المؤرخون

ابن بشكوال

ملخص المقال

    يعرض المقال نبذة عن ابن بشكوال حافظ الأندلس ومؤرخها وأشهر أعلام قرطبة في التاريخ والحديث، مع بيان نشأته وإسهامات ابن بشكوال العلمية

تعريف وجيز بالإمام الحافظ ابن بَشْكُوال (494 – 578هـ/1101 – 1183م) أحد أعلام قرطبة في الحديث والتاريخ وغيرهما من العلوم الإسلامية، الذي آثر التفرغ للعلم على الولايات، وقضى عمره المَديد طالبًا للخير ومطلوبًا فيه، فتلقى العلم عن كثير من أئمة عصره، وتحمل عنه العلم أعداد كبيرة لا تُحصى كثرة، ولم يقنع بهذا الأثر الجليل الذي خَلّفه من طلبة العلم، فقد أبقى أيضًا تراثًا زاخِرًا مباركًا، وهو مصنفاته الحفيلة في فنون العلم المختلفة، والتي بلغت خمسين تأليفًا.

نسب ابن بشكوال ونشأته:
هو الإمام المتقن الحجة، الحافظ الكبير، الناقد المجود، المؤرخ، الفقـيه، محـدِّث الأندلس وراويتها، وأحد أعلام المؤرخين وأصحاب الأخبار المحققين، في العصر المرابطي: أبو القاسم خَلَـف بن عبد الملك بن مَسعود بن موسى بن يوسف بن دَاحَهْ بن دَاكَهْ بن نصر الأَنصاري الخَزرجي، الأندلسي، ابن بشكوال، القاضي، المالِكي، الزاهد، المعروف بـ “ابن بَشْكُوال القُرْطُبي”.

ولد في قرطبة وفيها نشأ يوم الاثنين ثالث ذي الحِجة سنة 494هـ / 1101م. تنتسب أسرته إلى شُرِّيُّون Sorrion من نواحي بلنسية. أما الاسم بشكوال فيأتي من كلمة “بَسكوال” الإسبانية نسبة إلى بَسكا ومعناها عيد الفصح.

إقرأ أيضا:ابن خلدون – مفخرة الإسلام

حياة ابن بشكوال العلمية:
بدأ ابن بشكوال حياته العلمية منذ حداثة سنه، فقد كان والده أبو مروان من أهل الفقه والقراءات، كما أن أخاه الأصغر منه أبا عبد الله محمد بن عبد الملك كان من أهل الرواية والفقه أيضًا، وكلاهما سمع من أبيه، فتلمذ له وروى عنه.

وطلب أبو القاسم العلم في قُرْطُبة وإشبيلية، ولم يرحل من الأندلس، لكنه تحمل عن جماعة من أهل المشرق بالإجازة، وشيوخه نحو المئة. أولهم: أبو بكر يحيى بن خَلَف بن زكريا الفِهْري القُرْطُبي، كما تلمذ في قرطبة لآخرين، منهم: أبو الوليد بن رُشد الكبير الفقيه المالكي قاضي الجماعة في قرطبة (ت520هـ)، وأجازه أبو علي حسين بن محمد (ت 514هـ) كما سمع من علماء آخرين، ولمّا انتقل إلى إشبيلية سمع من أبي بكر بن العربي (ت 543هـ) وغيره، كما سمع أبا محمد بن عتّاب فأكثر عنه، وهو أعلى شيخ له، وأبا بحر بن العاص، وطبقتهما، وأجاز له أبو علي الصّدفي. وكان يكاتب طائفة من أهل المشرق ويكاتبونه.

ولي ابن بشكوال القضاء مدة في بعض نواحي إشبيلية نيابة عن أبي بكر ابن العربي، وعَقَد الشروط (الوثائق) بقرطبة، ولكنه مالبث أن تركه وانصرف إلى الدرس والتأليف في السِّير والتاريخ.

