الجزع لغة
مصدر قولهم: جزع يجزع جزعا، وهو مأخوذ من مادة (ج ز ع) التي تدل على الانقطاع، من ذلك جزعت الرملة إذا قطعتها، وجزع الوادي، وهو الموضع الذي يقطعه من أحد جانبيه إلى الجانب الآخر، والجزع نقيض الصبر؛ لأن فيه انقطاع المنة «1» عن حمل ما نزل.
يقال من ذلك: جزع يجزع جزعا، والوصف من ذلك جازع وجزع وجزع، فإذا كثر ذلك منه قيل جزوع وجزاع، والجزوع في قوله تعالى: إذا مسه الشر جزوعا (المعارج/ 20) هو الذي لا صبر عنده إذا مسه الشر، ويقال: أجزعه إذا أزال جزعه، ومن ذلك ما جاء في الحديث: لما طعن عمر- رضي الله عنه- جعل ابن عباس- رضي الله عنهما- يجزعه، قال ابن الأثير:
أي يقول له ما يسليه ويزيل جزعه، ويقال أيضا: أجزعه الأمر، إذا أصابه بالجزع، قال أعشى باهلة:
فإذا جزعنا فإن الشر أجزعنا … وإن صبرنا فإنا معشر صبر وقال الراغب: أصل الجزع قطع الحبل من نصفه، ولتصور الانقطاع قيل جزع الوادي لمنقطعه، ولانقطاع اللون بتغيره قيل للخرز الملون جزع،وعنه استعير قولهم لحم مجزع إذا كان ذا لونين، ورجل جزع إذا ضعفت قوته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا والجزع (بسكون الزاي) مصدر جزعت الوادي إذا قطعته عرضا، وفي الحديث «أنه وقف على محسر فقرع راحلته فخبت حتى جزعه» أي قطعه، ولا يكون إلا عرضا، ومنه حديث مسيره إلى بدر «ثم جزع الصفيراء» أي قطعها عرضا، والجزيعة: القطعة من الغنم، وربما استعملت تصغيرا لجزعة وهي القليل من اللبن أو الماء.
إقرأ أيضا:افشاء السرالجزوع ضد الصبور على الشر، والجزع نقيض الصبر. جزع بالكسر، يجزع جزعا فهو جازع وجزع وجزع وجزوع. وقيل إذا كثر منه الجزع فهو جزوع وجزاع. قال الله تعالى: إذا مسه الشر جزوعا* وإذا مسه الخير منوعا (المعارج/ 20- 21) «2» .
واصطلاحا
قال المناوي: الجزع حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده، ويقطعه عنه قهرا «3» ، وهو أبلغ من الحزن.
وقال الجاحظ: الجزع خلق مركب من الخرق والجبن «4» .
وقال أيضا: الجزع مستقبح (ومكروه) إذا لم يكن مجديا ولا مفيدا، فأما إظهار الجزع لتمحل حيلةبذلك عند الوقوع في الشدة، أو استغاثة مغيث، أو اجتلاب معين فغير مكروه ولا يعد نقيصة «1» .
أسباب الجزع
ذكر الماوردي للجزع أسبابا عديدة منها:
1- تذكر المصاب حتى لا يتناساه، وتصوره حتى لا يعزب عنه، ولا يجد من التذكار سلوة، ولا يخلط مع التصور تعزية، وقد قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لا تستفزوا الدموع بالتذكر. وقال الشاعر: «ولا يبعث الأحزان مثل التذكر» .
2- الأسف وشدة الحسرة فلا يرى من مصابه خلفا، ولا يجد لمفقوده بدلا؛ فيزداد بالأسف ولها، وبالحسرة هلعا. ولذلك قال الله تعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم (الحديد/ 23) .
إقرأ أيضا:سوء المعاملةوقال بعض الشعراء:
إذا بليت فثق بالله وارض به … إن الذي يكشف البلوى هو الله إذا قضى الله فاستسلم لقدرته … ما لامريء حيلة فيما قضى الله اليأس يقطع أحيانا بصاحبه … لا تيأسن فإن الصانع الله 3- كثرة الشكوى، وبث الجزع، فقد قيل في قوله تعالى: فاصبر صبرا جميلا (المعارج/ 5) إنه الصبر الذي لا شكوى فيه ولا بث. روى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما صبر من بث» .
