الإحباط لغة
مصدر قولهم: أحبط عمله يحبطه، وأحبطه الله، وهو مأخوذ من مادة (ح ب ط) التي تدل على «بطلان أو ألم» يقال: أحبط الله عمل الكافر أي أبطله «1» .
وقال الراغب: أصل حبط الأعمال من الحبط، وهو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنها «2» .
وقال الجوهري: يقال: حبط عمله حبطا وحبوطا: بطل ثوابه، والحبط: أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ بطونها، والإحباط (أيضا) : أن يذهب ماء الركية فلا يعود كما كان «3» .
وذهب الفيروز ابادي إلى أن حبوط العمل إما أن يكون مأخوذا من: حبط ماء الركية (البئر) إذا ذهب ذهابا لا يعود أبدا، وإما من قولهم: حبطت الدابة، من الحبط، وهو أن تأكل الدابة أكلا ينفخ بطنها «4» .
وقال ابن منظور: الحبط: من آثار الجرح، وقيا الحبط وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله، يقال:
حبط البعير حبطا، فهو حبط، والجمع حباطى «5» ، وحبطة، وفي الحديث الشريف: «وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم «6» » قال ابن الأثير:
المعنى: أن الربيع ينبت أحرار العشب فتستكثر منه الماشية «7» (حتى تنتفخ فتموت) ، قال الأزهري:
ضربه صلى الله عليه وسلم مثلا للمفرط في الجمع (للمال) والمنع (من حقه) وذلك أن الربيع ينبت أحرار العشب التي تحلوليها الماشية، فتستكثر منها، حتى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا ويحرص عليها ويشح بما جمع حتى يمنع ذا الحق حقه منها فيهلك في الأخرة بدخول النار واستيجاب العذاب «8» ، وقيد بعضهم الحبط بأنه انتفاخ يصحبه إمساك، فقال: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها، وقيل: الحبط: الانتفاخ أين كان من داء أو غيره، وقولهم: حبط جلده، معناه: ورم، قال ابن سيده:
إقرأ أيضا:شهادة الزوروالحبط في الضرع أهون الورم، وقولهم: حبط (فلان) حبطا وحبوطا: عمل عملا ثم أفسده «1» ، وفي التنزيل العزيز: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم (محمد/ 9) ، قال القرطبي في معنى الآية:
كرهوا ما أنزل الله من الكتب والشرائع فأحبط (أبطل ولم يقبل) ما لهم من صور الخيرات كعمارة المساجد وقرى الضيف، وأصناف القرب، ولا يقبل الله الأعمال إلا من مؤمن «2» ، أما قوله عز وجل: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فالمعنى: بطلت هذه الأعمال وفسدت، والآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام «3» .
قال الأزهري: ولا أرى حبط العمل (حبوطه) وبطلانه مأخوذا إلا من حبط البطن، لأن صاحب البطن يهلك، وكذلك عمل المنافق يحبط، غير أنهم سكنوا الباء في حبوط الأعمال فقالوا حبط، وحركوها في حبوط البطن فقالوا: حبط، ومن الاستعمالات الأخرى لهذا الفعل قولهم: حبط دم القتيل إذا هدر، وحبطت البئر إذا ذهب ماؤها «4» .
الإحباط اصطلاحا
قال الكفوي: الإحباط هو إبطال الحسنات بالسيئات «5» .
وقال أسعد رزق: الإحباط (وترادفه الخيبة) هو إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما، وسد الطريق التي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه، سواء أكان السعي نحو الهدف سعيا واعيا أو غير واع «6» ، قلت: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في العصر الحديث بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقب هذا النوع من الإحباط حالة من اليأس ربما تؤدي لترك العمل بالكلية.
إقرأ أيضا:القتلوقال بعض الباحثين المحدثين: الإحباط (بمفهومه العصري) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروري لإشباع حاجة ملحة عنده «7» .
أنواع الإحباط
قال في البصائر: وحبط (إحباط) العمل على أضرب:
الأول: أن تكون الأعمال دنيوية (ليست صادرة عن ذي دين) فهي لا تغني شيئا يوم القيامة، وقد أشار المولى إلى ذلك في قوله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (الفرقان/ 23) .
الثاني: أن تكون أعمالا دنيوية لا يقصد بها صاحبها وجه الله (وذلك كأعمال الرياء) .
الثالث: أن تكون أعمالا صالحة يكون بإزائهاسيئات تزيد عليها، وهو المشار إليه بخفة الميزان «1» .
