الأرض وعلوم البحار

التربة والماء وأثرهمـا فـي إنبـات الطعـام

د. خلاف الغالبي

المغرب

لقد وردت الإشارة إلى كلمة الطعام ومشتقاتها في ثمانية وأربعين موضعًا من القرآن الكريم، لكن الحديث عن مراحل إخراج الطعام، جاءت في موضع واحد فقط، وذلك في قوله-تعالى- في سورة عبس: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبٌّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقٌّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبٌّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا *.}، ويستخلص من هذه الآيات أن إيجاد الطعام يمر بثلاث مراحل هي: مرحلة صب الماء (المرحلة الأولى)؛ ثم مرحلة شق الأرض (المرحلة الثانية)؛ فمرحلة الإنبات (المرحلة الثالثة)، وهذه المرحلة تقتضي وجود طبقة سطحية تغطي الغلاف الصخري للأرض، تعتبر مهدًا للنباتات، وهي التربة.

دراسة معجمية ولغوية:

قبل تفصيل الحديث عن كيفية إيجاد الطعام، وما توصلت إليه مدارك الإنسان ومعارفه من معطيات علمية بهذا الخصوص، نرى أنه من المناسب استعراض معاني بعض مفردات الآيات السابقة من سورة عبس، أو التي لها علاقة بموضوع هذه الآيات:

الطعام: اسم جامع لكل ما يؤكل(1).
صب: جاء في لسان العرب، صَبُّ الماء: إراقته وسكبه(2)، وجاء في معجم مفردات ألفاظ القرآن، صب الماء إراقته من أعلى(3).
شق: الشق هو الخرم الواقع في الشيء(4)، ولذا جاء في لسان العرب (مادة شقق)، الشق: الصدع البائن، وقيل: غير البائن، وقيل: هو الصدع عامة، وفي التهذيب، الشق: الصدع في عود أو حائط أو زجاجة، وشق النبت يشق شقوقًا وذلك في أول ما تنفطر عنه الأرض(5). وجاء في تفسير (التحرير والتنوير)، (الشق: الإبعاد بين ما كان متصلاً، والمراد هنا شق سطح الأرض بخرق الماء فيه أو بآلة كالمحراث والمسحاة، أو بقوة حر الشمس في زمن الصيف لتتهيأ لقبول الأمطار في فصل الخريف والشتاء)(6).

إقرأ أيضا:معجزة تشكل الغيوم ونزول المطر

التربة: في علم التربة (البيدولوجي = Pedology)، يطلق مصطلح تربة (Soil)، على الطبقة السطحية الهشة التي تغطي صخور القشرة الأرضية، وهي ناتجة عن تفتت الصخور وانحلالها، وانحلال بقايا المواد العضوية، وهي الطبقة الصالحة من الوجهة الحيوية والكيميائية والطبيعية لأن تكون مهدًا للنبات، (عن: يوسف أحمد فوزي؛ 1987م، ومحسوب محمد صبري؛ 1996م). وجاء في قاموس مصطلحات الرسوبيات المصور أن التربة (مادة أرضية نتجت تحت تأثير عوامل التجوية الفيزيائية والكيميائية والحيوية في الصخور المعراة أو المكشوفة، وتدعم هذه المادة جذور النبات…).

من خلال هذا التعريف العلمي لكلمة تربة، يمكننا القول: إن النص القرآني الذي نحن بصدد دراسته، يبين وجود علاقة متينة بين تفتيت الصخور {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقٌّا} وبين تكوين التربة الضرورية لعملية الإنبات {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبٌّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا *..}. كما تشير الآيات إلى أن للماء دورًا في إضعاف الصخور وتهيئتها للتفتت والتفسخ (الشق)، حيث تؤكد هذه الآيات على أن مرحلة صب الماء سابقة لمرحلة شق الأرض.