اكتسب ابن بشكوال معرفة واسعة بالحديث فيما كان يرويه ويسنده حتى وصفه ابن الأبّار بأنه كان آخر حجة في الحديث بقرطبة. كما اكتسب معرفة واسعة بتاريخ وطنه، ولم يكن له نظير في معرفة تاريخ الأندلس، قديمه وحديثه

إقرأ أيضا:ابن دقماق – مؤرخ الديار المصرية

تلاميذ ابن بشكوال:
وتلقى عن ابن بشكوال العلم عدد كبير، قال ابن الأبّار: “والرواة عنه لعلو الإسناد وسَعَة المسموع لا يُحْصَوْن كثرة”. فمن أشهر تلامذته: الإمام البارع الحافظ المتقن ابن خير (ت 575هـ)، العلاّمة الحافظ ابن القنطري (561هـ)،  الإمام، المحدِّث المتفنن قاضي الجماعة بمَرّاكُش ابن بقي بن مخلد (ت 625هـ)، والعلامة مسند الأندلس ابن السراج (ت 657هـ)، والمسند الفرضي المهندس القضاعي (ت 657هـ). وممن روى عنه أبي بكر بن سَمْحون، وأبي الحسن بن الضّحاك.

منزلة ابن بشكوال ومكانته:
وقد أشاد الأئمة بمنـزلة ابن بشكوال العالية التي لا تُدرك إلا بالجد التام، وصدق الصبر، وحسن النية، وحسبنا من ثنائهم الواسع قول ابن الأبّار: “بقية المُسْنِدين بقُرطبة، والمسلّم له في حفظ أخبارها ومعرفة رجالها… وكان رحمه االله متسعَ الرواية، شديد العناية هبا، عارفًا بوجوهها، حجة فيما يرويه ويسنده، مقلَّدًا فيما يُلقيه ويُسمعه، مقدَّمًا على أهل وقته في هذا الشأن، معروفًا بذلك، حافظًا، حافلًا، أخباريًا مُمَتَّعًا، تاريخيًا مفيدًا، ذاكرًا لأخبار الأندلس القديمة والحديثة، وخصوصًا لما كان بقُرطبة، حاشدًا مكثرًا، روى عن الكبار والصغار، وسمع العالي والنازل، وكتببخطه علمًا كثيرًا، وأسند عن شيوخه نَيِّفًا وأربع مئة كتاب بين كبير وصغير وعُمِّر طويلًا، فرحل الناس إليه، وأخذوا عنه، وانتفعوا به، ورغبوا فيه، وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا الجِلّة، ووصفوه بصلاح الدِّخْلة، وسلامة الباطن، وصحة التواضع، وصدق الصبر للراحلين إليه، ولين الجانب، وطول الاحتمال في الكَبْرَة للإسماع رجاء المثوبة”.

إقرأ أيضا:محمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى

وكل هذه الخلال الجميلة -الذي ذكرها ابن الأبار- تتجلى في كتاباته، لذلك لم يجد أحدٌ من سبيل إلى الطعن فيه، وقد عاش طويلًا حتى جاوز الثمانين، وكان يكره أن يسأله أحد عن مولده، فكان يردّ عليه: “أقبل على شأنك، ليس من مروءة الرجل أن يخبر بسنه”.

مؤلفات ابن بشكوال:
لقد ترك ابن بَشْكُوال تراثًا علميًا جليلًا، يدل على إمامته وحفظه وإتقانه، قال ابن الأبار عقب تسميته لبعض مصنفاته: “إلى غير ذلك من مؤلفاته ومجموعاته الشاهدة له بالحفظ والإكثار”، وتآليف هذا الإمام متنوعة ونافعة مع كثرتها، قال ابن خَلِّكان: “وله التصانيف المفيدة”.

فقد ترك ابن بشكوال عددًا كبيرًا من المؤلفات، قيل إنها بلغت خمسين مؤلفًا، قال ابن الأبار: “وألف خمسين تأليفًا في أنواع مختلفة”. وقد ذكرها الذهبي في تذكرته، وعامتها في علم الحديث وتراجم الرجال لاسيما رجال الحديث. أشهرها:

