تصورات الأمم لله

الإله عند اليهود

الإله عند اليهود (1)

 
حفلت ديانة بني إسرائيل – اليهودية – بالتصورات الوثنية وباللوثة القومية على السواء ، فبنو إسرائيل – وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام – جاءتهم رسلهم ، وفي أولهم إسرائيل ، بالتوحيد الخالص الذي علمهم إياه أبوهم إبراهيم ، ثم جاءهم نبيهم الأكبر موسى عليه السلام بدعوة التوحيد أيضاً مع الشريعة الموسوية المبنية على أساسه ، ولكنّهم انحرفوا على مدى الزمن ، وهبطوا في تصوراتهم إلى مستوى الوثنيات ، وأثبتوا في كتبهم ( المقدسة ) وفي صُلب التوراة أساطير وتصورات عن الله – سبحانه – لا ترتفع عن أحط التصورات الوثنية للإغريق وغيرهم من الوثنيين الذين لم يتلقوا رسالة سماوية ، ولا كان لهم من عند الله كتاب .

ولقد كانت عقيدة التوحيد التي أنزلها الله على إبراهيم عقيدة خالصة ناصعة شاملة متكاملة ، واجه بها الوثنية مواجهة حاسمة كما صورها القرآن الكريم ، ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه قبل أن يموت : ( واتل عليهم نبأ إبراهيم – إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون – قالوا نعبد أصناماً فنظلُّ لها عاكفين – قال هل يسمعونكم إذ تدعون – أو ينفعونكم أو يضُّرون – قالوا بل وجدنا آبَاءنَا كذلك يفعلون – قال أَفَرَأَيْتُم مَّا كنتم تعبدون – أنتم وَآبَاؤُكُمُ الأقدمون – فإنَّهم عدوٌّ لي إلاَّ ربَّ العالمين – الذي خلقني فهو يهدين – والَّذي هو يطعمني ويسقين – وإذا مرضت فهو يشفين – والَّذي يميتني ثمَّ ُيحيين – والَّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين – ربَّ هب لي حكماً وألحقني بالصَّالحين – واجعل لي لسان صدقٍ في الْآخِرِينَ ) [ الشعراء : 69-84 ] .

إقرأ أيضا:التعريف بالنصرانية

 
( ومن يرغب عن ملَّة إبراهيم إلاَّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنَّه في الآخِرَةِ لمن الصَّالحين – إذ قال له ربُّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين – ووصَّى بها إبراهيم بَنِيهِ ويعقوب يا بنيَّ إنَّ الله اصطفى لكم الدين فلا تموتُنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون – أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لِبَنِيهِ ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ) [البقر: 130-133] .
ومن هذا التوحيد الخالص وهذه العقيدة الناصعة وهذا الاعتقاد في الآخرة انتكس الأحفاد ، وظلوا في انتكاستهم حتى جاءهم موسى عليه السلام بعقيدة التوحيد والتنزيه من جديد ، ولكنهم لم يستقيموا عليها ، بل انحرفوا عنها .

ولقد بدأ انحرافهم وموسى عليه السلام بين أظهرهم ، من ذلك عبادتهم للعجل الذي صنعه لهم السامري من الذهب الذي حملوه معهم من حليّ نساء المصريين ( قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنَّا حملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامريُّ – فاخرج لهم عجلاً جسداً لَّه خوارٌ فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) [ طه : 87-88] .

وقبل ذلك طلبوا من موسى – عليه السلام – أن يقيم لهم صنماً يعبدونه : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلِهَةٌ قال إنّكم قومٌ تجهلون ) [ الأعراف : 138 ].

إقرأ أيضا:نشأة النصرانية و تاريخها

وحكى القرآن الكثير عن انحرافهم وسوء تصورهم لله – سبحانه – وشركهم ووثنيتهم ، فنسبوا لله الولد ( وقالت اليهود عزيز ابن الله ) [ التوبة: 30 ] ونعتوه – سبحانه – بالبخل والفقر : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) [ المائدة : 64 ] ، ( لَّقد سمع الله قول الذين قالوا إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍ ) [ آل عمران : 181 ] .

