إلى الجبر هي في جوهرها الخطوة من الكينونة إلى الملائمة، أو من العالم الإغريقي الساكن إلى العالم الإسلامي المتحرك الأبدي الرباني”[4].
وقد طوَّر الخوارزمي علم الجبر كعلمٍ مستقل عن الحساب؛ ولذا ينسب إليه هذا العلم في جميع أنحاء المعمورة، فقد ابتكر الخوارزمي في بيت الحكمة الفكر الرياضي بإيجاد نظام لتحليل كل معادلات الدرجة الأولى والثانية ذات المجهول الواحد بطرق جبرية وهندسية[5].
ولذا فقد سمَّى جورج سارتون في كتابه (مقدمة من تاريخ العلوم) النصف الأول من القرن التاسع بـ “عصر الخوارزمي”؛ وذلك لأن الخوارزمي كان أعظم رياضيٍّ في ذلك العصر على حَدِّ تعبير سارتون، ويستطرد سارتون فيقول: “وإذا أخذنا جميع الحالات بعين الاعتبار فإنَّ الخوارزمي أحد أعظم الرياضيين في كل العصور”.
إقرأ أيضا:حسن الطولوني – بين الهندسة والتاريخوإضافةً إلى ذلك أكَّد الدكتور أي وايدمان أن أعمال الخوارزمي تتميز بالأصالة والأهمية العظمى وفيها تظهر عبقريته، كما قال الدكتور ديفيد بوجين سميث ولويس شارلز كاربينسكي في كتابهما (الأعداد الهندية والعربية): “إنَّ الخوارزمي هو الأستاذ الكبير في عصر بغداد الذهبي؛ إذ إنه أحد الكُتّاب المسلمين الأوائل الذين جمعوا الرياضيات الكلاسيكية من الشرق والغرب، محتفظين بها حتى استفادت منها أوربا المتيقظة آنذاك. إنَّ لهذا الرجل معرفةً كبيرة، ويدين له العالم بمعرفتنا الحإلية لعلمي الجبر والحساب”[6].
وقد وجد الخوارزمي متسعًا من الوقت لكتابة علم الجبر حينما كان منهمكًا في الأعمال الفلكية في بغداد، ويختص كتابه “الجبر والمقابلة” بإيجاد حلول لمسائل عملية واجهها المسلمون في حياتهم اليومية[7].
إنَّ الرياضيات التي ورثها المسلمون عن اليونان تجعل حساب التقسيم الشرعي للممتلكات بين الأبناء معقدًا للغاية إن لم يكن مستحيلاً، وهذا هو ما قاد الخوارزمي للبحث عن طرق أدق وأشمل، وأكثر قابلية للتكيف فابتدع علم الجبر.
وقد استعمل الخوارزمي الطريقة البيانية لإيجاد جذر المعادلة بكل نجاح؛ لذا فإن الخطأ بين موضعين يُعتبر من ابتكاره، وهذه الطريقة لعبت دورًا مهمًا في التحليل العددي، وتُعرَف في اللغة الإنجليزية باسم (false positions).
وعرف الخوارزمي الوحدة المستعملة في المساحات، واستخدم (التكسير) ويقصد بذلك المساحة، سواء كانت سطحية أو حجمية، كما تطرق إلى إيجاد مساحات بعض السطوح مستقيمة الأضلاع والأجسام، والدائرة، والقطعة، والهرم الثلاثي والرباعي، والمخروط والكرة، كما استعمل النسبة التقريبية وقيمتها ط = 8/ 22 أو 10، لذا فإن الخوارزمي أثرى علم الجبر باستعماله بعض الأفكار الجبرية لمعرفة المساحة.
وكان الخوارزمي يعرف أن هناك حالاتٍ يستحيل فيها إيجاد قيمة للمجهول (الكميات التَّخيُّلية) وسماها: (الحالة المستحيلة)، وبقيت معروفةً بهذا الاسم بين علماء الرياضيات حتى بدأ العالم السويسري ليونارد أويلر leonhard euler (1707- 1783م) في تعريف الكميات التخيلية بأنها: الكمية التي إذا ضربت بنفسها كان الناتج مقدارًا سالبًا، وأعطى كثيرًا من الأمثلة على هذا.
ثم جاء العالم الألماني كارل قاوس (1777 – 1855م) فركز على دراسة الكميات التخيلية وخواصها. والجدير بالذكر أن الكميات التخيلية قادت في النهاية إلى معرفة علم التحليل المركَّب الذي يُعتبر من أهم العلوم الرياضية في العصر الحديث، ومما لا يقبل الجدل والتأويل أن الفضل في ذلك يرجع أولاً للعالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي.
ولم يكتشف الخوارزمي علم الجبر ونظرية الخطأين (وهما أداة أساسية في التحليل العلمي الرياضي) فحسب، وإنما وضع كذلك أسس البحث التجريبي الحديث باستخدام النماذج الرياضية، كما نشر أول الجداول العربية عن المثلثات للجيوب والظلال، وقد تُرجِمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر[8].
وإضافةً إلى إسهاماته الكبرى في الحساب، أبدع الخوارزمي أيضًا في علم الفلك، وأتى ببحوث جديدة في المثلثات، ووضع جدولاً فلكيًّا (زيجًا)، وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منه. وكان من أهم إسهامات الخوارزمي العلمية التحسينات التي أدخلها على جغرافية بطليموس سواء بالنسبة للنص أو الخرائط[9].
مؤلَّفات الخوارزمي
يقول محمد خان في كتابه (نظرة مختصرة لمآثر المسلمين في العلوم والثقافة): “إنَّ الخوارزمي يقف في الصف الأول من صفوف الرياضيين في جميع العصور، وكانت مؤلفاته هي المصدر الرئيسي للمعرفة الرياضية لعدة قرون في الشرق والغرب”[10].
