إسلام حمزة بن عبد المطلب
كان إسلام حمزة عزّةً ومنعةً لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وللمسلمين عامة، وأمّا قصة إسلامه؛ فبدأت عندما كان عائداً إلى من الصيد كعادته، فاستقبلته مولاة عبد الله بن جدعان، وقالت له: (يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقيَ ابنُ أخيك آنفًا من أبي الحكم، وجده هاهنا جالسًا، فآذاه وسبَّه وبَلَغ منه، ولم يكلِّمه محمدٌ)، فلما سمع حمزة ذلك استشاط غضباً، ثمّ توجّه نحو الكعبة باحثاً عن أبي جهلٍ، فلمّا وجده توجّه نحوه وهو يحمل القوس بيده ثمّ ضربه على رأسه فشجّه شجةً منكرةً، وقال: (أتشتمه؟ فأنا على دينه، أقول ما يقول فرُدّ عليّ ذلك إن استطعت)، فهمّ رجال من بني مخزوم بأن يقوموا إلى حمزة وينصروا أبا جهلٍ، ولكنّ أبا جهلٍ نهاهم عن ذلك، فاستجابوا له، وتمّ بذلك إسلام حمزة رضي الله عنه، ثمّ هاجر إلى المدينة المنوّرة، وشهد بدراً وقاتل فيها قتالاً عظيماً.[١]
استشهاد حمزة بن عبد المطلب
كان قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أحد أهداف قريش في معركة أُحد؛ حيث إنّهم اختاروا عبداً حبشياً صاحب مهارةٍ خارقةٍ في رمي الحَربة، اسمه وحشي، وأوكلوا إليه مهمّة قتل حمزة بن عبد المطلب بغضّ النظر عن مجريات المعركة، وحذروه من الانشغال عن تلك المهمّة بأيّ شيءٍ آخر، كما وُعِد وحشي من سيده جبير بن مطعم، بأن يمنحه حريّته كجزاءٍ له إن أتمّ المهمّة، وقال له:(اخرج مع الناس، وإن أنت قتلت حمزة فأنت عتيق)، ثمّ أرسله إلى هند بنت عتبة التي كانت قد فقدت أباها، وأخاها، وعمّها، وابنها في معركة بدر، وقيل لها أنّ حمزة بن عبد المطلب هو من قتل بعضهم وأجهز على الآخرين، فكانت أكثر القرشيين حقداً على حمزة رضي الله عنه، ولبثت قبل المعركة أياماً وهي تفرّغ ذلك الحقد في صدر وحشي، ووعدته إن قتل حمزة أن تعطيه عقدها الذهبي، وقرطها اللؤلؤي، فتشجّع وحشي لقتل حمزة؛ حتى ينال حريّته التي طالما حلم بها، وليأخذ الذهب واللؤلؤ الذي وعدته به زوجة زعيم قريش، وجاء يوم أحدٍ والتقى الجمعان، وكان حمزة -رضي الله عنه- مرتدياً لباس الحرب مزيّناً صدره بريشة النعام، متأهباً للقتال، وما أن بدأت المعركة حتى طار حمزة -رضي الله عنه- مخترقاً صفوف المشركين، لا يقصد رأساً إلا قطعه، وأخذ يضربهم بسيفه حتى أثخنهم، والمسلمون يصولون معه ويجولون، حتى اقترب النصر، وولّت فلول قريش هاربةً مذعورةً، وكادت أن تكون أرض أحدٍ مقبرةً لكفار قريش، لولا نزول الرماة عن الجبل لجمع الغنائم؛ ممّا ترك ثغرةً في ظهر المسلمين فاستغلها فرسان قريش ودهموا المسلمين من ورائهم على حين غفلةٍ، وأخذوا يضربون بالسيوف كلّ من وقف في وجههم، فلمّا رأى حمزة -رضي الله عنه- ما حدث، زاد من نشاطه وأخذ يضرب بكلّ قوّةٍ عن يمينه، وشماله، وفي كلّ اتجاه، وفي تلك اللحظات كان وحشي يراقبه، وينتظر اللحظة المناسبة ليغدر به، ويوجه نحوه ضربته.[٢]
إقرأ أيضا:استشهاد عمر بن الخطابووصف وحشي قتله لحمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قائلاً: (كُنْتُ حبَشِيًّا أقذِفُ بالحربةِ قَذْفَ الحبَشةِ، قلَّما أُخطِئُ بها شيئًا فلمَّا التقى النَّاسُ خرَجْتُ أنظُرُ حمزةَ حتَّى رأَيْتُه في عَرضِ النَّاسِ مِثْلَ الجمَلِ الأَوْرَقِ يهُزُّ النَّاسَ بسيفِه هزًّا ما يقومُ له شيءٌ، فواللهِ إنِّي لَأتهيَّأُ له أُريدُه وأتأنَّى عَجْزًا، إذ تقدَّمني إليه سِباعُ بنُ عبدِ العُزَّى، فلمَّا رآه حمزةُ قال: هلُمَّ يا ابنَ مُقطِّعةِ البُظورِ -حيث إن أمه أم أنمار كانت ختانة مكّة- قال: ثمَّ ضرَبه، فواللهِ لَكأنَّما أخطَأ رأسَه، قال: وهزَزْتُ حَرْبتي حتَّى إذا رضِيتُ منها دفَعْتُها عليه، فوقَعَتْ في ثُنَّتِه -ما بين أسفل البطن والعانة- حتَّى خرَجَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فذهَب لِينوءَ نَحوي فغُلِب وترَكْتُه وإيَّاها حتَّى مات، ثمَّ أتَيْتُه فأخَذْتُ حَرْبَتي، ثمَّ رجَعْتُ إلى النَّاسِ فقعَدْتُ في العسكرِ ولَمْ يكُنْ لي بعدَه حاجةٌ، إنَّما قتَلْتُه؛ لِأُعتَقَ فلمَّا قدِمْتُ مكَّةَ عَتَقْتُ)،[٣] وبعد استشهاد حمزة رضي الله عنه، لم تكتفِ هند بنت عتبه بذلك، بل استخرجت كبده ثمّ لاكتها، إلا أنّها لم تستسيغها، فأخرجتها من فمها، وهي تظنّ أنّها تشفي حقدها وغلّها بتلك الحماقة، ثمّ انتهت المعركة وعاد المشركون إلى مكّة، ونزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة -رضي الله عنهم- إلى أرض أحد؛ لينظروا حال الشهداء هناك، فلمّا رأى النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- ما فعل المشركون من تمثيلٍ بجثّة عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيد الشهداء، فغضب غضباً شديداً، وقال:(لولا أن تَجزعَ صفيَّةُ لترَكْتُهُ حتَّى يَحشرَهُ اللَّهُ من بُطونِ الطَّيرِ)،[٤] ثم صلّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة على حمزة رضي الله عنه، ثمّ جيء بشهيدٍ آخر ووُضع بجانب حمزة -رضي الله عنه- وصلّوا عليه، وهكذا إلى أنّ صلوا عليه في ذلك اليوم سبعين صلاةً
إقرأ أيضا:في أي عام ولد الرسول