كتاب “الصلة”:
في مجلدين، وقد جعله ابن بشكوال ذيلًا على “تاريخ علماء الأندلس” لابن الفرضي، وجمع فيه تراجم عدد كبير من علماء الأندلس وترجم فيه لأبيه، ويعدّ هذا الكتاب من أهم الكتب التي ألفها ابن بشكوال، واعترف معاصروه بقيمته ورأوا فيه كتابًا لا يستغني أهل الفقه عن النظر فيه والاحتجاح به، وفرغ ابن بَشْكُوال من تأليف هذا الكتاب الجليل سنة 534هـ. وقد اعتمد المؤلف فيه على مصادر أساسية أهمها: الرواية المتواترة، التي استقاها من شيوخه، ومن المكاتبات التي كانت بينه وبين غيره من العلماء، ومن النقل من الكتب التي سبقته في هذا الفن وخاصة كتاب ابن الفرضي وكتاب “جذوة المقتبس” للحميدي، وكان يقابل الروايات التي كتبت بخط من سبقوه ويعتمد على مصادر للتثبت من صحة الرواية.

وقد ذكر في كتابه رواة الحديث من الأندلسيين الذين عاشوا في الأندلس أو رحلوا عنها أو جاؤوا إليها، وكان يضيف إلى ذلك ما له قيمة علمية في هذه الرحلات، التي كانت في الأصل للحج، ولكن العلماء كانوا يعدونها فرصة للاطلاع العلمي على أحدث ما وصل إليه العلماء شرقًا وغربًا.

ووضّح ابن عبد الملك المَرّاكُشي منهج ابن الفَرَضي وابن بَشْكُوال في كتابيهما فقال: “إن الحافظ أبا الوليد رحمه االله رتّب أبواب كتابه على توالي حروف المعجم المعروف ببلاد المشرق .. وتبعه على ذلك الترتيب أبو القاسم بن بَشْكُوال في صلته تاريخه .. وجعل ابن الفَرَضي وابن بَشْكُوال الأسماء في الأبواب على طبقات المذكورين فيها، فقدّما الأسبق في الوجود فالأسبق، وعقّبا كل اسم من أسماء الأندلسيين بمن وجدوه من موافقه من الغرباء -وهم في مصطلحهما الطارئون على الأندلس من غيرها، سواء كان أصلهم منها أو من غيرها- إن وجدا له في الغرباء سميًا، وجعل الأسماء في كل باب على حسب الأكثر فالأكثر، والأشهر فالأشهر، وختما كل حرف بذكر مفاريد الأسماء الموجودة فيه بتقديم الأندلسيين وتأخير الغرباء إن وَجَداهُم”.

ولم يكن ابن بشكوال يكتفي بعرض الجانب العام من شخصية المترجم له، بل كان يلمس الجوانب الخاصة من حياته، وكان في ذلك يبين حالة المجتمع في زمانه، ولم يكن يعنى بالجوانب الأدبية عند العالم، لذلك قلّت النصوص والشواهد في كتابه فلم يكن يشير إليها إلا نادرًا، إذ ركّز اهتمامه في ترجمته لرجال الفقه والحديث على الجانب الأخلاقي والسلوكي. وقد نشر الكتاب المستشرق الإسباني كوديرا Codera في مدريد في المكتبة العربية الإسبانية سنة 1883م.

وأثنى ابن الأبّار على كتاب الصلة مع الإشارة إلى بعض منهجه، فقال في سِياق كلامه عن مؤلفات ابن بَشْكُوال: “أجلُّها كتاب الصلة، سلّم له أَكْفاؤه فيه، ولم ينازعه أهل صناعته الانفراد به، ولا أنكروا مَزِيّة السَّبْق إليه، بل تشوّفوا للوقوف عليه، وأنصفوا من الاستفادة منه . وقد حمله عنه أبو العباس بن العريف الزاهد ممن يَعده في شيوخه، وصار إليّ ما كتب منه أبو القاسم بن حبيش على الاختصار وهو من كبار، وكان أبو الفضل عِياض وأبو محمد الرُّشَاطي -وناهيك بهما- يكاتبانه”.

ومن المعروف أن ابن الأبار وضع ذليلًا لصلة ابن بشكوال سماه “كتاب التكملة لكتاب الصلة” سار فيه على نهجه. وكتاب ابن بشكوال عظيم الفائدة لا يستغني عنه أهل الأدب، ولا يكاد إنسان يجد فيه خطأ.