 

يقول سيد قطب في تفسير قوله -تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقٌّا}: إن المراد بالشق هو شق الأرض والتربة بالماء للنفاذ إلى أسفل، أو شق التربة بالنبات شقا – وهي معجزة يراها كل من يتأمل انبثاق النبتة من التربة – حيث تنفذ النبتة الرخية النحيلة في الأرض الثقيلة من فوقها، وتمتد إلى الهواء الخارجي بقدرة الخالق وبيده المدبرة التي تشق لها الأرض شقا.(أما حين تتقدم معارف الإنسان فقد يَعِنُّ له مَدًى آخر من التصور لهذا النص، وقد يكون شق الأرض لتصبح صالحة للنبات أقدم بكثير مما نتصور، إنه قد يكون ذلك التفتت في صخور القشرة الأرضية.. الذي أدى إلى وجود طبقة الطمي(7) الصالحة للزرع، وكان هذا أثرًا من آثار الماء تاليًا في تاريخه لصب الماء صَبٌّا، مما يتسق أكثر مع هذا التتابع الذي تشير إليه النصوص)(8).

إقرأ أيضا:وَفي الأَرْضِ آيَاتٌ للْمُوقنينَ

 

هذا الأمر يدفعنا إلى تبيان وتوضيح المراحل التي يمر بها تكوين التربة في الطبيعة، وذلك بالحديث عن العمليات والظواهر الطبيعية التي تساهم في تشكيل هذا الجزيء الأرضي الشديد الحيوية والذي يغطي صخور القشرة الأرضية، مع إبراز دور الماء في مختلف هذه المراحل.

 

التجوية (Weathering/Altération):

 

وهي التفكك والتفتت والتلف الطبيعي والعطب الحتمي للصخور عند ملامستها لعناصر الطبيعة من ماء وهواء وكائنات حيوية، فهي إذن نوع من التلاؤم والتكيف الصخري مع عناصر بيئة جديدة، تطرأ عندما تنكشف الصخور على السطح، وهي مختلفة تمامًا عن الظروف الطبيعية السائدة داخل أعماق القشرة الأرضية، حيث تكونت هذه الصخور.

 

وتتم التجوية بواسطة مجموعة من العمليات، الميكانيكية والكيميائية والحيوية، بيد أنها تصنف عادة إلى نوعين رئيسين هما: التجوية الميكانيكية والتجوية الكيميائية.

 

التجوية الميكانيكية (Mechanical or Physical Weathering):

 

هي تفكك الكتل الصخرية إلى أجزاء صخرية صغيرة، بواسطة مجموعة من العمليات الميكانيكية، دون أن يطرأ أي تغيير على التركيبة المعدنية، ولا الكيميائية للصخور المجواة: فلا ينضاف إلى الصخور ولا ينتزع منها أي عنصر كيميائي (و.ك.هامبلن / ;W.K.Hamblin إ.هـ.كريسيانسن/ ;E.H.Christiansen 2001).

 

من أهم أنواع التجوية الميكانيكية نذكر العمليات التالية: الانفراط (Granular Disintegration)، التفلق (Joint-block Separation)، التقشر (Exfoliation)، والتشظي (Splitting)…

إقرأ أيضا:صور رائعة للبحر المسجور

 

أما وسائل التجوية الميكانيكية الأكثر شيوعًا فتتجلى في:

 

1- التفاوت الحراري (Temperature Change) بين درجة الحرارة بالليل ودرجة الحرارة بالنهار (أو بين درجة الحرارة في الموسم البارد أو الرطب، ودرجة الحرارة في الموسم الجاف أو الحار)، والذي ينتج عنه تعاقب الانكماش والتمدد بالنسبة للمعادن المكونة للمستويات السطحية للصخور، الأمر الذي يفضي إلى إضعاف الصخر وانفصال جزيئاته عنه (بحيري صلاح الدين؛ 1996، 1998م)، إلا أن فشل التجارب المخبرية التي أجريت من أجل إثبات تفكك الصخور بفعل التفاوت الحراري، دفع بعض الجيومورفولوجيين إلى عدم اعتبار هذا العامل (انظر روجيه كوك/ ;Roger Coque 1998م)، بالرغم من كون الشواهد الميدانية الكثيرة، تؤكد على فاعليته، بالمناطق المدارية وخصوصًا بالمناطق الصحراوية.