وحكى كعب الأحبار أنه مكتوب في التوراة: من أصابته مصيبة فشكا إلى الناس، فإنما يشكو ربه. وحكي أن أعرابية دخلت من البادية، فسمعت صراخا في دار فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان، فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرمون، وعن ثوابه يرغبون. وقد قيل في منثور الحكم: من ضاق قلبه اتسع لسانه.
4- اليأس من جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبر، ولا يتسع لهما صدر. وقد قيل: المصيبة بالصبر أعظم المصيبتين. وقال ابن الرومي:
اصبري أيتها النف … س فإن الصبر أحجى ربما خاب رجاء … وأتى ما ليس يرجى وأنشد بعض أهل العلم:
أتحسب أن البؤس للحر دائم … ولو دام شيء عده الناس في العجب لقد عرفتك الحادثات ببؤسها … وقد أدبت إن كان ينفعك الأدب ولو طلب الإنسان من صرف دهره … دوام الذي يخشى لأعياه ما طلب 5- أن يغرى بملاحظة من حيطت سلامته، وحرست نعمته، حتى التحف بالأمن والدعة، واستمتع بالثروة والسعة «2» .
إقرأ أيضا:الإفكبين الجزع والفزع والهلع والخوف
الفزع هو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع، وذلك مثل الفزع من دخول النار «3» ، وقد سوى بعضهم بين الفزع والذعر «4» ، وذهب آخرون إلى جعله بمعنىالخوف «1» ، والأرجح ما ذكره الراغب من أن الفزع ناتج عن الخوف (الشديد) وليس مساويا له «2» ، أما الهلع فهو أشد الجزع والضجر «3» ، وهذه الأمور الأربعة وإن كانت متقاربة في معناها العام، إلا أنها مختلفة في الدرجة والكيفية، فأول ذلك الخوف، فإن زاد وصاحبه اضطراب وانقباض صار فزعا، فإذا زاد الفزع وأقعد صاحبه عن العمل وأورثه حزنا، أصبح جزعا، فإن زاد الجزع صار هلعا.
الفرق بين الجزع ورقة القلب
والفرق بين رقة القلب والجزع أن الجزع ضعف في النفس وخوف في القلب يمده شدة الطمع والحرص ويتولد من ضعف الإيمان بالقدر وإلا فمتى علم أن المقدر كائن ولا بد كان الجزع عناء محضا ومصيبة ثانية.
أما رقة القلب فإنها من الرحمة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرق الناس قلبا وأبعدهم من الجزع، فرقة القلب رأفة ورحمة، وجزعه مرض وضعف، فالجزع حال قلب مريض بالدنيا قد غشيه دخان النفس الأمارة فأخذ بأنفاسه وضيق عليه مسالك الآخرة وصار في سجن الهوى والنفس وهو سجن ضيق الأرجاء مظلم المسلك فانحصار القلب وضيقه يجعله يجزع من أدنى ما يصيبه ولا يحتمله فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد وامتلأ من محبة الله وإجلاله رق وصارت فيه الرأفة والرحمة فتراه رحيما رفيق القلب بكل ذي قربى ومسلم يرحم النملة في جحرها والطير في وكره فضلا عن بنيي جنسه فهذا أقرب القلوب من الله تعالى «4» .
علاج الجزع والهلع
لقد أوضح القرآن الكريم علاج هذه الأمور القلبية في قوله سبحانه إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين فأوضح بجلاء لا ريب فيه أن الصلاة تقي صاحبها هذه المشاعر القلبية، يقول ابن بطال: المراد من الآيات الكريمة إثبات خلق الله تعالى للإنسان بأخلاقه من الهلع والصبر، والمنع والإعطاء، وقد استثنى الله المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون، لا يضجرون بتكررها عليهم «5» .
وفي السنة المطهرة ما يفيد تأثير الصلاة في راحة القلب بها، ويدل على ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم «يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها» . وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة «6» .
وأما ذكر الله عز وجل، قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب «7» .
وإضافة إلى الصلاة والذكر، فإن الرضا بقضاء الله- عز وجل- والتذرع بالصبر الجميل مما يساعد على التخلص من هذه الأمور ونحوها «8» .
[للاستزادة: انظر صفات: اليأس- الحزن- الضعف- القنوط- الوهن- القلق- الشك- صغر الهمة- السخط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصبر والمصابرة- الاحتساب- التفاؤل- علو الهمة- قوة الإرادة- الرضا- اليقين] .