 
ومن لوثة القومية واعتقادهم أنّ إلههم قومي ، لا يحاسبهم بقانون الأخلاق إلا في سلوك بعضهم مع بعض ، أما الغرباء ( غير اليهود ) فهو لا يحاسبهم على سلوك معيب بهم .
من هذه اللوثة كان قولهم الذي حكاه القرآن الكريم : ( ومنهم مَّن إن تأمنه بدينارٍ لا يؤده إليك إلاَّ ما دمت عليه قائِماً ذلك بأنَّهم قالوا ليس علينا في الأمّيين سبيلٌ ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) [ آل عمران : 75 ] ، وقد تضمنت كتبهم المحرفة أوصافاً لإلههم لا ترتفع كثيراً على أوصاف الإغريق في وثنيتهم لآلهتهم .
جاء في الإصحاح الثالث من سفر التكوين : ” بعد ارتكاب آدم لخطيئة الأكل من الشجرة ( وهي كما يقول كاتب الإصحاح شجرة معرفة الخير والشر ) وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار ، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط الجنة ، فنادى الرب الإله آدم ، وقال له : أين أنت ؟ فقال : سمعت صوتك في الجنة ، فخشيتك ، لأني عريان ، فاختبأت ، فقال : من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها ؟ .

إقرأ أيضا:المجامع النصرانية

وقال الرب الإله : هوذا الإنسان صار كواحد منا عارفاً الخير والشر ، والآن لعله يمد يده ، ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ، أو يأكل ويحيا إلى الأبد ، فأخرجه الربّ الإله من جنة عدن ، ليعمل في الأرض التي أخذ منها ، فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ، ولهيب سيف متقلب لحراسة شجرة الحياة ” .
واضح ما في هذه النقول من وصف الله – سبحانه – بالجهل ، وأنه لا يدري أين آدم حتى عرّفه هو ، وأنه كالبشر يتمشى كما يتمشى البشر ، وأن السبب في إخراج آدم من الجنة ليس هو معصية آدم لربه كما وضحه القرآن ، وإنما هو خوف الله تعالى من أن يأكل الإنسان من شجرة الحياة فيكون من الخالدين ! وأن الله لم يُعرّف الإنسان الخير والشر ، وإنما علم ذلك عندما أكل من الشجرة ، وكل ذلك كذب وافتراء على الله سبحانه وتعالى .

 
ويفهم من كلامهم أن حياة الله التي لا آخر لها إنما كانت بسبب أكله من شجرة الحياة – سبحانه – عما يقولون .وكما نسبوا إلى الله – سبحانه – الجهل نسبوا إليه الحزن والندم على فِعْلٍ فَعَلَه ، فهم يذكرون أنه حزن على خلق الإنسان لما كثر شرّه وفساده في عهد نوح : ” ورأى الربّ أن شرّ الإنسان قد كثر في الأرض ، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم ، فحزن الربّ أنه عمل الإنسان في الأرض ، وتأسف في قلبه ، فقال الربّ : أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته . الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء ، لأني حزنت أني عملتهم ، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب .

واستمع إلى هذه الخرافة التي وردت في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين : ” بعدما عمرت الأرض بذرية نوح ، وكانت كلّها لساناً واحداً ولغة واحدة ، وحدث في ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا نعمة في أرض شنعار ، وسكنوا هناك ، وقال بعضهم لبعض : هلم نصنع لبناً ونشويه شياً ، فكان لهم اللبن مكان الحجر ، وكان لهم الحجر مكان الطين ، وقالوا : هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه في السماء ونصنع اسماً ، لئلا نتبدد على وجه كل الأرض .فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كانوا بنو آدم يبنونهما ، وقال الرب : هوذا شعب واحد ، ولسان واحد لجميعهم ، وهذا ابتداؤهم بالعمل ، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه . هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم ، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض ، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض ، فكفوا عن بنيان المدينة ، لذلك دعي اسمها بابل ، لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض ، ومن هناك بددهم الرب على وجه الأرض ” .