أسباب حبوط العمل
إن من يتأمل آي الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة الواردة في «الإحباط أو الحبط» يتضح له أن هناك أسبابا عديدة تؤدي لبطلان الأعمال وفقد ثوابها مما ينتج عنه خيبة أصحابها وخسرانهم في الدنيا والآخرة.
متى يحدث الإحباط؟
يحدث الإحباط (بمفهومه الحديث) عندما يكون الشخص مهيئا لتحقيق هدف ما ومستعدا لعمل ما يوصله إليه، ثم يجد عائقا يمنعه من أداء ذلك العمل أو يعوقه عن تحقيق هدفه، مثال ذلك أن يشعر الإنسان بحاجة قوية لفعل شيء ويستعد لتحقيق ذلك الشيء، ثم يمنع منه ظلما، فإنه يشعر بالتوتر والضيق، فإذا لم يستطع إزالة ذلك الحائل بالأساليب المباشرة واستمرت رغبته قوية في الهدف فإن ذلك يؤدي إلى التوتر والضيق والشعور بالألم والحسرة ونحو ذلك من المشاعر المؤلمة الناجمة عن هذا الإخفاق وذلك الإحباط «2» .
إقرأ أيضا:سوء الظنويختلف الناس في الشعور بالإحباط وفي القدرة على تحمله بحسب ما يدعى «عتبة الإحباط» التي توجد بدرجات متفاوتة، إذ توجد عند البعض بدرجة منخفضة وعند بعضهم بدرجة متوسطة أو عالية، فالشخص ذو عتبة الإحباط المنخفضة يشعر بسرعة، ويدركه في مواقف كثيرة، قد لا تسبب الإحباط لكثير من الناس، أما الشخص ذو عتبة الإحباط المتوسطة أو العالية، فلا يشعر بالإحباط إلا في المواقف التي فيها عوائق شديدة، وفي استطاعة هذا الشخص- بقوة إرادته- أن يتحمل مشاعر الإحباط وأن يتخطاها «3» .
معالجة الشعور بالإحباط
لمعالجة الإحباط بعد وقوعه والوقاية منه قبل حدوثه عوامل عديدة تمكن المجتمع الإسلامي من التخلص من آثاره الضارة، وأهم هذه العوامل:
1- تنمية الشعور بالرضا حتى يقبل كل شخص ما قدره الله له من الرزق والصحة والمنصب، وعلى كل منا أن يضع هدفا مناسبا لقدراته وإمكاناته وظروفه ثم المثابرة وبذل الجهد لتحقيق ذلك الهدف.
2- على الإنسان أن يتعود على الأخذ بالأسباب، والصبر على البلاء، وعدم اليأس أو القنوط إذا حدثت عوائق تحول بينه وبين النجاح المأمول وعليه معاودة السعي مرة ومرات حتى يحقق الله عز وجل مسعاه.
3- على المجتمع مساعدة الأسر الفقيرة كي لا يتعرضوا للإحباط الشديد الناجم عن عدم القدرة على توفير احتياجاتهم الضرورية، وهنا تقوم فريضة الزكاة بدور حاسم في القضاء على إحباطات الأسر الفقيرة، ويتصل بذلك أيضا صفات: البر، الصدقة، المروءة،صلة الرحم ونحوها.
4- على المجتمع أيضا أن يعنى بطبقة العاطلين عن العمل والتلاميذ المتأخرين دراسيا بمساعدة هؤلاء في حل مشكلاتهم وغرس قيم الصبر والمثابرة وضبط النفس والتفاؤل حتى يستطيعوا حل مشكلاتهم بأنفسهم، وعلى المحيطين بهؤلاء عدم إهانتهم أو تحقيرهم خاصة إذا كانت عوامل فشلهم وإحباطهم خارجة عن إرادتهم.
[للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- صغر الهمة- الكسل- الوهن- التنصل من المسئولية- الضعف- اليأس- القنوط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العزم والعزيمة- علو الهمة- القوة- قوة الإرادة- المسئولية- النشاط الثبات] .