وقد اهتم الخوارزمي في بداية الأمر بالاكتشافات في علم الرياضيات والفلك، ثم بعدها بدأ التأليف فصنَّف كتبًا كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – كتاب (الجبر والمقابلة)، وهو الكتاب الرئيسي ذو الأثر الحاسم، والذي درس فيه تحويل المعادلات وحلها، وقد ترجمه إلى اللاتينية “جيراردو دي كريمونا” ونشر النص العربي (روزن) مع ترجمة إنجليزية في لندن سنة 1851م.
وترجم له أيضًا “يوحنا الأسباني” الذي ترجم من العربية إلى اللاتينية عدة مؤلفات في الفلك والنجوم، من بينها كتب للخوارزمي، بفضلها انتقل الحساب الهندي والنظام العشري في الحساب إلى أوربا؛ حتى عرفت العمليات الحسابية باسم Alguarismo. والغريب أنها ترجمت إلى العربية باسم “اللوغاريتمات” وهي في الأصل منسوبة إلى الخوارزمي!! والصحيح أن تترجم “الخوارزميات” أو “الجداول الخوارزمية”.
وقد أصبح الكتاب مصدرًا أساسيًا في الرياضيات في الجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر، وكان معظم ما ألَّفه مَنْ جاء بعده في علم الجبر مستندًا عليه، وقد نقله من اللغة العربية إلى اللاتينية روبرت أوف شستر ( Robert of chester) فاستنارت به أوربا.
وحديثًا حقق الدكتوران علي مصطفى مشرفة ومحمد مرسي هذا الكتاب، وذلك في سنة 1968م[11].
2 – كتاب في الجغرافيا شرح فيه آراء بطليموس.
3 – كتاب جداول للنجوم وحركاتها من مجلدين.
4 – كتاب شرح فيه طريقة معرفة الوقت بواسطة الشمس.
5 – كتاب جمع فيه بين الحساب والهندسة والموسيقى والفلك، ويقول البروفيسور جورج سارتون في كتابه (المدخل إلى تاريخ العلوم) عن هذا الكتاب: إنه “يشتمل على خلاصة دراساته لا على ابتكاراته العظيمة”.
6 – كتاب العمل بالإسطرلاب.
7 – كتاب صنع الإسطرلاب.
8 – كتاب وضح فيه طريقة الجمع والطرح.
9 – كتاب صورة الأرض وجغرافيتها.
10 – كتاب صورة الأرض، نشر سنة 1929م.
11 – كتاب المعرفة، وهو يبحث في علم النجوم.
12 – كتاب زيج الخوارزمي الأول.
13 – كتاب زيج الخوارزمي الثاني، وهو جداول فلكية سماه (السند هند)، جمع فيه بين مذهب الهند والفرس.
14 – رسالة عن النسبة التقريبية وقيمتها الرياضية.
15 – رسالة وضح فيها معنى الوحدة المستعملة في المساحات والحجوم.
16 – رسالة ذكر فيها برهانًا آخر لنظرية فيثاغورث مستخدمًا مثلثًا قائم الزاوية ومتساوي الساقين.
17 – رسالة مفصلة وضح فيها قوانين لجمع المقادير الجبرية وطرحها وضربها وقسمها.
18 – رسالة شرح فيها طريقة إجراء العمليات الحسابية الأربع على الكميات الصم.
19 – كتاب رسم الربع المعمور.
20 – كتاب الجمع والتفريق.
21 – كتاب الرُّخامة (الرخامة قطعة من الرخام مخططة تساعد على معرفة الوقت عن طريق الشمس).
22 – كتاب هيئة الأرض.
23 – كتاب المعاملات، ويتضمن المعاملات التي يقوم بها الناس من بيع وشراء[12].
لقد عاش الخوارزمي حياةً عمادُها العلمُ؛ بحثًا واكتشافًا وتأليفًا ابتغاء مرضاة الله، وسعيًا وراء راحة البشرية، ورقي الحضارة، وظلَّ كذلك حتى وافته المَنِيَّة سنة 235هـ/ 850م. فرحمه الله رحمةً واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
[1] راجع محمد علي عثمان: مسلمون علَّموا العالم ص74، 75، أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20.
[2] انظر ابن النديم: الفهرست ص333، إليان سيركيس: معجم المطبوعات 1/841، أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20، علي عبد الله الدَّفّاع: العلوم البحتة في الحضارة العربية الإسلامية ص148.
[3] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية – الرياض، العدد الخامس، الإصدار من المحرم إلي الثانية لسنة 1400هـ 5/173، أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20.
[4] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية – الرياض، العدد الخامس، الإصدار من المحرم إلي الثانية لسنة 1400هـ 5/173.
[5] انظر كرم حلمي فرحات أحمد: التراث العلمي للحضارة الإسلامية في الشام والعراق خلال القرن الرابع الهجري ص642، 643، وانظر أيضًا المصدر السابق ص172.
[6] انظر علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/172، 173، وله أيضًا: العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية ص149.
[7] علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/187، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص76.
[8] علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/187، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص76.
[9] انظر أكرم عبد الوهاب: 100 عالم غيروا وجه العالم ص20 – عبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص108.
[10] علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/172.
[11] الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/187، وله أيضًا: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ص77، ومحمد علي عثمان: مسلمون علَّموا العالم ص77، وعبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ص65.
[12] انظر ابن النديم: الفهرست ص333، إليان سيركيس: معجم المطبوعات 1/841، علي عبد الله الدفاع: مبتكر علم الجبر.. محمد بن موسى الخوارزمي، مجلة البحوث الإسلامية 5/186، 187، وله أيضًا: العلوم البحتة ص172، 173.