 

2 – فعل الصقيع (Frost Action): ويعرف أيضًا بالتجمند (م. ديرو، تعريب عبدالرحمن حميدة؛ 1997م)، ولا أحد يشك في فاعلية هذا العامل (انظر ر. كوك/ ;R.Coque 1998م)، بل ويرى البعض أنه أشد بأسًا أو على الأقل أوضح تأثيرًا من عامل التفاوت الحراري (بحيري صلاح الدين؛ 1996، 1998م)، وسنعود بشيء من التفصيل إلى هذا العامل في فقرة لاحقة.

 

بالإضافة إلى هذين العاملين، تلعب الحيوانات والنباتات أيضًا دورًا في التجوية الميكانيكية، حيث يؤدي تراكم فعل الحيوان والنبات، لفترات زمنية طويلة إلى الإسهام – بشكل فعال – في إضعاف وتفكيك الصخور، وبالتالي تهيئتها للتجوية الكيميائية.

 

التجوية الكيميائية (Chemical Weathering):

 

والمقصود هو تحلل معادن الصخور نتيجة للتفاعلات الكيميائية مع عناصر الغلاف الجوي والغلاف المائي (الهواء والماء)، وذلك بتدمير البنية الداخلية للمعادن، التي تحل محلها معادن جديدة متلائمة مع عناصر البيئة الجديدة، ونتيجة لذلك فإن التركيبة الكيميائية والمظهر الخارجي، للصخرة يتغيران.

 

وأبرز التفاعلات الكيميائية (أو عمليات التجوية الكيميائية) هي: التميؤ أو التحلل المائي (Hydrolysis)، الإذابة (Solution)، والأكسدة (Oxydation).

 

نواتج التجوية:

 

أ – وشاح الحطام (Regolith): يعتبر وشاح الحطام الناتج الأهم، والأكثر انتشارًا للتجوية، حيث يغطي كل النطاقات المناخية على سطح الأرض، وهو عبارة عن غلاف سطحي غير متصل (Discontunous) من الحطام الصخري المتآكل والمتحلل محليٌّا بفعل التجوية، هذا الوشاح يغطي الصخور الأصلية الصلبة والسليمة (الصخرة الأم =BedRock)، ويتراوح سُمْكُه من بضع سنتيمترات إلى مئات الأمتار بحسب: الظروف المناخية، ونوعية الصخور المجواة، وطول الفترة التي تعرضت فيها الصخور لفعل التجوية.

 

ب – التربة (Soil): وتمثل الجزء العلوي لوشاح الحطام، وهي تتكون من أجزاء صخرية دقيقة، ومعادن جديدة تكونت بفعل التجوية، بالإضافة إلى كميات متنوعة من المواد العضوية المتحللة، وهي عبارة عن تطور سطحي لوشاح الحطام نتيجة للتدخل المباشر للعوامل الحيوية (م.كامبي/ ,M.Campy ج.ج.ماكير/ ;J.J.Macaire 1989م).

 

ب – 1- عمليات تكوين التربة: تتكون التربة نتيجة لمجموعة من العمليات الطبيعية والكيميائية والحيوية، تؤدي إلى تحوير الصخور الأصلية غير العضوية والخالية من مظاهر الحياة، إلى تربة زراعية نشيطة مليئة بالحياة، ومن أهم هذه العمليات نذكر: الغسيل (Leaching)، الإزالة (Eluviation)، الترسيب أو التراكم (Illuviation)، التكلس (Calcification)، التملح (Salinisation) وغيرها (يوسف أحمد فوزي؛ 1987م).

 

وتمتاز التربات الناضجة – التي تعرضت لفعل العناصر الطبيعية والكيميائية والحيوية لفترات زمنية كافية – بمقطع (Profile)، يشتمل على عدد من الآفاق (Horizons) المتفاوتة في سمكها وفي مكوناتها من مكان لآخر، وهي ثلاث طبقات من أعلى إلى أسفل: الأفق (HorizonA)A، الأفق (HorizonB) B والأفق (HorizonC)C. وترتكز هذه الآفاق الثلاثة على الصخر الأصلي الصلد، السليم (بحيري صلاح الدين؛ 1998م).