وقد اعتمد ابن بشكوال في تصنيف الصلة على تاريخ الأندلس لأبي بكر حسن بن مفرج بن حماد بن الحسين المعافري المعروف بالقُبَّشِي القرطبي الذي يبدو أنه ألف كتابه على غرار مصنف آخر في نفس الموضوع لابن عفيف، عنوانه: “الاحتفال في تاريخ أعلام الرجال في أخبار الخلفاء والقضاة والفقهاء”. ونظر ابن بشكوال كذلك إلى معجم الرجال لأبي عمر المهدي، وإلى كتابين آخرين في الأدب والتاريخ لابن زورقة ، وكتاب آخر لابن عابد.  ورجع ابن بشكوال كذلك إلى كتاب “طبقات النحويين واللغويين” لابن خزرج الفقيه، وإلى تاريخ فقهاء طليطلة وقضاتها لأبي جعفر أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري بن مطاهر.

وقد أكمل فوات “الصلة” مؤلفون آخرون، متبعين طريقة ابن بشكوال، هم: أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن سفيان بن سِيدالَّة التجيبي (ت سنة 558هـ/ 1162م) وهو من أهل قَونَكَة بكتابه “مجموع في رجال الأندلس”، ويوسف بن أبي عبد الله بن سعيد بن أبي زيد اللِّرِّي (ت سنة 575هـ/ 1179م)، وهو من أهل ليرية. ويقول ابن الأبار في ترجمته في كتاب التكملة إنه: “كان قد شرع في تذييل كتاب ابن بشكوال”، وأنه “ألف كتابًا في طبقات الفقهاء من عصر ابن عبد البر إلى عصره”. ووضع ابنْ الزبير كذلك ذليلًا على صلة ابن بشكوال سماه “صلة الصلة” (نشره ليفي بروفنسال سنة 1938م).

كتاب “الغوامض والمبهمات من الأسماء”:
ولابن بشكوال كتاب “الغوامض والمبهمات من الأسماء” وهو من الكتب التي اتسعت روايتها، وهو مطبوع متداول. وهو معجم لكبار رواة الحديث وذوي الأسماء العسيرة التهجية أو التي تختلط بغيرها من الأسماء، فوضّحها، وقد نسج فيه على منوال الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد”. وقد أثنى الأئمة على هذا الكتاب في إتقانه وسعة جمعه رَغْم عدم ترتيبه، قال الإمام الذهبي: “يُنبئ عن إمامته”، وقال زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي: “وهو أكبر كتاب فيه (يعني في معرفة المُبْهَمات)، جمع فيه ثلاث مئة حديث، وواحدًا وعشرين حديثًا، ولكنه على غير ترتيب”، وقال ولي الدين العراقي: “وهو أنفس كتاب صُنِّف في المُبْهَمات .. غير مرتب، فتصعب الاستفادة منه على من أراد ذلك”. وقال السيوطي: “وهو أكبر كتاب في هذا النوع وأنفسُه”، وقال شمس الدين السخاوي: “وهو أجمعها”.

كتاب “الفوائد المنتخبة من الحكايات المستغربة”:
وهو عشرون جزءًا في مجلدٍ واحد، ويُعد هذا الكتاب من كتب الفوائد الحديثية، التي يُعنى أصحاهبا فيها بانتقاء الغرائب والأفراد من مروياهتم، لذا فإهنا تشتمل على الصحيح وغيره. وقد أسند ابن بَشْكُوال كل ما أورده فيها، سواء أكان من الأحاديث المرفوعة أو الموقوفة أو الحكايات، أو غير ذلك. ولعله رأى في حكاية الإسناد البراءة من العهدة فيما ساقه من الروايات الباطلة التي لم يبيِّن أمرها.

