المنهيات الشرعية

الآذى

الأذى لغة

الأذى مصدر قولهم: أذي الشيء يأذى، وهو مأخوذ من مادة (أذ ى) التي تدل على «الشيء تتكرهه ولا تقر عليه، ومن ذلك الإيذاء، يقال: آذيت فلانا أوذيه: أي ألحقت به ما يكره، ويقال: بعير إذ وناقة أذية، إذا كان (كل منهما) لا يقر في مكان من غير وجع، ولكن خلقة، وكأنه يأذى بمكانه، ومن ذلك الآذي وهو الموج المؤذي لركاب البحر، وأما قول الله تعالى: ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى (البقرة/ 222) فقد سمي بذلك باعتبار الشرع، وباعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة «1» .

وقال القرطبي: هو شيء تتأذى به المرأة وغيرها أي برائحة دم الحيض، والأذى كناية عن القذر على الجملة، ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى:

لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى (البقرة/ 264) ومنه أيضا قوله تعالى: ودع أذاهم (الأحزاب/ 48) أما الأذى في الحديث الشريف «وأميطوا عنه الأذى» يعني بالأذى: الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد.. وفي حديث الإيمان «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» يعني: الشوك والحجر والنجاسة وما أشبه ذلك مما يتأذى به المار «2» .

وقال الجوهري: يقال: آذاه يؤذيه فأذي هو أذى، وأذاة وأذية، وتأذيت به.

قال ابن منظور: قال ابن بري: صوابه: آذاني إيذاء، وأما أذى فمصدر أذي، وكذلك أذاة، وأذية، فأنا أذ، ورجل أذي: إذا كان شديد التأذي، وقد يكون الأذي: المؤذي، وفي الحديث كل مؤذ في النار، وهو وعيد لمن يؤذي الناس في الدنيا بعقوبة النار في الآخرة.

إقرأ أيضا:هجر القران

وقوله عز وجل ودع أذاهم؛ تأويله أذى المنافقين لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمر، وآذى الرجل:

فعل الأذى؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم، للذي تخطى رقاب الناس يوم الجمعة: «رأيتك آذيت وآنيت» «3» .

الأذى اصطلاحا

قال الراغب: الأذى ما يصل إلى الحيوان من الضرر إما في نفسه أو جسمه، أو تبعاته دنيويا كان ذلك أو أخرويا «4» .

وقد ذكر المناوي هذا التعريف مع تعديليسير فقال: الأذى: ما يصل إلى الحيوان من ضرر أو مكروه في نفسه أو بدنه أو قنيته «1» دنيويا أو أخرويا «2» .

من معاني كلمة الأذى في القرآن

الأول: بمعنى الحرام: ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى (البقرة/ 222) أي حرام.

الثاني: بمعنى القمل: أو به أذى من رأسه (البقرة/ 196) .

الثالث: بمعنى الشدة والمحنة: إن كان بكم أذى من مطر (النساء/ 102) .

الرابع: بمعنى الشتم والسب: والذان يأتيانها منكم فآذوهما (النساء/ 11) ، لن يضروكم إلا أذى (آل عمران/ 111) ، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا (آل عمران/ 186) .

الخامس: بمعنى الزور، والبهتان على البريء:

إقرأ أيضا:السفاهة

كالذين آذوا موسى (الأحزاب/ 69) ، يا قوم لم تؤذونني (الصف/ 5) .

السادس: بمعنى الجفاء والمعصية: إن الذين يؤذون الله ورسوله (الآية 57 سورة الأحزاب) أي يعصونهما.

السابع: بمعنى شغل الخاطر وتفرقة القلب:

إن ذلكم كان يؤذي النبي (الأحزاب/ 53) .

الثامن: بمعنى المن عند العطية: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى (الآية 264 سورة البقرة) التاسع: بمعنى العذاب والعقوبة: فإذا أوذي في الله (الآية 10 سورة العنكبوت) .

العاشر: بمعنى غيبة المؤمنين: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا (الآية 58 سورة الأحزاب) «3» .

[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- البغي- الظلم- العدوان- التحقير- الإجرام- الاستهزاء القسوة- الجحود- نكران الجميل- عقوق الوالدين- التعاون على الإثم والعدوان.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعاون على البر والتقوى- الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- المحبة- الاعتراف بالفضل- الفضل- الإحسان- بر الوالدين] .