 

ب- 2 -عمر التربة: تعتبر عملية تكوين التربة، عملية طبيعية بطيئة للغاية، قد تحتاج إلى آلاف بل إلى ملايين السنين: فعملية تكوين تربة الكيرنوزيم (أو الشيرنوزيم = (Chernozem استغرقت حوالي خمسة آلاف إلى عشرة آلاف سنة وتربة الرندزينا (Rendzinas) استغرقت أكثر من عشرة آلاف سنة، كما قدر عمر تربة اليوتيسول Utisols بزمن يتراوح بين مائة وثلاثين ألف سنة ومليون سنة؛ بينما تكونت تربة السبودوسول Spodosols شمال السويد في زمن حُسِبَ بحوالي ألف إلى ألف وخمسمائة سنة (انظر يوسف أحمد فوزي؛ 1987م).

 

أهمية الماء بالنسبة للتجوية وتكوين التربة {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبٌّا}: حتى نبين قيمة الإشارة القرآنية في قوله- عز وجل: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبٌّا}، اخترنا أن نخصص فقرة مستقلة للحديث عن دور الماء في مختلف المراحل والعمليات المؤدية إلى إيجاد التربة وإنضاجها.

 

دور الماء في التجوية:

 

يلعب الماء دورًا بارزًا في عمليات التجوية بنوعيها الميكانيكية والكيميائية، وذلك بواسطة العمليات التالية:

 

1 – في التجوية الميكانيكية:

 

أ – فعل الصقيع أو التجمند (Frost Action): يؤدي تجمد الماء – المتواجد في الفراغات داخل الصخور – وذوبانه إلى تغير متواصل في حجم الماء عندما يمر من حالته السائلة إلى حالته الصلبة، بنسبة تراوح 10%، الأمر الذي يعرض جدران الفراغات داخل الصخور إلى قوة ضغط جد مرتفعة قد تصل إلى 15 كلغ لكل سم2 – في انعدام أي تسربات – ثم إن تراكم فعل دورات التجمد والذوبان المتكررة، يؤدي إلى انفصال أجزاء أو حبيبات من الكتل الصخرية (ر.كوك/ R.Coque؛ 1998م).

 

ب – التفكك بفعل الماء السائل: سنكتفي بالإشارة إلى فعل الماء السائل لوحده (Water Weathering/ Hydroclastie)، دون فعل الماء السائل المشبع بالأملاح (Haloclastie/Salt Weathering)، حيث تؤدي التغيرات الكبيرة في كمية المياه المتواجدة داخل الصخور، إلى تغيرات مهمة في أحجام هذه الأخيرة: فانتفاخ معدن الموموريونيت – الطيني – (Montmorillonite)، نتيجة للتشبع بالماء، قد يصل إلى حوالي %60، ثم إن الانكماش الناتج عن تيبس سريع يؤدي إلى نوع من التشظي (Splitting) يظهر على شكل (قشور البصل) (Desquamation) أو على شكل مضلعات (Polygonation) (ر.كوك/ R.Coque؛ 1998م).

 

2 – في التجوية الكيميائية:

 

يقول ماكس ديرو في كتابه (مبادئ الجيومورفولوجيا) – عند حديثه عن الفساد الكيماوي للصخور (أي التجوية الكيميائية): (ويندر أن يحدث في حالة الجفاف بل على العموم بواسطة الماء)، ويتم فعل الماء بواسطة عمليتين أساسين هما، التميؤ والإذابة:

 

أ – التميؤ أو التحلل المائي (Hydrolysis): وهو عبارة عن تفاعل كيميائي بين الماء وبين أحد العناصر المكونة للصخر، حيث يتحد -OH مع أحد أجزاء الصخر و H+ مع جزء آخر، فينشأ عنصر آخر أقل تماسكًا من العنصر الأصلي، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف تماسك وصلابة الصخر، ومن أحسن وأشهر الأمثلة على ذلك، تحول معادن البلاجيوكلاز (Plagioclase) – والذي يوجد في عدد كبير من الصخور، الباطنية والمتحولة والرسوبية – بفعل التميؤ إلى معادن طينية:

 

البلاجيوكلاز + الحامض الكربوني + الماء >>>>> عناصر متحللة + طيني

 

ب – الإذابة (Solution): هي أولى مراحل التجوية الكيميائية وتتم عبر عملية تحلل تام لمعادن الصخور – كالصخور الملحية أو الأحجار الجيرية – إلى الأيونات (Ions) التي تتكون منها هذه المعادن، بفعل مياه الأمطار.

