شكوك وإجابات

الأسئلة الوجودية.. صريحُ إيمان أم خداعٌ للذات؟!

الأسئلة الوجودية.. مضامين واحدة أحيانا.. إلا أن الباعث عليها والهدف من ورائها والنتيجة المترتبة على الإجابة عنها تختلف من إنسان لآخر.. فهي دالة على صريح وعمق الإيمان لدى البعض، وخداع الذات وموت الفطرة السليمة لدى الآخرين!.. فلنتعرف على كيفية ذلك من خلال المقال التالي[1]

أحمد الجناحي

الأسئلة الوجودية

كيف لمن لا يعلم ما سيحدث له بعد الموت أن ينعم بحياة؟!

في حوار مع أحد الأشخاص حول بعض الأسئلة الكبرى وما يتعلق بالإيمان والإلحاد، لاحظ أني أجيب بنوع من (الدفاعية) كما سماها، طلب مني الهدوء، بل وأخبرني أن الموضوع عنده مثل شرب كأس من الماء خلال الأعوام المنصرمة.

 وأنا أقلب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وخلال نقاشاتي ومحاوراتي مع الأصدقاء دائما ما ينتابني تساؤل عن حياة الملحد – واللاديني أيضا-  كيف له أن يعيش باستقرار نفسي؟!. كيف لمن لا يعلم ما سيحدث له بعد الموت أن ينعم بحياة؟!. إني أتصور أن أي شخص يتعرض للتشكيك في الحقائق الكبرى لديه لا يمكن أن يعيش حتى يتيقن من موقفه حيال تلك الشكوك.. أما أن يكون الموضوع عنده كشربة ماء فهذا ما لا أفهمه.

نزع القلق عن الأسئلة الوجودية !

إن هذا الذي أسميه “نزع القلق عن الأسئلة الوجودية” يعتبر سمة من سمات مفهوم العلمية أو الموضوعية في العصر الحديث، حيث يطلب من الناس نقاش كل شيء وأي شيء بالقدر نفسه من العاطفة، والقدر نفسه من الحماس، يريدون منك أن تناقش وجود الله أو النبوة أو مصير الإنسان كما تناقش أفضلية ميسي على رونالدو، كل المواضيع كـ”شربة ماء”.

إقرأ أيضا:ذبح الأضحية يوم العيد.. طاعةٌ وتسليمٌ ومعانٍ أخرى!

إن هذا التصور للعلمية والموضوعية هو في حقيقته نوع من علمنة الأسئلة الوجودية، وإماتة الفطرة الإنسانية التي تتطلب اليقين في مثل هذه الأسئلة؛ هو نوع من خداع الذات الذي يمارسه الإنسان الحديث في كثير من مجالات الحياة، فقلب الإنسان فيه افتقار ذاتي، لله لا يسكن إلا مع الله وفي هذا يقول ابن القيم (إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبد.).

أثارت الجلسة النقاشية التي أقامتها الجامعة عن الإلحاد والأسئلة الوجودية المرتبطة به ضجة واستنكار عند البعض حتى كادت أن تلغى.. مع اختلافي مع من طلب إلغاء الجلسة، إلا أن موقفهم موقف فطري طبيعي، فالجلسة تمس أصل الأصول وهو وجود الله، إن مجرد تصور إمكان وجود شك في هذه الحقيقة الكبرى يستفز النفوس السليمة ويقلقها، هذا الموقف يذكرني بموقف أصحاب النفوس السوية الصحابة -الذين لم تفسد فطرتهم الحياة الحديثة- فقد كان يرد على أذهانهم تساؤل عن الله ومن خلقه، لقد كان يفضل أحدهم أن تبتلعه الأرض على أن يتساءل مثل هذا التساؤل وكان توصيف النبي صلى الله عليه وسلم لهذا القلق أنه “صريح الإيمان”.

إقرأ أيضا:الرق في الإسلام… شبهة أم إعجاز
السابق
أعداد الملحدين في العالم العربي.. تهويلٌ وتهوين!
التالي
المرأة في الأحاديث الموضوعة.. جريمةٌ دعوية باسم السنة!