 
أي خرافة هذه التي تزوّر الحقيقة ، وتكاد تمحو معالمها !، وأي إله هذا الذي ترسمه هذه الخرافة ؟ هذا الإله الذي يخاف البشر ، ويخاف تكتلهم واجتماعهم ، فإذا به يحاربهم قبل أن تجتمع كلمتهم ، ويصلب عودُهم ، ويشتتهم في أقطار الأرض بعد أن يبلبل ألسنتهم .

ونسب اليهود إلى الله فعل الشر ، كما نسبوا إليه الندم على ما فعل ، ففي سفر صموئيل الثاني ، الإصحاح الرابع والعشرون : ” فجاء الربّ وباء في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد ، فمات من الشعب من دان إلى بئر السبع سبعون ألف رجل ، وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها ، فندم الرب على الشر . فقال للملاك المهلك الشعب : كفى الآن ، رويدك ” .

فإذا تركنا ما حكاه القرآن عن ضلالة اليهود في وصفهم لربهم ، وما في التوراة من تحريف وزيف ونظرنا في ( التلمود ) وهو الكتاب الذي سطره علماء اليهود وحاخاماتهم ، وله من الأهمية في نظرهم فوق ما للتوراة ، لو نظرنا فيه لهالنا ذلك الضلال الذي وقع فيه اليهود لا في العقيدة فحسب ، بل في شتى مناحي الشريعة .
وسأكتفي بأن أنقل من كتاب (( الكنز المرصود في قواعد التلمود )) ما يتعلق بالعزة الإلهية ، فمن ذلك أن الله عندهم يحتاج إلى أن يقرأ ويتعلم ، كما أنه يهزل ويلعب سبحانه وتعالى ، فقد ورد في تلمودهم (( أن النهار اثنتا عشرة ساعة : في الثلاثة الأولى منها يجلس ويطالع الشريعة ، وفي الثلاثة الثانية يحكم ، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم ، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك )) .
واسمع ما هو أدهى وأعظم : ” أنه لا شغل لله غير تعلمه التلمود مع الملائكة ” ، وليس الملائكة فقط ، بل مع ( أسمودية ) ملك الشياطين في مدرسة السماء .

 
وما الحوت الذي يلعب معه الرب ؟

إنه حوت كبير جداً يمكن أن يدخل في حلقه سمكة طولها ثلاثمائة فرسخ بدون أن تضايقه ، وبما أن له هذا الحجم فإن الله خاف إذا ما تناسل أن يهلك الدنيا ، ولذا فإنه رأى أن يحرمه زوجته ، لأنه لو لم يفعل ذلك لامتلأت الدنيا وحوشاً أهلكت من فيها ، ولذلك حبس الله الذكر بقوته الإلهية ، وقتل الأنثى وملحها وأعدها لطعام المؤمنين في الفردوس .

ويضيفون إلى هذه الخرافات التي أصبحت عقائد لهم أن : ” الله لم يلعب مع الحوت بعد هدم الهيكل ، ولم يمل بعدم هدم الهيكل إلى الرقص مع حواء بعدما زينها بملابسها ، وعقص لها شعرها ” .
تباً لهم وبُعداً ، إنهم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قول الأمم الضالة المشركة ، فإلههم حسب تصورهم لا يختلف عن البشر ، يفكر تفكيرهم ، ويفعل فِعلهم ، يلعب ، ويرقص ، ويحزن ، ويبكي ، على ماذا ؟ على هدم هيكل اليهود الذي بناه لهم سليمان .