 

ويلاحظ أن تحليل المياه الجارية يعطي فكرة عن الصخور التي مرت بها لما تحتويه من مواد ذائبة، كما أن وجود ثاني أكسيد الكربون الذائب بالماء يزيد كثيرًا من نسبة ذوبان كربونات الكالسيوم (يوسف أحمد فوزي؛ 1987م).

 

دور الماء في إنضاج التربة (ج.توريز/ J.Thorez؛ 1992م):

 

تبدأ التربة في التكوين والتشكل مباشرة بعد تواجد أدنى أثر لحياة نباتية أو حيوانية في الجزء السطحي المتفكك الهش، بعد أول تحلل جيوكيميائي (التجوية) للأساس الجيولوجي (الصخرة الأصلية)، ويمر تكوين التربة بثلاث مراحل هي: تحلل الصخرة الأصلية (المرحلة الأولى)؛ التوفير المتزايد للمواد العضوية (المرحلة الثانية)؛ وتطور التربة وتمايز آفاقها (المرحلة الثالثة)، وخلال هذه المرحلة يتم – عبر الحركات العمودية للماء (من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى، حسب الفصول) – نقل عناصر وجزيئات طينية بالإضافة إلى عناصر ذائبة ومتحللة (أملاح الكالسيوم، أكاسيد الماء، طين، وذبال)، وانتقالات تلك العناصر من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى – بواسطة الماء – من شأنها إنضاج التربة وتمييز آفاقها.

 

أهمية التجوية {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقٌّا}:

 

من دون حصول التجوية فإن القارات ستظهر على شكل صخور صلدة قاسية، خالية من أي غطاء ترابي، وبالتالي سوف تستحيل حياة النبات والحيوان على هذا الكوكب (و.ك.هامبلن/W.K.Hamblin؛ إ.هـ.كريسيانسن/ E.H.Christiansen ؛ 2001م).

 

أهمية التربة في حياة الإنسان {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبٌّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا *..}:

 

للتربة في حياة الإنسان دور أساس وحيوي جدٌّا. وبدون استغلالها لا يمكن لحياة المجتمعات الإنسانية أن تستقيم، إذ تقوم بأربعة أدوار رئيسة بالنسبة لحياة الإنسان وصحته (أ.رويلان/ A.Ruellan، م.دوسو/ M.Dosso؛ 1993م). وهذه الوظائف هي ما نطلق عليه الأدوار.. كما يلي:

 

1 -الدور الحيوي: فالتربة تؤوي ــ جزئيٌّا أو كليٌّا ــ العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية؛ كما أن الكثير من الدورات الحياتية تمر عبر التربة، التي تمثل جزءًا مهمٌّا جدٌّا من العديد من الأنظمة البيئية.

 

2 -الدور الغذائي: وهو الدور الذي رأينا الإشارة إليه في قوله ــ تعالى: }وَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبٌّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا *..{: إذ تحتوي التربة على عدد من العناصر الضرورية للحياة (الماء، الهواء، الكالسيوم، البوتاسيوم…)، تجمعها التربة وتضعها رهن إشارة النباتات والحيوانات.

 

3 – الدور البيئي (أو دور المصفاة): وذلك بتنقية المياه التي تنفذ عبر التربة وبالتالي تحسين جودتها الكيميائية والحيوية، قبل أن تعود مرة أخرى لملء العيون والآبار والأنهار، وقد تم استغلال هذه الخاصية بتصنيع مصافٍ طينية لتنقية وتطهير المياه المستعملة (مياه الصرف الصحي)، من أجل إعادة تدويرها.