كتاب “المستغيثين بالله تعالى”:
وله كتاب “المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات والمُتَضَرِّعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات وما يسّر االله الكريمُ لهم من الإجابات والكرامات”، واقتبس منه ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة، وهذا الكتاب يتحدث عن كريم إجابة االله تعالى، كاشف الكَرْب ومجيب دعوة المضطر، لمن صَدَق في استغاثته ربه، وصَدَق في توكله عليه، وصَدَق في إيمانه به، مع تضمنه أدعية للنجاة والفَرَج . وهو في جملته عبارة عن قصص وحكايات عن النبي صلى االله عليه وسلم وأصحابه، وعن بعض الأنبياء السابقين، وعن الصالحين والداعين من أمة نبينا محمد صلى االله عليه وسلم ومن الأمم السالفة. وقد ساق المؤلف قسمًا منه بإسناده، واكتفى في قسم آخر منه بذكر أسانيد المؤلفين الذين نقل عن كتبهم. والكتاب جليل القدر، يرقق القلب، ويسلي النفس، ويبعث على اليقين، ويدعو إلى  الصلاح. لكن فيه بعض الأخبار الواهية التي يُعتذر عنها بإيراد الإسناد.

كتاب “معجم الشيوخ”:
وقد أثنى ابن الأبار عليه ورواه واقتبس منه، قال: “وله معجم في مشيخته مفيد، قد كتـبته، ومن أغفل منهم في صِلته أثبته في هذا الديـوان (يعني التكملة) واستدركته” وقد تقدم أن شيوخ ابن بشكوال نحو المائة، ومعجم الشيوخ هذا مفقود.

كتب أخرى:
ولابن بشكوال عدة مصنفات أخرى، منها كتاب “ذِكر من روى الموطّأ عن مالك” في جزأين، رتّب أسماءهم على حروف المعجم فبلغ عددهم ثلاثة وسبعين رجلًا. وكتاب “المحاسن والفضائل في معرفة العلماء الأفاضل”. وله تاريخ صغير في أحوال الأندلس، كثيرًا ما نقل عنه المَقّري. وله “الزيادات على كتاب الاستدراك على أبي عُمر بن عبد البَر الحافظ في كتابه الاستيعاب في الصحابة رضي االله عنهم أجمعين لابن الأمين القُرْطُبي”. وله “زهاد الأندلس وأئمتها”. وكتاب “قضاة قرطبة”، ومن كتبه: “أخبار ابن المبارك”، “أخبارالأعمش”، “أخبار ابن وهب”، وله في أخبار الترمذي، وابن عيينة، والنسائي، وإبراهيم الحربي، وأبي داوود، وغيرها.

وفاة ابن بشكوال:
وبعد تلك الحياة الحافلة بالجد والعطاء توفي ابن بشكوال رحمه االله تعالى، وذلك في بلده (قرطبة) ليلة الأربعاء لثمان خلون من شهر رمضان، سنة 578هـ / 1183م، وله ثلاث وثمانون سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام، ودفن بمقبرة قرطبة بقرب قبر الإمام الفقيه يحيى بن يحيى بن كثير الليثي تلميذ إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمهم الله جميعًا.

وختامًا: فإن هذا البحث ذكّر بتلك الشخصية الفذة، المتفننة في التحمل والأداء، والمجوِّدة في التأليف والعطاء، التي وقفت مدتها على العلم والعمل، واغتنمت في الخير دهرها لتعُِلّ بعد النَّهَل، وما زال عَبيرها يَفوح، وأَرِيجها يَلوح، من خلال مؤلفاتها المُدَبِّجة المباركة، التي ما تفتأ تُذكر فتُشكر، وتُنشر فتُكبر، فكم عَوّل عليها المستفيد، واستمد منها المستزيد. فرحمة االله على هذا الإمام، وعلى سائر أئمة الإسلام، وصلى االله وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.


المصادر والمراجع:
– ابن الأبار: التكملة لكتاب الصلة، تحقيق: عبد السلام الهراس، الناشر: دار الفكر للطباعة – لبنان
سنة النشر: 1415هـ / 1995م.
– الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط
الناشر : مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405هـ / 1985م.
– قاسم علي سعد: محدث الأندلس ابن بشكوال شخصيته ومؤلفاته، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابـها – جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ج١٦ ،ع٢٨ ،شوال ١٤٢٤هـ.
– آنخل جنثالث بالنثيا: تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة: حسين مؤنس، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2008م. مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات.
– نهلة الحمصي: ابن بشكوال، الموسوعة العربية العالمية.

السابق
ابن الكلبي
التالي
فؤاد سزكين