والهيكل يرمز إلى مجد اليهود وقد جعلوا الله من ذلك التاريخ الذي هُدم فيه الهيكل إلى اليوم يبكي ثلاثة أرباع الليل يزأر كالأسد قائلاً : ” تباً لي لأني صرّحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي ” .
بل يغالون في التحريف والتدجيل ، فيقولون : إن الله تضاءلت ذاته – سبحانه وتعالى – عما يقولون علواً عظيماً – بسبب حزنه على خراب الهيكل ” وشغل الله مساحة أربع سماوات بعد أن كان ملء السماوات والأرض في جميع الأزمان ” .
ويصفون العلي المجيد بأنه يحقر نفسه – سبحانه – عندما يمجّده عباده – ويقصدون بهم اليهود طبعاً – ” ولما يسمع الباري – تعالى – تمجيد الناس له ، يطرق رأسه ويقول : ما أسعد الملك الذي يمدح ويبجل مع استحقاقه لذلك ، ولكن لا يستحق شيئاً من المدح الأب الذي يترك أولاده في الشقاء ” .قاتلهم الله أنّى يؤفكون .

 
ومما افتروه على ربّ العزة – جلّ وتقدّس عما يقولون – أنه يلطم ويبكي ، وتتساقط دموعه ، كل ذلك على شقاء اليهود وما حلّ بهم . ” يتندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة ، حتى إذا يلطم ويبكي كل يوم ، فتسقط من عينه دمعتان في البحر ، فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه ، وتضطرب المياه ، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان ، فتحصل الزلازل ” .

وينسبون إليه الخطأ والاعتراف بالذنب ، والتكفير عن الذنب ، فيزعمون كذباً وزوراً أن القمر خطأ الله سبحانه ، وقال للرب – سبحانه – عما يقولون : ” أخطأت حيث خلقتني أصغر من الشمس ، فأذعن الله لذلك ، واعترف بخطئه ، وقال : اذبحوا لي ذبيحة أكفر بها عن ذنبي ، لأني خلقت القمر أصغر من الشمس ” ولا أدري كيف ساغ أن يزعموا أن الله يكفِّر ، وترى لمن يكفر ؟!

إن العقول التي تفتري هذا الافتراء سخيفة سخافة كبيرة ، وإن العقول التي تؤمن بهذه السخافة وتصدقها لا تقل عنها سخافة ، والحمد لله الذي هدانا للحق والنور المبين .

ومن جملة سخافاتهم التي هي عقائد عندهم ” أن الله يستولي عليه الطيش ، كما حصل ذلك منه يوم غضب على بني إسرائيل ، وحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية ، ولكنه ندم على ذلك بعد ذهاب الطيش منه ، ولم ينفذ ذلك اليمين لأنه فَعَلَ ضد العدالة ” .

ولم يقف الأمر عند كونه يحلف ، ويحلف جهلاً وطيشاً ، ويظلم ويكفِّر ، بل زعموا أنه يحتاج إلى التكفير عن يمينه ، فقد جاء في تلمودهم ” إن الله إذا حلف يميناً غير قانونية احتاج إلى من يحلله من يمينه ، وقد سمع أحد العقلاء من الإسرائيليين أن الله تعالى يقول : من يحللني من اليمين التي أقسمت بها ؟ ولما علم باقي الحاخامات أنه لم يحلله منها اعتبروه حماراً ، لأنه لم يحلل الله من يمينه ، ولذلك نصبوا ملكاً بين السماء والأرض اسمه (مي) لتحليل الله من أيمانه ونذوره عند اللزوم ” . (2)

 
هذه نماذج من العقيدة اليهودية المحرفة المزيفة التي تشكل قاعدة دينهم ، وهي لا تقل في انحطاطها عن أساطير الإغريق والوثنيين في آلهتهم .
——————————–
(1) خصائص التصور الإسلامي ، لسيد قطب بتصرف يسير … ص 11 .
(2) هذا قليل من كثير مما سطرته أيدي اليهود في ( تلمودهم ) .

السابق
انحراف العرب عن التوحيد
التالي
الله