 

4- دور مادة البناء: حيث تستعمل التربة كركيزة وكمادة بناء في نفس الوقت لتشييد البنايات والطرقات والقنوات والسدود…، كما تستعمل كمادة أولية أساسية في الصناعات الخزفية.

 

خاتمة

 

يقول- تعالى – في سورة عبس: {…* قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ * مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ * كَلا لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ *…} إن السياق القرآني الذي وردت فيه الآيات القرآنية موضوع الدرس، يوضح أنه بالإضافة إلى الامتنان على الإنسان بنعمة توفير الطعام له من دون حول منه ولا قوة، ففي هذه الآيات- بعد الاستدلال على حقيقة البعث بقضية خلق الإنسان من نطفة مهينة – استدلال آخر على أن الله الذي يحيي النبات من الأرض الهامدة، قادر على أن يحيي الأجسام بعد أن تصير رميمًا، كما أن فيه حكمة أخرى تتمثل بتقريب قضية البعث لذهن الإنسان، وكيفية حصوله، ولذلك يقول الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير)(9): (… وفي جميع تلك الأطوار تمثيل لإحياء الأجساد المستقرة في الأرض، فقد يكون هذا التمثيل في مجرد الهيئة الحاصلة بإحياء الأجساد، وقد يكون في جميع تلك الأطوار بأن تخرج الأجساد من الأرض كخروج النبات بأن يكون بذرها في الأرض ويرسل الله لها قوى – لا نعلمها – تشابه قوة الماء الذي به تحيا بذور النبات، قال تعالى: }وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا{، وإلى المعنى الثاني تشير مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن بعث ابن آدم من عَجْب الذَّنَبِ: عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (ما بين النفختين أربعون، قال: أربعون يومًا؟، قال: أَبَيْتُ، قال: أربعون شهرًا؟، قال: أبيت، قال: أربعون سنة؟، قال: أبيت، قال: ثم يُنزِلُ الله من السماء ماء فَيَنبُتُونَ كما يَنبُتُ البَقْلُ، ليس من الإنسان شيء إلا يَبْلَى إلا عَظْمًا واحدًا وهو عَجْب الذَّنَب ومنه يركّب الخلق يوم القيامة)(10)، وعنه أيضًا قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم: (يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عَجْب ذَنَبِه، قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: مثل حبة خردل منه تنبتون)..11.إلخ.

 

فسبحان الذي أبدع الإنسان، وأخرجه إلى الوجود، وهيأ له أسباب المعاش، كي يستعد بها للمعاد.

 

المصادر العربية:

 

– القرآن الكريم. رواية حفص عن عاصم.

 

– شركة صخر للحاسب الآلي (موسوعة الحديث الشريف، الكتب التسعة)، 1996م. قرص مضغوط.

 

– ابن كثير؛ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل (تفسير القرآن العظيم (مؤسسة الكتب الثقافية)، بيروت، 1996م، ط 5.

 

– الزحيلي؛ وهبة (التفسير المنير)، دار الفكر، دمشق، 1998م، ط 2.

 

– قطب؛ سيد (في ظلال القرآن)، دار الشروق.

 

– الزمخشري؛ محمود بن عمر بن محمد (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995م، ط 1.

 

– القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، دار الكتب العلمية، بيروت.

 

– ابن عاشور؛ الطاهر (التحرير والتنوير)، الدار التونسية للنشر.

 

– الأصفهاني؛ الراغب، أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل (معجم مفردات ألفاظ القرآن)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م، ط 1.

 

– (المعجم الوسيط).

 

– ابن منظور؛ أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (لسان العرب)، دار صادر، بيروت، 1994م، ط 4.

 

– وزارة التربية الوطنية للمملكة المغربية (المعجم العلمي والتقني، فرنسي عربي)، مكتبة عالم المعرفة، الرباط، 1994م، ص 350.

 

– الأيوبي؛ محمد زكي (القاموس الجغرافي الحديث)، دار العلم للملايين، بيروت، 1988م، ط 1، ص 644.

 

– مشرف؛ محمد عبدالغني، وإدريس عثمان (قاموس مصطلحات الرسوبيات المصور)، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض، 1990م، ط 1.