الآيات الواردة في «الأذى»

الأذى في سياق التكليف

1- وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (196) «1»

إقرأ أيضا:الجبن

2- ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (222) «2»

3- الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (262) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم (263) يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين (264) ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (265) «3»

4- واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15) والذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16) «4»

5- وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لميصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (102) فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103) «1»

6- يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما (53) «2»

الأذى في سياق الدعوة للمصابرة

7- كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110) لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون (111) «3»

8- لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186) «4»

9- إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192)ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (194) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (195) «1»

10- وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (32) قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (33) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34) وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين (35) «2»

11- قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (128) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون (129) «3»

12- ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم (61) يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين (62) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم (63) «4»

13- قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11)وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون (12) «1»

14- ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين (10) «2»

15- يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (46) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا (47) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (48) «3»

الأذى في سياق التنفير من الإيذاء

16- لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا (55) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (56) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا (57) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا (58) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما (59) «4»

17- يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها (69) «5»

18- وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين (5) «6»

الأحاديث الواردة في ذم (الأذى)

1-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما» . وقال سفيان في حديثه: «لا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه» ) * «1» .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يتناجى اثنان دون واحد، فإن ذلك يؤذي المؤمن، والله- عز وجل- يكره أذى المؤمن» ) * «2» .

2-* (عن أبي سهلة السائب بن خلاد- قال أحمد: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ: «لا يصلي لكم» فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم» وحسبت أنه قال: «إنك آذيت الله ورسوله» ) * «3» .

3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنما أنا بشر. فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة» ) * «4» .

4-* (عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-: أن رجلا وقع في أب كان له في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: ليلطمنه، كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر، فقال: «أيها الناس، أي أهل الأرض تعلمون أكرم على الله- عز وجل-؟» فقالوا: أنت، فقال: «إن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا» ، فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك، استغفر لنا) * «5» .

5-* (عن عائشة- رضي الله عنها-: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة. فكلم حزب أم سلمة، فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديةفليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: فكلميه، قالت:

فكلمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك. فدار إليها فكلمته، فقال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة» .

قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر.

فكلمته فقال:

«يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟» قالت: بلى. فرجعت إليهن فأخبرتهن، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع.

فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت، وقالت:

إن نساءك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة «1» ، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم؟ «2» ، قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها.

قالت: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال:

«إنها بنت أبي بكر» «3» .

6-* (عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب؛ أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وأنا عنده، فقال: «ما أغضبك؟» قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك. قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه، ثم قال: «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله» ، ثم قال: «يا أيها الناس، من آذى عمي فقد آذاني فإنما عم الرجل صنو أبيه «4» » ) * «5» .

7-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقول: «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب. فلا آذن لهم. ثم لا آذن لهم. ثم لا آذن لهم.

إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما ابنتي بضعة «6» مني. يريبني ما رابها «7» .

ويؤذيني ما آذاها) «8» .

8-* (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس في الطرقات» . فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا، نتحدث فيها.

فقال: «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريقحقه» . قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:

«غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ) * «1» .

9-* (عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما «2» أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم- إما قال بضعا وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا.

قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها «3» ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه. إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه.

قسم لهم معهم، قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا- يعني لأهل السفينة- نحن سبقناكم بالهجرة قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة.

وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس.

قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت، وقالت كلمة:

كذبت. يا عمر كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم وكنا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «4» في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى، وإنه ليستعيد هذا الحديث مني) * «6» .

10-* (عن عبد الله بن بسر- رضي اللهعنه- جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اجلس، فقد آذيت» ) * «1» .

11-* (وعن عمرو بن شاس الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية- رضي الله عنه- قال: خرجت مع علي- رضي الله عنه- إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت في نفسي عليه «2» فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد حتى سمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني «3» عينيه يقول: حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال: «يا عمرو والله لقد آذيتني» .

قلت: أعوذ بالله من أن أوذيك يا رسول الله. قال: «بلى، من آذى عليا فقد آذاني» ) * «4» .

12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك «5» .

فمسسته بيدي. فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل.

إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قال: فقلت: ذلك، أن لك أجرين.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها» ) * «6» .

13-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنه سأل أخته أم حبيبة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى) * «7» .

14-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض «8» الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظمحرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) * «1» .

15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد. وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي- يعني عليه- الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يؤذ (يحدث) فيه) * «2» .

16-* (عن أبي ذر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت علي أعمال أمتي. حسنها وسيئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق.

ووجدت في مساوىء أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «3» .

17-* (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

«كان أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه. قال: والتحنث: التعبد.

الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود بمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارىء. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد.

ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد.

ثم أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم الآيات إلى قوله «4» علم الإنسان ما لم يعلم (العلق/ 1- 5) .

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني.

فزملوه حتى ذهب عنه الروع. قال لخديجة: «أي خديجة، مالي لقد خشيت على نفسي؟» . فأخبرها الخبر. قالت خديجة: كلا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكانامرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يا عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا- ذكر حرفا «1» – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أو مخرجي هم قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم» ) * «2» .