الآيات الواردة في «الجزع»
1- ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (19) وما ذلك على الله بعزيز (20) وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص (21) «1»
2- إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) إلا المصلين (22) الذين هم على صلاتهم دائمون (23) «2»
الآيات الواردة في «الجزع» معنى*
3- ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين (87) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون (88) من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون (89) «3»
4- ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب (51) «4»
5- إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (22) «5»
الأحاديث الواردة في ذم (الجزع)
1-* (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه-:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال، أو سبي، فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا. فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال: «أما بعد فو الله إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب» ، فو الله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم» ) * «1» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- أن الطفيل ابن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص «2» له فقطع بها براجمه «3» فشخبت «4» يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال ما صنع بك ربك؟ فقال:
غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: ما لى أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم وليديه فاغفر» ) * «5» .
3-* (عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله قوما ابتلاهم. فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع» ) * «6» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة فأقبلت فاطمة- عليها السلام- تمشي- ولا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلما رآها رحب قال: «مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه- أو عن شماله- ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك. فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين؟ فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عم سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني قالت: أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وأنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قداقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك.
قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت. فلما رأى جزعي سارني الثانية قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟» ) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه: «قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة» قال: لولا أن تعيرني قريش.
يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك.
فأنزل الله: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء (القصص/ 56) » ) * «2» .
6-* (عن صهيب- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر همس- والهمس في بعض قولهم تحرك شفتيه كأنه يتكلم- فقيل له:
إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست قال: إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلط عليهم عدوهم، فاختار النقمة فسلط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفا. قال:
وكان إذا حدث بهذا الحديث حدث بهذا الحديث الآخر. قال: كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاما فهما- أو قال فطنا لقنا- فأعلمه علمي هذا …
الحديث، وفيه: فقال الغلام للملك: إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: باسم الله رب هذا الغلام. قال: فأمر به فصلب ثم رماه، فقال باسم الله رب هذا الغلام. قال: فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات، فقال الناس: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد، فإنا نؤمن برب هذا الغلام. قال:
فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك. قال: فخذ أخدودا ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس، فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود. قال: يقول الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود حتى بلغ العزيز الحميد (البروج/ 4- 8) » قال:
فأما الغلام فإنه دفن. فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل) * «3»
7-* (عن جندب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع «4» فأخذ سكينا فحز «5» بها يده، فما رقأ الدم «6» حتى مات. قال الله تعالى (بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة» ) * «7» .
الأحاديث الواردة في ذم (الجزع) معنى
8-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
«من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فأتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا فقال: أشهد أنك رسول الله. فقال: وما ذاك؟ قال قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه- وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين- فعرفت أنه لا يموت على ذلك. فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم» ) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار.
فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار. قال:
فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جراحا شديدة، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: الله أكبر. أشهد أني عبد الله ورسوله.
ثم أمر بلالا فنادى في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» ) * «2» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي يخنق نفسه يخنقها في النار «3» والذي يطعنها يطعنها في النار» ) * «4» .
11-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد مات. قال: ما يدريك؟ قال: أنا رأيته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يمت … الحديث وفيه:
ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قد مات. فقال: ما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه. قال:
أنت رأيته؟ قال: نعم قال: إذا لا أصلي عليه» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (الجزع)
1-* (لما طعن عمر جعل يألم. فقال له ابن عباس- رضي الله عنهما- وكأنه يجزعه- «1» : يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون. قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي. وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره- من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك. والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله- عز وجل- قبل أن أراه» ) * «2»
2-* (قال الشاعر:
لا تجزعن لخطب ما به حيل … تغني وإلا فلا تعجز عن الحيل وقدر شكر الفتى لله نعمته … كقدر صبر الفتى للحادث الجلل) * «3» .
3- قال ابن كثير عند قوله تعالى: وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما (يونس/ 12) . يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسه الضر وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض (فصلت/ 51) أي كثير، وهما في معنى واحد، وذلك لأنه إذا أصابته شدة قلق لها، وجزع منها، وأكثر الدعاء عند ذلك فدعا الله في كشفها ورفعها عنه … ) * «4» .
من مضار (الجزع)
(1) سوء الظن بالله وعدم الثقة به سبحانه.
(2) انتفاء كمال الإيمان.
(3) عدم الرضا بالمقدور وعجزه عن فعل المأمور.
(4) استحقاق العذاب في الآخرة.
(5) قلق النفس واضطرابها.
(6) الجزع يشقى به جلساؤه ويمله أقرباؤه.