 

– جورج؛ بيار، ترجمة الطفيلي؛ حمد (معجم المصطلحات الجغرافية)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1994م، ط 1، ص 1007.

 

– يوسف؛ أحمد فوزي (البيدولوجي: نشأة ومورفولوجيا وتقسيم الأراضي)، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض، 1987م، ط 1، ص 500.

 

– بحيري؛ صلاح الدين (مبادئ الجغرافية الطبيعية)، دار الفكر، دمشق، 1996م، ط 2، ص 320.

 

– بحيري؛ صلاح الدين (أشكال الأرض)، دار الفكر، دمشق، 1998م، ط 2، ص 368.

 

– محسوب؛ محمد صبري (البيئة الطبيعية خصائصها وتفاعل الإنسان معها)، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996م، ص 448.

 

– التركي؛ خالد بن إبراهيم (الجيولوجيا الفيزيائية: علمي (معادن – صخور)، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض، 1995م، ط 2، ص 123.

 

– ديرو؛ ماكس، ترجمة حميدة؛ عبدالرحمن (مبادئ الجيومورفولوجيا)، دار الفكر، دمشق،1997م، ط 2، ص 344.

 

المصادر الأجنبية:

 

Foucault. A; Raoult. J-P; (1984): (Dictionnaire de Géologie (..Masson. Paris… 2ème eds. 345 p.

 

(HARRAP’S Shorter. Dictionnaire Anglais-Français/ Français-Anglais. (1993).

 

Michel. J-P; Fairbridge. R.W ; Carpentier. M. S. N, (1997): (Dictionnaire des Sciences de la Terre. Anglais/Français. Français/Anglais..”Paris. 3ème eds. 500 p.

 

George. P; Verger. F; (1996)-Sous la direction de: (Dictionnaire de la Géographie). Presse Universitaire de France. Paris. 6ème eds. 501 p.

 

Thomas. D. S. G ; Goudie. A; (2000): (The Dictionary of Physical Geography. (Blackwell Publishers. Oxford. 3ème eds. 610 p.

 

Ruellan. A ; Dosso. M ; (1993): (Regards sur le Sol. (. éditions Foucher. Paris. 192 p.

 

Coque. R; (1998): (Géomorphologie. (. Armand Colin. Paris. 6ème eds. 503 p.

 

Cojan. I; Renard. M; (1999): Sédimentologie. Dunod. Paris. 2ème eds. 418 p.

 

Hamblin. W.K; Christiansen. E.H; (2001): Earth’s Dynamic Systems. Prentice Hall. New Jersey. 9ème eds. 764 p.

 

Campy. M; Macaire. J-J; (1989): Géologie Des Formations Superficielles. Géodynamique – Faciès – Utilisation. Masson. Paris. 433 p.

 

Thorez. J; (1992)- Edition provisoire: Pédologie – Notes de cours. Université de Liège. Faculté Des Sciences. Laboratoire de Géologie des Argiles. Belgique.

 

Encyclopédie ENCARTA 98 -. 1998. CD-ROM.

 

انظر: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ص 672.

 

(1) لسان العرب. ج12 ص 363.

 

(2) لسان العرب ج 1 ص 515 بتصرف.

 

(3) معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص 280.

 

(4) مفردات القرآن للأصبهاني ص 271.

 

(5) لسان العرب ج 10 ص 181 باختزال.

 

(6) انظر التحرير والتنوير لابن عاشور ج 30 ص 131.

 

(7) الطمي من طما: إذا علا وارتفع (لسان العرب)؛ وفي علم الرواسب، الطمي (Silt/Limon): وهي أقسام ذات مقياس حبيبي تتراوح جزيئاتها ما بين 2 و20 ميكرون – 1 ميكرون = 1/1000 مليمتر – (معجم المصطلحات الجغرافية).

 

(8) من كتاب (في ظلال القرآن) ج 6 ص 3833، بتصرف.

 

(9) التحرير والتنوير ج 3 ص 130.

 

(10) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة.

 

(11) رواه أحمد.

 

 

السابق
الماء ودوره فى تلوين الصخور
التالي
من عجائب الماء