الآيات الواردة في «الإحباط» *
1- يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (217) «1»
2- إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم (21) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (22) «2»
3- اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (5) «3» 4- ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين (53) «4»
5- ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون (88) «5»
6- والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (147) «6»
7- ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون (17) «7»
8- كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون (69) «8»
9- من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون (16) «1»
10- قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (105) «2»
11- قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا (18) أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا (19) «3»
12- ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (65) «4»
13- والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم (8) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم (9) «5»
14- إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم (26) فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (28) «6»
15- إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم (32) «7»
16- يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2) «8»
الآيات الواردة في «الإحباط» معنى
17- ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور (9) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور (10) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير (11) «1»
18- يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (87) «2»
19- وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا (83) قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا (84) «3»
20- والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم (23) «4» 21- لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط (49) «5»
22- يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور (13) «6»
الأحاديث الواردة في ذم (الإحباط)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر» ) * «1» .
2-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت «2» فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يوما راحا «3» فاذروه في اليم، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال:
من خشيتك، فغفر الله له» ) * «4» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة.
وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار» ) * «5» .
4-* (عن حبة وسواء، ابني خالد- رضي الله عنهم- قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج «6» شيئا. فأعناه عليه.
فقال: «لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما «7» فإن الإنسان تلده أمه أحمر، ليس عليه قشر، ثم يرزقه الله- عز وجل-» ) * «8» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دوية «9» مهلكة «10» معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت.
فطلبها حتى أدركه العطش. ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه.
فأنام حتى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلتهوزاده» ) * «1» .
6-* (عن سهل بن سعد الساعدي قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين- وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم «2» – فقال: «من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتى جرح، فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه «3» فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليعمل- فيما يرى الناس- عمل أهل الجنة، وإنه لمن أهل النار، ويعمل- فيما يرى الناس- عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها» ) * «4» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به. فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» ) * «5» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول:
ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك؛ الله ربنا، هذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم، ثم يتوارى ثم يطلع فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال:
وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة، ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه.
ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمرون عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم، ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج، ثم يقال: هل امتلأت؟، فتقول: هل من مزيد (ق/ 30) ثم يطرح فيها فوج فيقال: هل امتلأت، فتقول: هل من مزيد؟ حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثم قال: قط، قالت: قط، قط، فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال: أتي بالموت ملبيا، فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين، ثم يقال:
يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة،فيقال لأهل الجنة ولأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الذي وكل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السور الذي بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النار خلود لا موت» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (الإحباط)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:
أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» ) * «2» .
2-* (عن عروة أنه سأل عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت قول الله حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا (يوسف/ 110) أو كذبوا؟ قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن. فقالت: يا عرية، لقد استيقنوا بذلك. قلت:
فلعلها «أو كذبوا» قالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، وأما هذه الآية قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم، وصدقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر. حتى إذا استيأست ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله» ) * «3» .
3-* (عن أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهنم، فيقولون: قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال (غافر/ 50) . قال:
فيقولون: ادعوا مالكا، فيقولون: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك؟ قال: فيجيبهم إنكم ماكثون (الزخرف/ 77) قال الأعمش: نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام. قال: فيقولون:
ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم، فيقولون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين* ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال:
فيجيبهم: قال اخسؤا فيها ولا تكلمون (المؤمنون/ 106- 108) قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير، وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل» ) * «1» .
4-* (قال مجاهد، في قوله تعالى: كما يئس الكفار من أصحاب القبور (الممتحنة/ 13) قال:
كما يئس الكفار في قبورهم من رحمة الله تعالى، لأنهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ» ) * «2» .
5-* (قال محمد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النون المصري يقول في دعائه: اللهم، إليك تقصد رغبتي، وإياك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك» ) * «3» .
6-* (قال أبو حاتم السجستاني منشدا:
إذا اشتملت على اليأس القلوب … وضاق لما به الصدر الرحيب وأوطأت المكاره واطمأنت … وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجها … ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث … يمن به اللطيف المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت … فموصول بها الفرج القريب) * «4» .
من مضار (الإحباط)
(1) الإحباط هو قرين اليأس والقنوط.
(2) تقليل الإنتاج اليومي.
(3) مدعاة لترك العمل والنبوغ، والقعود عن طلب معالي الأمور.
(4) الإحباط يحدث تقديم من يستحق التأخير وتأخير من يستحق التقديم.
(5) دليل على ضعف الإيمان وسوء الظن بالرحمن.
(6) دليل على ضعف الهمة وفقدان الشخصية.
(7) تسود في المجتمع روح الكراهية والبغضاء.