18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه.

قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذلك بعد ما أنزل الحجاب…… الحديث وفيه قالت: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي.

يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود.

فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا.

وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير.

وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن «3» رأيت عليها أمرا قط أغمصه «4» عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن «5» فتأكله. قالت:

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فاستعذر «6» من عبد الله ابن أبي ابن سلول.

قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا.

ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا.

وما كان يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك … الحديث) * «7» .

19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد. ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد. ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلاما وارى إبط بلال» ) * «1» .

20-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:

لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة.

فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل. وأعطى عيينة مثل ذلك. وأعطى أناسا من أشراف العرب. وآثرهم يومئذ في القسمة. فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله. قال فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيته فأخبرته بما قال:

قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف «2» . ثم قال:

«فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله» قال: ثم قال:

«يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» .

قال قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا) * «3» .

21-* (عن النعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «4» .

22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق. فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم. فأدخل الجنة» ) * «5» .

23-* (عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه- أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: «مستريح، ومستراح منه» . قالوا:

يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه، قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله عز وجل- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» ) * «6» .

24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ) * «7» .

25-* (عن جابر- رضي الله عنه- يقول:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف «8» ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله» فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحب أن أقتله؟ قال: «نعم» قال: ائذنلي فلأقل «1» . قال: «قل» .

فأتاه فقال له. وذكر ما بينهما.

وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة. وقد عنانا «2» . فلما سمعه قال: وأيضا. والله لتملنه «3» . قال:

إنا قد اتبعناه الآن. ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره. قال: وقد أردت أن تسلفني سلفا.

قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد. قال: ترهنني نساءكم.

قال: أنت أجمل العرب. أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم. قال: يسب ابن أحدنا.

فيقال: رهن في وسقين «4» من تمر. ولكن نرهنك اللأمة (يعني السلاح) . قال: فنعم. وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر. قال:

فجاءوا فدعوه ليلا، فنزل إليهم. قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته: إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم «5» .

قال: إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة «6» . إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب.

قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه.

فإذا استمكنت منه فدونكم. قال: فلما نزل، نزل وهو متوشح. فقالوا: نجد منك ريح الطيب. قال: نعم.

تحتي فلانة، هي أعطر نساء العرب.

قال: فتأذن لي أن أشم منه. قال: نعم، فشم. فتناول فشم. ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه. ثم قال:

دونكم. قال: فقتلوه) «7» .

26-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث. فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: «من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا.

فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» ) * «8» .

27-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا محمد، اشتكيت؟ فقال: نعم. قال: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك «9» باسم الله أرقيك» ) * «10» .

28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله- عز وجل-: يؤذيني ابن آدم «1» يسب الدهر، وأنا الدهر «2» بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار) * «3» .

الأحاديث الواردة في ذم (الأذى) معنى

29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.

وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه.

وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «4» .

30-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد يقول: «أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد» فترك علي الخطبة.

وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة، عن ابنشهاب عن علي بن الحسين عن مسور: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» ) * «1» .

31-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك، إما أن يحذيك «2» ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة”) * «3» .

32-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمر عليهم أسامة ابن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده) * «4» .

33-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه:

ويقول: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» ) * «5» .

من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (الأذى)

1-* (قال الربيع بن خثيم- رحمه الله-:

«الناس رجلان: مؤمن فلا تؤذه، وجاهل فلا تجاهله» ) * «6» .

2-* (ومن كلام يحيى بن معاذ الرازي:

ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”) * «7» .

3-* (قال رجل لعمر بن عبد العزيز: اجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا فأي أولئك تحب أن تسيء إليه؟) * «8» .

4-* (قال مالك: العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة، ثم يتأذى بدخوله عليه، فرخص له أنيشتريها منه بتمر» ) * «1» .

أي أنه كره أذى المؤمن بكثرة الدخول عليه.

5-* (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى (البقرة/ 262) . قوله ولا أذى أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان «2» .

6-* (قال ابن رجب- رحمه الله-: تضمنت النصوص أن المسلم لا يحل إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حق) * «3» .

من مضار (الأذى)

(1) الإيذاء سبب في سخط الله- عز وجل- على العبد.

(2) المؤذي يمقته الله، ويمقته الناس.

(3) يعيش في المجتمع منبوذا فريدا، يخاف الناس أذاه، فيكرهون مخالطته ومصاحبته.

(4) إذا كثر المؤذون في المجتمع وسكت الناس عنهم فسدت أحواله وآل إلى الزوال.

(5) يسبب العداوة والبغضاء بين المسلمين.

(6) دليل سوء الأخلاق وانحطاط النفس وخبثها.

السابق
الأثرة
التالي
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر